أزمة السودان.. معارك «سنار» تفضح بصمات «كتائب الظل» الإخوانية
سنار – صقر الجديان
بصمات تتزايد لـ«كتائب الظل» في حرب السودان تعكس سيطرة واسعة لـ”تنظيم الإخوان” على مجريات الأمور وتفضح أسباب عرقلة أي مساعٍ للتفاوض وإنهاء الأزمة.
ومع تصاعد وتيرة العنف والاقتتال في محور ولاية سنار (جنوب شرق) البلاد، أمس الخميس، أعلن “لواء البراء بن مالك”، عبر بيانات رسمية، مقتل قيادات بارزة على رأسها قائد القطاع الجنوبي (سنار/ النيل الأزرق)، حذيفة آدم عبدالله إبراهيم، بمنطقة “مايرنو” بولاية سنار، وقائد اللواء بولاية سنار، قصي بشرى إسماعيل، والقائد حذيفة آدم إبراهيم.
وكتيبة البراء بن مالك (المعروفة أيضا باسم لواء البراء بن مالك)، هي عناصر موالية للجيش السوداني ظهرت عبر شبكة معقدة من الفصائل المسلحة في البلاد.
وترتبط الكتيبة بقوات “الدفاع الشعبي”، وهي مجموعة شبه عسكرية كانت نشطة في عهد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وتعرف حاليا باسم “كتائب الظل”، وقد نشطت في دعم القوات المسلحة السودانية في معاركها المستمرة ضد قوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/نيسان 2023.
إشعال نار الفتنة
رئيس الهيئة الإعلامية لحزب “التجمع الاتحادي” بالسودان، محمد عبدالحكم، قال إنه “لم يكن مفاجئا لنا تصوير قيادات في مليشيات الإسلاميين المتطرفين لفيديو (لايف) في القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في الخرطوم في اللحظات الأولى لانطلاق حرب 15 أبريل/نيسان، ما أكد لنا ضلوعهم المباشر في إشعال الحرب، تنفيذا لوعيدهم المُعلن والمكرر وقتها بدفن الاتفاق الإطاري وموقعيه”.
والاتفاق الإطاري تم توقيعه في ديسمبر/كانون الأول 2022 بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير وعدد من الأحزاب والتنظيمات والتجمعات المهنية والحركات المسلحة، ومن أبرز بنوده تنظيم انتخابات ودمج قوات الدعم السريع ضمن الجيش.
وأضاف عبدالحكم لـ”العين الإخبارية”: “والآن مع تهديدهم المستمر لقيادات الجيش بالقتل مرة وبالإطاحة مرات أخرى حال اختاروا الحل التفاوضي لإنهاء الحرب، ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنهم أوقدوا الفتنة وحشدوا كل إرهابييهم، بهدف قتل أحلام السودانيين الطامحين لدولة الحرية والعدالة والسلام، بعد الإطاحة بحكم تنظيم الإخوان الإرهابي”.
وتابع قائلا إن “كتائب البراء وبقية مليشيات التنظيم الإرهابي حاليا تستهدف إعادة عقارب الساعة إلى الوراء للعودة إلى الحكم من جديد على ظهر بندقية الجيش، لقتل أحلام السودانيين والانتقام من ثورتهم المجيدة، وإطباق الخناق على البلاد مجددا بحكم ديكتاتوري يسيطر عليه تنظيم إرهابي”.
قبل أن يستدرك: “لكنهم يغفلون أن هذا الشعب حتى وإن قادته الحرب للتشظي في الرؤى والتصنيفات إلا أنه سيلاحق حلمه في دولة الحقوق والواجبات ودولة الحرية والعدالة والسلام دون أن يطرف له جفن، ولن يسمح لرعاة الإرهاب وداعميه بالعودة مرة أخرى لتجريع الشعب من سمهم الزعاف كما كان في عهدهم المباد”.
فرصة العودة إلى الحكم
أما الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، فقال “كان واضحا منذ بدايات الحرب أن الإسلاميين رافعة أساسية للحرب، وبالتالي ظهر إسنادهم باكرا بإعلان لواء البراء بن مالك انخراطه في العمليات الحربية لدعم الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع”.
وأضاف الأسباط لـ”العين الإخبارية” أن “هذا هو الظاهر والمعلن، لكن غير المعلن أن الإسلاميين يعتقدون أن دعم الجيش السوداني في مواجهة (الدعم السريع) يمهد لهم الطريق لمحو كل آثار ثورة ديسمبر/كانون الأول 2019 التي أطاحت بحكمهم الذي امتد لـ30 عاما”.
وتابع قائلا “بالتالي كما هو ملاحظ في الأشهر الأخيرة أن كل قادة الإسلاميين ومحلليهم والمدافعين عنهم ورموزهم دوما يتحدثون عن أن الجيش يمكن أن يتفاوض مع الدعم السريع، ولكن التفاوض يتم مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وهو ما يرفضونه، لأنهم يعتقدون أن هذه الحرب آخر فرصة لهم للعودة إلى الحكم”.
وبحسب الأسباط فإنه “إذا توقفت الحرب في أي لحظة وعم السلام وتم استئناف المسار المدني الديمقراطي فلا مستقبل لهم في العودة إلى الحكم، هذا هو الدافع الأساسي الذي يجعلهم يتدافعون لدعم العسكر عبر الألوية والشخصيات المعروفة مثل الناجي مصطفى وغيره من الإسلاميين ولواء (البراء بن مالك) وغيره من الألوية، وأيضا الدعم المعنوي والإعلامي عبر رموزهم”.
الكتائب الإرهابية
ومنذ اندلاع الأزمة، ظهرت على السطح كتائب إرهابية في معارك “سلاح المدرعات” جنوبي العاصمة الخرطوم، وقتل خلال الاشتباكات محمد الفضل عبدالواحد، وهو ابن شقيق وزير الخارجية الأسبق، مصطفى عثمان إسماعيل.
ويرتبط محمد الفضل بتنظيم “داعش”، ويشغل أمين الفكر في الحركة الإسلامية السودانية، ونعاه أصدقاؤه على منصات التواصل الاجتماعي.
كما أصيب في معارك “سلاح المدرعات”، أمير كتيبة “البراء بن مالك”، المصباح أبوزيد طلحة، وزاره رئيس مجلس السيادة قائد الجيش، عبدالفتاح البرهان، بعد خروجه من الحصار في القيادة العامة، بمستشفى “عطبرة” شمالي السودان، في أثناء تلقيه العلاج.
ويزعم أمير كتيبة “البراء بن مالك” خلال تسجيلات صوتية، أن عددها يتجاوز 20 ألفا يشاركون في القتال إلى جانب الجيش السوداني كتفا بكتف، والعمل على استقطاب المسلحين للمشاركة في القتال ضد قوات الدعم السريع.
بل إن كتيبة البراء تلاحقها اتهامات بالقمع، إذ لعبت دورا بارزا في قمع المظاهرات التي اندلعت عقب قرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 (شهدت إعلان الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء) من خلال زرع عناصرها داخل شرطة الاحتياطي المركزي المتهمة بقتل العشرات من المتظاهرين، وفق تقارير.
الرصاصة الأولى
وصباح 15 أبريل/نيسان 2023، سعى الأمين العام للحركة الإسلامية، علي كرتي، بكل قوة لتحريك “كتائب الظل” لإطلاق الرصاصة الأولى على قوات “الدعم السريع” داخل المدينة الرياضية جنوبي العاصمة الخرطوم، وفق إفادات خاصة تلقتها “العين الإخبارية”، ما أدى إلى اندلاع حرب مدمرة.
وبعد اعتقال قوات “الدعم السريع” كلا من رئيس التيار الإسلامي العريض، محمد علي الجزولي، ورئيس حزب المؤتمر الوطني (الحاكم السابق) بولاية الخرطوم، أنس عمر، في مايو/أيار 2023، بثت مقطعا مصورا لاعترافات تشير إلى وجود تنسيق سياسي وعسكري منذ وقت مبكر لإفشال الاتفاق الإطاري والتخطيط للحرب الحالية.
وأوضحت تلك القيادات الإرهابية، حسب الإفادات المصورة، أن هناك مجموعات محسوبة على الجيش وكتائب الإسلاميين، هاجمت قوات “الدعم السريع” في مقرها بالمدينة الرياضية جنوب العاصمة الخرطوم صبيحة 15 أبريل/نيسان، وأن التخطيط لإطلاق الطلقة الأولى والاعتداء على “الدعم السريع” تم بتدبير من الحركة الإسلامية.
والجزولي واحد من الشخصيات السياسية المثيرة للجدل والمعروف بانتمائه لتنظيم داعش الإرهابي، ويدعم بقوة الجيش في عملياته العسكرية ضد قوات الدعم السريع.
كما عمل أنس عمر، وهو ضابط رفيع في جهاز الأمن والمخابرات في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، وكان واليا (حاكما) لولاية شرق دارفور، واحتفظ في ذلك الوقت بعلاقة جيدة مع قوات الدعم السريع، التي كانت تدير المعارك ضد الحركات المسلحة في إقليم دارفور.
الاستنفار والقتال
وفي يونيو/حزيران 2023، أعلنت “الحركة الإسلامية” فتح ما سمته “باب الجهاد”، من أجل ما أطلقت عليه “معركة الكرامة”.
ونشرت صفحة حزب “المؤتمر الوطني” (الحاكم سابقا) عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك” ما يلي: “هذه حربنا منذ اللحظة الأولى، فلا مكان بيننا للمتخاذلين والجبناء، قم يا مجاهد وأوف بعهدك مع الشهداء فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا”.
وفي أثناء المعارك كشفت تقارير إعلامية عن مقتل مجموعة من قيادات الصف الثاني في تنظيم الإخوان، وهم: عمر قاسم سراج، الذي قُتل في 3 يونيو/حزيران 2023، في منطقة الشجرة جنوبي العاصمة الخرطوم، وهو أحد قادة كتيبة (البراء بن مالك).
كما قتل الدكتور أيمن عمر فرج في 8 يونيو/حزيران 2023 في معركة “مصنع اليرموك”، وتسرب مقطع فيديو لمشاركته في أثناء المعارك، وهو يرتدي زي الجيش، ويحمل سلاح “رشاش” وتلتف حول جسده الذخائر، ويتحدث عن “الشهادة في سبيل الله”.
وقتل أيضا محمد الفضل عبدالواحد عثمان، أحد الرؤساء الشباب لمنظومة الفكر والتأصيل بالحركة الإسلامية، وواحد من أهم قادة كتيبة (البراء)، الذي قُتل في 16 يونيو/حزيران 2023 بمعركة منطقة “الشجرة” جنوبي الخرطوم، وهو ابن عبدالواحد عثمان إسماعيل، شقيق مصطفى عثمان إسماعيل، القيادي الإسلامي المعروف، الذي شغل لفترة طويلة منصب وزير الخارجية إبان فترة حكمهم، ونعاه “علي كرتي”، رئيس الحركة الإسلامية.
عقوبات أمريكية
وفي 29 سبتمبر/أيلول 2023، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزير الخارجية السوداني السابق علي كرتي وشركتين، لـ”دورهم في تقويض السلام والأمن والاستقرار في ذلك البلد”.
وشغل كرتي منصب وزير الخارجية في حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير خلال الفترة الممتدة بين 16 يونيو/حزيران 2010، و7 يونيو/حزيران 2015.
وبعد 3 عقود في الحكم، أُودع البشير في سجن “كوبر” المركزي شمالي الخرطوم، عقب عزل الجيش له من الرئاسة في 11 أبريل/نيسان 2019، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الوضع الاقتصادي.
وفي نهاية المطاف، أشعل تنظيم “الإخوان” بالسودان، شرارة الحرب، لاعتقادهم أن أسابيع معدودة كافية للقضاء على قوات “الدعم السريع”، والعودة إلى سدة السلطة مرة أخرى، لكن حاليا حسب وقائع الحرب ودفاترها اليومية، لا يعلم أحد متى تنتهي الحرب التي أصبحت تهدد بالتحول إلى حرب أهلية.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش وقوات “الدعم السريع” حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.