“البوليساريو”، جبهة-وهم، تتغذى على نزعة الانفصال والنكوص، فهل من عاقل لبيب في القوم؟
إن نزعة جبهة “البوليساريو” المعلنة و غير المعلنة، محكوم عليها بالفشل الذريع على المدى القصير و المتوسط و الطويل، كما أن سياسة الهروب ٳلى الأمام التي ينهجها خصوم وحدة الدولة الترابية، لن تجدي نفعا في ظل سياق إقليمي و دولي يحتم على الجميع العمل في إطار التكتلات و التجمعات السياسية و الاقتصادية، و ما لا يعلمه دعاة هذه النزعة، أن دورة التاريخ و قانون المصلحة المقدس في العلاقات الدولية، لا يعترفان البتة “بالكيانات القزمية و الوهمية”، بقدر ما يعترفان بالقوى العريقة، كالمملكة المغربية الشريفة الضاربة في عمق التاريخ، والتي خلقت لها حضورا و حضارة يستعصي على العالم نكرانها أو تخطيها، فلم هذا الرهان الخاسر ؟ لم هذا التعنت وهذا التمرد، مقابل وعود كاذبة، عششت في مخيال قرامطة يطمحون للرياسة والزهو والحضور الباهت؟ لم تعادى مصالح شعب يعاني الفقر والبطالة على حساب دعم نزعة انفصالية تستنزف الموارد، تأكل الغلة وتسب الملة وترقص على جثث الضحايا والمظلومين والمحتجزين في مخيمات تندوف، مخيمات شيدت لاستجداء عواطف العالم، و ما هي في الحقيقة سوى معتقلات تسير بمنطق “العصابات و الحشاشين و المارقين”؟
ولنرجع قليلا إلى الخلف، لنرى مدى صحة هذا الطرح، ولنرى كذلك من الذي يشل تحقيق حلم كبير اسمه “اتحاد المغرب العربي”، إذ أنه في بدايات الربيع العربي سنة 2011، جددت آمال عموم المغاربيين في تحقيق اندماج يخدم المصير المشترك لهاته الشعوب، على اعتبار أن الروابط المشتركة بينها تشكل عامل نجاح وقوة ونهضة سريعة ومتكاملة، ما دفع ساعتها الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، خلال جولة قادته آنذاك إلى الرباط ونواكشوط والجزائر، الإعلان عن أمله “بأن يكون عام 2012، عام اتحاد المغرب العربي وعام إحياء هذا الحلم الكبير في شمال إفريقيا”، وقد أشاد أثناء زيارته لنواكشوط، بما اعتبرها فضائل “مغرب كبير يقوم على الحريات”، بشكل يمكن لمواطني الدول الخمس، الحق في التنقل والاستقرار والاستثمار بحرية عبر الحدود، غير أن جهود المرزوقي، واجهت انتكاسة كبيرة، عرفها القريب و البعيد، بعدما رفضت الجزائر مساعيه للتقريب بين رؤى الدول الأعضاء للاتحاد وعبّر حينها عن أسفه الكبير قائلاً بالنص: “للأسف، قبِلَت جميع الأطراف هذا الاقتراح في ذلك الوقت، باستثناء الجانب الجزائري الذي أبدى رفضه”، وهنا نتساءل بكل موضوعية “من يضع العصا في عجلة هذا الاتحاد إذن ؟ ومن يفرق أكثر مما يجمع؟ و من يحن للحرب الباردة في زمن معولم و منفتح، لا يؤمن إلا بالتكتلات و التجمعات القوية الخاضعة لتدبير مؤسسات محوكمة، فاعلة و مهيكلة و ليس للشخصنة و الزعامات؟
إن المتفحص لسياسة المملكة المغربية الخارجية، ليتأكد بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة، أن المغرب بلد منفتح على الحل ويعمل من أجله أكثر من أي وقت مضى، وهذا ما تؤكده جل خطابات الملك محمد السادس حفظه الله، الذي يدعو للحوار ويمد يد التعاون لطي صفحات الماضي، والابتعاد عن “المظلومية التاريخية” والتأسي على أحداث، المسؤولون عنها قضوا نحبهم وولوا، ولا يجب، بحسبه ان يتحمل الجيل الحاضر تبعات الماضي كيفما كانت…!
وخير دليل ملموس وواقعي على ذلك اقتراح المغرب سنة 2007، خطة للحكم الذاتي للصحراء المغربية، قُدِّمت كحل عملي يضمن وضعية “رابح-رابح” لجميع أطراف هذا النزاع المفتعل، الذ طال أمده ويعرف البعداء قبل الأقرباء أنه مكيدة حيكت بليل، ليستفيد منها دعاة دوليون ومحليون يتقنون التقسيم والتشتيت والتفتيت وشد الحبل على الغارب على كل ماهو عربي ومسلم!
جدير بالقول في هذا الإطار أنه من وجهة نظر فقهاء القانون الدولي، يُعتبر الحكم الذاتي القائم على تقاسم السلطة، حلا عمليا وواقعيا يتجاوب بشكل فعال مع طبيعة نزاعات كهذه، وذلك من خلال تحقيق توازن بين مبدأ الوحدة الترابية للدول و”حماية الحق في تقرير مصيرها”، ومن هنا ينص اقتراح المغرب على إنشاء مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية تتمتع بصلاحيات مستقلة، قصد تمكين ساكنة الصحراء المغربية من “إدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم وبشكل ديمقراطي”.
هذا الحل الذي أضحى يسترعي اهتمام المنتظم الدولي، بشكل متزايد، في الآونة الأخيرة، دفع الولايات المتحدة الامريكية للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء المغربية في عام 2020، حيث وصفت المقترح المغربي بأنه “واقعي وذا مصداقية، ويشكل الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع حول أراضي الصحراء المغربية”، كما أيدت إسبانيا في مارس 2022، خطة المغرب للحكم الذاتي للصحراء المغربية، على غرار ألمانيا وهولندا و غيرها من الدول الكبرى الأخرى، وهذا ما يعكس قوة الطرح المغربي و يعكس ضعف كل الطروحات الانفصالية المدعمة من طرف دول شغلها الشاغل معاداة المغرب، طمعا في مصالح اقتصادية و “جيو-سياسية” معلنة و غير مخفية، أهمها خلق واجهة بحرية على المحيط الأطلسي لتسهيل مرور نفط وغاز الجيران عبر الصحراء، زيادة على تحجيم التوسع الاقتصادي الذي يعرفه المغرب في القارة الإفريقية في إطار سياسة “جنوب-جنوب” و سياسية “رابح-رابح” التي ينهجها المغرب مع شركائه الأفارقة على وجه الخصوص، و لقيت تجاوبا و تناميا كبيرين جعل من المغرب المستثمر الإفريقي الأول في القارة السمراء.
وعليه، فعلى المغرب اليوم أن يطالب بمناقشة نقطة طرد “البوليساريو” في إحدى قمم الاتحاد الإفريقي المقبلة، هذا الكيان الوهمي الذي تعترف به حوالي 14 دولة فقط من أصل 193 دولة عضو بالأمم المتحدة، ويعمل على إدراج هذه النقطة في جدول الأعمال، وهو الأمر الذي، إن تحقق فعليا، سيعزز من قوة الاتحاد واندماجه وتكامله، بل سيجعل منه قوة منسجمة، تجعله ينأى بنفسه عن الدخول في متاهة دعم النزعات والنزغات الانفصالية على حساب مصالح دول القارة الإفريقية ونهضتها الاقتصادية.
و في ختام هذا المقال، يمكن القول كذلك أنه لا يجب على المجتمع الدولي أن يستمر في غض الطرف عن المعاناة التي يقاسيها عشرات الٱلاف من الأشخاص المحتجزين في مخيمات “تندوف”، بتواطؤ مع الدولة المضيفة، بل إنه مطالب اليوم بتفكيك هذه المخيمات العسكرية التي يوجدون بها وتمكينهم من العودة إلى وطنهم الام المغرب، هذا المغرب الذي يمارس سيادته على صحراء بمنطق التاريخ و الجغرافيا، والقانون و البيعة و الواقع كذلك، و هو الأمر الذي تؤكده معظم الدول التي سحبت اعترافها بالكيان الوهمي بما فيها جمهورية جنوب السودان وغيرها من الدول الأخرى.
رضا عبود التجاني