السودان: عودة رئيس وزراء النظام المباد للبلاد.. هبوط آمن على مدرج العسكر
«محمد طاهر ايلا» ينهي رحلة هروبه لمصر.. هل اقترب إعلان التسوية السياسية؟
الخرطوم – صقر الجديان
كثيراً ما ظل يردد قائد الانقلاب العسكري في السودان، عبد الفتاح البرهان، أن جميع القوى السياسية سوف تشارك في ترتيبات ما تبقى من الفترة الانتقالية “عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول”، لكن هل بالفعل سيظل الحزب المحلول بعيداً عن صناعة المشهد الحالي، كما يدعي “البرهان” أم أن تلك الجملة ما هي إلا ذراً للرماد على العيون.
خلال الأسبوعين الماضيين، أعلن آخر رئيس وزراء النظام المُباد، محمد طاهر ايلا، عن عودته للبلاد من جمهورية مصر، التي هرب إليها عقب سقوط نظام المخلوع البشير في 11 أبريل 2019.
وكتب رئيس وزراء النظام المباد على منشور بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك): “ها قد أتى الميعاد الذي قطعناهما لكم ومعكم ميقاتا وزمانا ومكانا بالعودة للقاء الأحبه”، معلنا عودته للبلاد مطلع اكتوبر المُقبل.
ويأتي إعلان آخر رئيس وزراء النظام المُباد، محمد طاهر ايلا، العودة للبلاد، في ظل صدور أوامر قبض بحقه من النيابة العامة في السودان، للتحقيق معه في بلاغات بخصوص اتهامات تتعلق بالفساد المالي، خلال شغله منصب حاكم ولاية البحر الأحمر شرقي البلاد.
تأتي عودة محمد طاهر ايلا، للبلاد، في ظل صدور أوامر قبض بحقه من النيابة العامة
تطبيق القانون
وفي هذا الصدد يرى المحامي والقانوني، المعز حضرة، أن من الطبيعي تطبيق نصوص القانون على أي شخص كان قد تم تدوين بلاغات جنائية بحقه.
وانه بمجرد دخوله إلى أي منفذ من منافذ البلاد، يجب أن يتم القبض عليه والتحقيق معه.
لكنه قال لـ (التغيير)، إن عودة آخر رئيس وزراء النظام المباد للبلاد، لابد أنها تأتي من خلال ضمانات وفرتها له السلطة الانقلابية التي كانت قد أطلقت سراح البعض من فلول النظام، مثل، علي كرتي، وغيره من الفلول.
ويرجّح “حضرة” وجود صفقة بين الانقلابين وفلول النظام المباد مثل محمد طاهر ايلا، تقضي بدخوله البلاد والتحفظ على البلاغات الصادرة بحقه.
ونوه إلى أنه إن كان هنالك تطبيق لنصوص القانون، يجب أن يُقبض عليه بمجرد دخوله الأراضي السودانية.
تأثير إجتماعي
بالمقابل تطرح عودة “ايلا” العديد من التساؤلات لا سيما المتصلة بتعقيدات المشهد السياسي في شرق البلاد على وجه الخصوص والسودان بصورة عامة، بعد انقلاب 25 اكتوبر الماضي، على اعتبار أنه آخر رئيس وزراء للنظام المباد، وشاغل ثاني أهم منصب تنفيذي في الدولة.
تعليقا على ذلك، قال المستشار القانوني للمجلس الأعلى لنظارات البجا، أحمد موسى عمر لـ (التغيير)، إن وجود “ايلا” سيكون له تأثير على المستوى
الإجتماعي في شرق السودان، من خلال لملمة أطراف الصراع بغرض إيصالها إلى حالة من التوافق.
أو إيجاد صيغة للتنسيق فيما بينها كحد أدنى حال الفشل في العمل ككتلة واحدة على الرغم من أنه لم يعد طرفا رئيسيا في الصراعات الحالية في الشرق السودان، بحسب موسى.
المستشار القانوني لمجلس نظارات البجا: وجود “ايلا” سيكون له تأثير على المستوى الإجتماعي
بينما يرى القيادي بحزب المؤتمر السوداني بولاية البحر الأحمر، عمر أبو علي، أن “ايلا” لم يعد لديه دور ليلعبه في قضية شرق السودان، وذلك لغيابه عن البلاد عقب سقوط المخلوع.
وأوضح “أبو علي” لـ (التغيير)، أن المكونات المجتمعية عملت بمفردها على مناهضة مسار الشرق المضمّن في إتفاق سلام جوبا.
لكن القيادي في الحركة الشعبية – التيار الثوري – عبد اللطيف ادروب، يؤكد بأن “ايلا” ليس ببعيد عن الصراع في شرق السودان بحكم أنه من ابناء المنطقة.
وبحسب تقديرات “ادروب” فإن لدى “ايلا” طموحه الشخصي لاستعراض نفسه، أكثر من ارتباطه بما هو أيدلوجي.
وذكر لـ (التغيير) انه إضافة إلى طموحه يتطلع لأن تأتي به الجماهير، بغض النظر عن أنهم إسلاميون أو غير ذلك.
قيادي بالحركة الشعبية (التيار الثوري): لدى “ايلا” طموحه الشخصي لاستعراض نفسه، أكثر من ارتباطه بما هو أيدلوجي
من ناحية أخرى يشير المستشار القانوني للمجلس الأعلى لنظارات البجا، إلى أن “ايلا” قد يمثل نقلة كبيرة في العمل السياسي في الشرق.
وبحسب “موسى” فهو يمثل جسر التواصل بين المركز والإقليم من خلال العلاقة القائمة على وجود شرق السودان على مستوى المؤسسات القومية.
وأشار إلى أن وجوده في هذا التوقيت جزء من إطار مقترح لتوافق وطني كبير تعمل عليه عدة مؤسسات وأجهزة ذات الصلة بالأمر، وهي على حد قوله، معنية بمحاولة إيجاد توافق سياسي كلي يجمع بين مختلف المكونات السياسية.
شخصية براغماتية
وفي السياق يصف القيادي بحركة القوى الجديدة (حق) مجدي عبدالقيوم، رئيس وزراء النظام المباد “ايلا” بأنه ذو شخصية “براغماتية” غير متشددة، وأنه يضع نفسه في خانة الإسلاميين المنفتحين.
ويرى “عبدالقيوم” أن التغيير الذي حدث في “مجلس نظارات البجا” سيجعل “ايلا” أكثر قبولا من أي فترات سابقة.
وأوضح لـ (التغيير)، أن ذلك سيخفف من حدة الصراعات الحالية في الشرق ويعمل على تغيير قواعد اللعبة السياسية.
قيادي بحركة (حق): “ايلا” ذو شخصية “براغماتية” غير متشددة، وهو يضع نفسه في خانة الإسلاميين المنفتحين
كذلك يذهب، أحمد موسى عمر، والذي يعتقد أن وجود” ايلا” من شأنه تخفيف الضغط العالي الذي يعانيه الناظر محمد الأمين ترك، لتقديم رؤية سياسية ومجتمعية لينال شرق السودان حقوقه العادلة.
وأشار “موسى” لـ (التغيير) إلى أن “ايلا” يمكن أن يمارس نشاطه السياسي بعيدا عن المؤتمر الوطني المحلول، عبر لعب دور في ترتيب الوضع السياسي والمجتمعي في شرق السودان في المرحلة القادمة.
بينما لم يستبعد المستشار القانوني للمجلس الأعلى لنظارات البجا، أن يواجه “ايلا” مصاعبا بسبب الإجراءات القانونية التي يمكن أن تحرمه من هذا الدور.
تكتيك سياسي
من ناحيته أكد القيادي بحزب المؤتمر السوداني، عمر أبو على لـ (التغيير)، أن أي تغيير لصالح منظومة الإسلاميين إذا وجد فهو تكتيك سياسي.
وأن من الطبيعي أن يدعم “ايلا” ذلك الخط، وانه ما زالت هنالك مؤشرات لوجود المؤتمر الوطني المحلول، ووجود “ايلا”، في المشهد السياسي بشكل أو بآخر.
ويرى “أبو على” أن عودة “ايلا” ستكون للقيام بأدوار معينة لصالح مصر التي قال أنها تنظر إلى مصالحها أكثر من النظر إلى عملية استقرار البلاد.
ونوه إلى أنها ظلت فاعلاً أساسياً في قضية الشرق، في وقت يرى، عبداللطيف ادروب، أن لدى شرق السودان معطياته المختلفة بتقاطعاتها الإقليمية الكثيرة، إضافة لوضع الحاضنة الاجتماعية، والتي هل توافق على ذلك أم لا، لكنه يؤكد على أن “ايلا” إبن المصريين، بحسب وصفه.
قيادي بالمؤتمر السوداني: عودة “ايلا” ستكون للقيام بأدوار معينة لصالح مصر
مؤشر تسوية سياسية
من جانبه يقرأ “مجدي عبدالقيوم” ظهور “ايلا” في التوقيت الحالي بأنه أحد مؤشرات التسوية السياسية، وأنها إذا اكتملت فهي لا تبعد مكون من المكونات الإسلامية على كونها تيارات فكرية.
وذكر لـ (التغيير)، أن وجوده في المشهد السياسي سيكون له اعتبار، بحسبانه ضمن مجموعة الإسلام الوسطي، وليس من مجموعة، علي كرتي، الساعية لانقلاب عسكري لصالح الإسلاميين.
لكن “موسى” يؤكد بأن “ايلا” سيتعاطى مع العملية السياسية في ظل الوضع الراهن بحذر كبير، متوقعا أن يمارس نشاطه بشكل ما، حتى يتبين شكل الوضع السياسي القادم.
أيضاً نوه “موسى” إلى أن توجهات قائد الانقلاب العسكري، عبدالفتاح البرهان، تتفق بشكل كبير جدا مع توجهات عدد من الاسلاميين من بينهم “ايلا”، الذي قال إنه يتفق معه في فكرة إحداث تغيير يشمل لكل القوى الوطنية وهو الكتاب الذي يقراء منه الطرفان.
مناصب بارزة
وكان محمد طاهر ايلا، قد شغل مناصب بارزة خلال عهد حزب المؤتمر الوطني المحلول.
بجانب توليه مسؤوليات الحكم في ولايتي البحر الأحمر والجزيرة قبل تعينه في منصب آخر رئيس وزراء للمخلوع عمر البشير، في الفترة من فبراير وحتى أبريل 2019.
إقرأ المزيد