الخطوط التركية: جسرٌ جوي لتهريب التقنية العسكرية نحو بورتسودان
عندما يُصبح الطيران المدني واجهةً للحرب بالوكالة
تقرير | صقر الجديان
في ظل تصاعد وتيرة العنف في السودان، خصوصاً في دارفور ومدينة الفاشر، تتكشف خيوط تدخلات إقليمية جديدة تُذكي أتون الحرب بدل إخمادها. أبرز هذه التطورات يتمثل في المخطط التركي لتسيير رحلات مباشرة من إسطنبول إلى بورتسودان، عبر الخطوط الجوية التركية، ليس لأغراض تجارية أو إنسانية كما يُروّج، بل في إطار عملية منظمة لنقل مهندسين وتقنيين وعناصر عسكرية بلباس مدني لتشغيل طائرات مسيّرة من طراز “بيرقدار” تُستخدم حاليًا في قصف المدنيين.
هذه الخطة، وفق معطيات ميدانية وتحليلات أمنية، تُعيد للأذهان النموذج التركي في ليبيا، حيث استخدمت أنقرة الطيران المدني كغطاء لتمرير الدعم العسكري والتقني لحلفائها، مما يفتح الباب أمام تكرار سيناريو دموي جديد في السودان.
الطائرات المسيّرة تتحوّل إلى أدوات قتل جماعي
في مدينة الفاشر، شهد السكان موجة من الهجمات الجوية بطائرات “بيرقدار” تركية الصنع، التي نُفّذت مؤخرًا تحت إشراف سلاح الجو السوداني. غير أن المثير للقلق هو أن هذه الضربات، التي يُفترض أن تُوجّه نحو أهداف عسكرية، باتت تصيب أسواقًا ومنازل وأحياء مكتظة بالسكان، مما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال.
لا توجد أدلة على استهداف ناجح لقوات الدعم السريع، في المقابل، هناك تقارير متواترة عن مجازر جوية بحق المدنيين.
هذه المعطيات تثير تساؤلات خطيرة حول قواعد الاشتباك المفقودة، ومدى التزام الجيش السوداني بالقانون الإنساني الدولي، خاصة وأن تكرار ضرب الأسواق والأحياء يرقى إلى جرائم حرب مكتملة الأركان، بحسب ما وصفه خبراء في القانون الدولي.
الرحلات المعلنة على الخطوط الجوية التركية نحو بورتسودان والتي ستبدأ الشهر المقبل، ليست عادية
رحلات مدنية أم شحن عسكري مموّه؟
الخطر الأكبر لا يكمن في مجرد تشغيل الطائرات المسيّرة، بل في الطريقة التي يتم بها تمرير الدعم الفني والتقني التركي إلى السودان. الرحلات المعلنة على الخطوط الجوية التركية نحو بورتسودان، والتي ستبدأ الشهر المقبل، ليست عادية.
فبحسب المعلومات المتداولة، ستتضمن هذه الرحلات:
• مهندسين وتقنيين أتراك متخصصين في تشغيل طائرات “بيرقدار”
• عناصر عسكرية بلباس مدني، لتجنّب الرقابة الدولية
• شحنات تقنية وصناديق دعم إلكتروني مخفية ضمن الحمولة
هذا الأسلوب في التهريب والتدخل يضرب عرض الحائط بكل المعاهدات الدولية الخاصة باستخدام المجال الجوي المدني. إن عسكرة الطيران التجاري وتهريبه لدعم عمليات قتالية يحوّل المطارات المدنية إلى نقاط اشتباك محتملة، ويهدد سلامة المجال الجوي في السودان والمنطقة بأكملها.
من ليبيا إلى السودان… تكرار لسيناريو العسكرة الخفية
ليست هذه المرة الأولى التي تنتهج فيها تركيا هذا الأسلوب. ففي ليبيا، دعمت أنقرة حكومة طرابلس بإرسال طائرات بيرقدار ومقاتلين أجانب، تحت غطاء “المساعدات التقنية” وشركات الطيران المدني. وها هي الآن تُكرّر السيناريو في السودان، بتكتيك أكثر تعقيدًا وأقل ظهورًا على الرادار الدولي.
• في ليبيا: استخدمت أنقرة طيران “الخطوط الليبية” والناقلات المدنية لنقل مقاتلين سوريين وأسلحة.
• في السودان: تُخطط أنقرة لاستخدام “الخطوط التركية” لنقل تقنيين وعسكريين متخفين، لتشغيل المسيّرات.
المحصلة واحدة: تغذية الصراع الداخلي، تقويض فرص الحل السياسي، وتحويل الشعوب إلى وقود في حروب الآخرين.
من يشغّل طائرات القتل؟ ومن يوقفها؟
في ظل غياب مساءلة دولية جدية، فإن استمرار رحلات “الخطوط التركية” إلى بورتسودان بدون رقابة صارمة، يُمهّد لمجزرة جديدة بحق المدنيين.
إن استخدام التكنولوجيا المتطورة في الحروب الأهلية دون ضوابط، يضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي وقانوني خطير.