اقتصاد السودان العليل يطارد فرص الشمول المالي
البنك المركزي يحاول ترسيخ الخدمات المالية الرقمية وتوسيع شبكة المتعاملين مع النظام المالي.
الخرطوم – صقر الجديان
اعتبر مصرفيون أن سياسة السودان النقدية لهذا العام تبدو متفائلة، لاسيما فيما يتعلق بالشمول المالي، كونها تفتح الباب أمام تطوير النظام المالي، وضم الذين لا يملكون القدرة على التعامل مع البنوك بتحسين الإجراءات وتذليل العراقيل أمام حركة الأموال رغم النقائص التي تعتريها.
يركز صناع القرار النقدي في السودان على تنفيذ خطة هذا العام بغية تحقيق الشمول المالي من خلال تكييف خطط الارتقاء بالقطاع المصرفي مع الإصلاحات الهيكلية البطيئة، التي تستهدف دفع عجلات الاقتصاد العليل إلى الأمام.
وكان البنك المركزي قد وضع هدف تحقيق الشمول المالي ضمن الأهداف الأربعة لسياساته النقدية لعام 2023 التي أصدرها نهاية العام الماضي، وألغى بموجبها سياسته القديمة.
وتستهدف هذه السياسة تقوية وتطوير البنية التحتية للجهاز المصرفي والمالي لضمان وصول وحصول قطاعات ومجموعات كبيرة من السكان على التمويل اللازم والخدمات والمنتجات المالية والمصرفية الأخرى بسهولة وكفاءة عالية.
هويدا الطيب: النظام المالي يحتاج إلى ترقية التزاماته وفق المعايير الدولية
كما تتمحور حول التشجيع على تقديم الخدمات المصرفية والمالية في المناطق التي لا تتوفر فيها فروع بنكية، وإدخال تقنية “تسجيل العملاء عن بعد”، و”أعرف عميلك إلكترونيا”، ونشر الوعي المصرفي والتقني لعملاء الجهاز المصرفي والمؤسسات المالية.
وتعتقد هويدا الطيب، مديرة إدارة الالتزام ببنك الجزيرة السوداني – الأردني، أن الشمول المالي الذي تبناه المركزي يمكنه أن يساعد الأشخاص الذين لا يقدرون على استخدام الخدمات والمنتجات المصرفية.
وقالت في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية الرسمية إنه “يمكن أن يكون هؤلاء جزءا من النظام المصرفي لأنهم لا يستطيعون الإيفاء بمتطلبات الانضمام إلى البنوك عن طريق فتح حسابات بنكية”.
وأوضحت أن فتح حساب ليس بحق مطلق أو واجب، ولكنه “حق امتياز” مثله مثل “الحصول على رخصة السيارة لا تُعطى إلا عندما يثبت الشخص قدرته على قيادة السيارة ومراعاته لقوانين حركة المرور، فهو حق مشروط”.
وأضافت “لذلك فإن هؤلاء الأشخاص يجب أن تقدم لهم خدمات وأن تصلهم المنتجات المصرفية بطرق مبسطة من خلال شركات الاتصالات والهواتف الجوالة كمثال”.
ولتحقيق الهدف ترى الطيب أن ذلك يتطلب إنشاء شراكة لتقديم خدمات مصرفية واسعة جدا، بين البنوك وقطاع الاتصالات إن شاءت هذه المؤسسات، وتحمل بعض المخاطر ضمن المسؤولية المجتمعية بهدف تحقيق تنمية دون تحقيق أرباح أو أرباح ضئيلة.
عبدالمنعم الطيب: البنوك تواجه تحدي مواكبة التكنولوجيا وتطوير خدماتها
وتواجه المصارف السودانية مشكلة عدم الوعي بمتطلباتها من قبل العملاء، وهي ضرورية؛ أي أن هذه المتطلبات ستسهم في بناء علاقة صحيحة ومؤسسة تسمح للعملاء بالتعامل مع المصارف والوصول إلى خدماتها المالية محليا وعالميا.
كما أن الكثير منها ليست متحمسة لتوفير بياناتهم أو تحديثها، وثمة من المسؤولين لا يرغب في الإفصاح عن أنشطتها المالية، بل “يمتعضون” من كثرة الأسئلة.
وتشدد الطيب على أن السودان ومجتمعه في حاجة إلى جذب الأموال من خارج حدوده، وهو ما يتم عن طريق الالتزام بالمتطلبات والمعايير العالمية التي تسمح بحركة رؤوس الأموال.
وتعاني السوق المحلية من قلة عدد البنوك، حيث تملك أقل عدد من المصارف لكل مئة ألف ساكن، وهي الأدنى في قائمة الدول العربية والأفريقية.
ووفقا لبيانات البنك المركزي حتى حدود 2020، يتكون الجهاز المصرفي في البلاد من 38 مصرفا محليا وأجنبيا، ويبلغ عدد فروعها 833 فرعا و77 نافذة و73 مكتبا للتوكيل.
وأكثر المصارف انتشارا هو بنك الخرطوم الذي يمتلك 125 فرعا، ثم البنك الزراعي السوداني بامتلاكه 105 فروع، ثم بنك الادخار بنحو 54 فرعا، فالإسلامي السوداني بقرابة 53 فرعا.
وتحوز ولاية (محافظة) الخرطوم وحدها معظم هذه البنوك حيث يوجد فيها 365 فرعا، أي ما يقارب نصف إجمالي البنوك كلها، وتليها في كثرة العدد ولاية الجزيرة إذ يوجد فيها 72 فرعا، ثم الولاية الشمالية بواقع 47 فرعًا.
أما أقل الولايات (المحافظات) من حيث الوجود المصرفي فهي وسط دارفور إذ بها فرعان ونافذة واحدة، ثم ولاية غرب دارفور بثمانية فروع ونافذة واحدة أيضا، تليها غرب كردفان بواقع 15 فرعا، فالنيل الأزرق بنحو 14 فرعا ونافذة، وكسلا بعشرين فرعا ونافذتين.
أما بالنسبة إلى المؤسسات المالية غير المصرفية فلا تشمل إلا عشرين شركة صرافة و12 شركة تحويل خارجية لها 17 فرعا و8 شركات تحويل داخلية تملك ثمانين فرعا.
النظام المالي والمصرفي
● 38 مصرفا أكبرها بنك الخرطوم
● 20 شركة صرافة
● 12 شركة تحويل الأموال إلى الخارج
● 8 شركات تحويل الأموال داخليا
ويؤكد أيمن عبدالله مدير إدارة الالتزام ببنك أم درمان الوطني أن سياسة تعزيز الشمول المالي تشكل “اتجاهًا وخطوة إيجابية”، وهي مواصلة وتكريس لسياسات بدأها المركزي منذ سنوات لإيصال الخدمات المصرفية إلى الجميع.
وقال لوكالة الأنباء السودانية الرسمية إن “السياسة الجديدة، ومنها رقمنة فتح الحسابات واعْرف عميلك إلكترونيا والتسجيل عن بعد، أعطت للمصارف الضوء الأخضر للبدء في جذب واستخدام التقنيات المتطورة المتعامل بها كثيرا عالميا”.
وأوضح أنها تهدف أساسا إلى التعرف والتأكد من هوية العميل الحقيقية، ومنها استخدام بصمة الوجه، لتحقيق أكبر قدر من الانتشار وتوسيع قاعدة عملاء المصارف حتى في أبعد المناطق النائية خاصة مع توفر بيانات السجل المدني التي تحدد وتثبت هوية الأشخاص.
ويرى عبدالله أنه لا بد من التسويق والتعريف والتثقيف بأهمية البنوك والخدمات التي تقدمها حتى يمكن الوصول إلى أكبر عدد من أفراد المجتمع.
ويتحسس الاقتصاد السوداني خطواته نحو بر الأمان، فالتحديات التي تمر بها البلاد تلقي بظلال قاتمة على أحوال المواطنين المعيشية وأسعار العملات وكل جوانب الحياة الأخرى.
ويقول الخبير المالي والمصرفي السوداني عبدالمنعم الطيب إن من شأن هذه السياسة أن تعمل على زيادة الوعي المصرفي، وبالتالي زيادة قاعدة المتعاملين مع البنوك مما يؤدي إلى تصاعد قيمة الودائع والأموال المتداولة فيها واستعمالها بأشكال عديدة.
وفي سبتمبر الماضي نشر المركزي بيانات أشارت إلى أن الودائع في البنوك المحلية نمت في النصف الأول من عام 2022 لتبلغ نحو 2.5 مليار جنيه (44.2 مليون دولار). كما ارتفع رصيد تمويل المصارف بالعملة المحلية.
ويرى الأستاذ في أكاديمية الدراسات المصرفية السودانية أن البنوك تواجه تحدي مواكبة التكنولوجيا المتقدمة، كما أن عليها الترويج والتسويق لخدماتها المختلفة لكسب ثقة المزيد من المتعاملين.
ووفقا لقوله، ربما تجد المصارف نفسها أمام قضية استمرارها ووجودها أصلا في حال تأخرت عن الركب، ولذلك عليها أن توسع قاعدة عملائها عن طريق الوكلاء والاستفادة من برامج وشركات التمويل الصغرى.
إقرأ المزيد