أخبار السياسة العالمية

العزلة تدفع تركيا للبحث عن متنفس خارجي عنوانه الصومال

 

بعد أن وجدت تركيا نفسها في عزلة أكبر بسبب سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان الخارجية على الساحة الدولية، تسعى الآن إلى تحويل الأنظار عن أزمتها الداخلية المتراكمة بالتركيز أكثر على المحاور الإقليمية، إذ يبدو الصومال هدفا استراتيجيا بالنسبة إليها وهي تعمل للتأثير على المشهد السياسي في هذا البلد بغية تأمين حلفائها في السلطة الجديدة، وبالتالي تكريس نفوذها في القرن الأفريقي.

أنقرة- صقر الجديان 

تشير السياسة الخارجية المنتهجة من قبل تركيا في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان تجاه أفريقيا بشكل عام والصومال بشكل خاص إلى مدى إدراك أنقرة لأهمية القارة لمصالحها الاستراتيجية، وقد حاولت طيلة العقد الماضي، تقديم نفسها كفاعل مهم في المسار السياسي المعقد، الذي لا يزال يواجهه الصوماليون بصعوبة بالغة.

لكن يبدو أن تحركات أنقرة باتجاه مقديشو في هذا التوقيت عقب تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي ووكالة الأناضول الحكومية عن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، أنه يعتزم زيارة الصومال خلال الأيام المقبلة، لها ما يبررها فهي تكشف عن مدى ضيق هوامش المناورة بالنسبة لها والذي أبانه توددها إلى مصر في الفترة الأخيرة.

ويعتبر المراقبون أن تركيا لعبت دورا رئيسيا إلى جانب قطر في التحركات السياسية والعسكرية في الصومال طيلة السنوات الماضية، عبر محاولة التحكم في المشهد السياسي ومساندة الحلفاء السياسيين الصوماليين، خاصة بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة الشهر الماضي.

تكرار الأخطاء

أنقرة حاولت استغلال حالة الفوضى والصراع السياسي في الصومال ليس لغرس نفوذها الاقتصادي فقط ولكن أيضا من خلال إنشاء قاعدة عسكرية

تعيش تركيا حالة من التخبط على وقع الضغوط الخارجية المتنامية بما فيها الأوروبية والأميركية، والتي تقترن بحالة من السخط الشعبي بين كثير من الأتراك في ظل التدهور الاقتصادي، ولذلك وجدت نفسها في موقف صعب للغاية، ما أجبرها على ما يبدو إلى البحث عن متنفس جديد في الصومال لتخفيف تلك الحالة.

وخلال السنوات الماضية وفي خضم ما يسمى بـ”الربيع العربي” اضطرت أنقرة للبحث عن مناطق نفوذ جديدة، وركزت على الصومال حيث تدفقت الشركات المرتبطة بحكومة حزب العدالة والتنمية، عبر تحالفات مع فصائل سياسية وجماعات متشددة محلية ترتبط بأجندات أنقرة.

وبذل أردوغان منذ عدة سنوات جهودا لإعادة سيطرة شخصيات موالية لسياسات بلاده على السلطة في الصومال. وقد أدى ذلك إلى تحفيز المعارضة العنيفة وزادت من تجنيد حركة الشباب، كما أن حملاتها السياسية تحت عنوان المساعدة أدت إلى تدمير أرض الصومال وضرب استقرارها.

واليوم تعيد تركيا تكرار نفس الأخطاء السابقة من خلال تغليف موقفها مما يحدث في الصومال، والذي أشار إليه جاويش أوغلو حينما قال إن “تركيا تولي اهتماما كبيرا للصومال وتعتبره دولة شقيقة، ومن المهم أن يتوصل كافة الأطراف في الصومال إلى تفاهم بشأن الانتخابات بأسرع وقت”.

وتسود الصومال حالة من التوتر السياسي إثر خلافات بين الحكومة من جهة، ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهة أخرى، حول تفاصيل متعلقة بآلية إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وأدت تلك الخلافات إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة، دون تحديد موعد لها، رغم عقد عدة جولات حوارية، كان آخرها مطلع الشهر الماضي.

ويتمسك الرئيس محمد عبدالله فرماجو وحكومته بإجراء الانتخابات في خطوة أحادية الجانب، وسط اعتراضات من ولايتي جوبالاند وبونتلاند، إضافة إلى المعارضة السياسية من المرشحين الرئاسيين، مما يجعل الصومال أمام أسوأ السيناريوهات المتمثلة في انقسام يهدد استقرار البلاد.

وكان التقارب بين البلدين قد بدأ منذ حدوث أزمة المجاعة وإسراع أردوغان لزيارة الصومال في أغسطس 2011 كأول رئيس غير أفريقي يزوره ويقدم له الدعم، ما أدى إلى كسب تأييد شريحة من الصوماليين في صفه، حيث اعتبروه المنقذ الوحيد للبلد، وأمر بتعيين سفير جديد لدى مقديشو لأول مرة منذ عشرين عاما.

وقبل ذلك، وتحديدا في مايو 2010 استخدمت دبلوماسية المؤتمرات حيث استضافت المؤتمر الصومالي الأول بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة وتم “إعلان إسطنبول” الذي يعتبر خارطة طريق لتسوية الوضع في الصومال، لكن الخطوة لم تنجح لتستضيف في العام 2015 مؤتمرا ثانيا تحت عنوان “تحديد المستقبل الصومالي”.

غايات اقتصادية

 

مساعدات تركية لمستشفى في الصومال
مساعدات تركية لمستشفى في الصومال

بات الرئيس التركي حليفا مقربا للحكومة الصومالية، حيث لعب على وتر المساعدات الإنسانية والاستثمارات، فقد شيدت بلاده مدارس ومستشفيات وبنية تحتية ووفرت كذلك منحا دراسية لديها للصوماليين، كما افتتحت تركيا في عام 2017 أكبر قواعدها العسكرية في الخارج بالقرب من العاصمة مقديشو.

وبدأ النفاذ التركي إلى القرن الأفريقي عبر البوابة الصومالية في 2011، من خلال ستار المساعدات الإنسانية التي قدمتها تركيا عن طريق وكالتها الرسمية للإغاثة، إلا أن توقيع أنقرة لاتفاقيات اقتصادية مع مقديشو فضح المطامع التركية المتخفية خلف الأعمال الإغاثية.

فعليا، بدأت تركيا في قطف ثمار تدخلها في الصومال والتخطيط للتمدد أكثر في منطقة القرن الأفريقي، بإعلان أردوغان في ديسمبر الماضي عن بدء بلده في عمليات التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية الصومالية بدعوة من حكومة مقديشو. بينما أصبحت العاصمة الصومالية تعيش على وقع هجمات متكررة من حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة.

وحاول أردوغان في الكثير من المناسبات تبرير أطماعه في احتياطات الطاقة الصومالية بالقول إن “مقديشو دعت أنقرة للتنقيب عن النفط في مياهها”. وقارن ذلك بالاتفاقية البحرية، التي وقعتها بلاده أواخر 2019 مع حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، والتي تعرضت لانتقادات دولية شديدة.

تركيا تلعب على وتر المساعدات الإنسانية والاستثمارات

ومع ذلك، تجد أنقرة نفسها في وضع منافسة غير متكافئة مع دول عربية لديها حضور أكثر فاعلية ومبنيّ على الدعم الدائم وليس الدعم الظرفي، كالذي لجأت إليه تركيا، من ذلك أن السعودية هي أكبر سوق لصادرات الصومال، الذي يحصل أيضا على واردات مهمة من دولة الإمارات تتراوح من الإلكترونيات إلى مواد البناء.

ومع تزايد خلافاتها مع الدول الغربية ودول الشرق الأوسط بسبب أجندات أردوغان الداعمة للجماعات الإسلامية المتشددة، حاولت أنقرة استغلال حالة الفوضى والصراع السياسي في الصومال ليس لغرس نفوذها الاقتصادي فقط، ولكن أيضا من خلال إنشاء قاعدة عسكرية.

ويقول خبراء في الشأن الأفريقي إن تركيا وضعت نفسها في وضع عصيب في الصومال، فبناء قاعدة عسكرية ليس كتقديم المساعدات، لأن الناس تقبل المساعدات وتشكر من يقدمها، لكن وجود قاعدة قد يدفع تركيا لتكون طرفا في الحرب، خاصة أن حركة الشباب لوّحت باستهداف القاعدة الجديدة.

ويُنظر على نطاق واسع إلى القاعدة العسكرية في الصومال على أنها رمز للتوسع التركي، ويهدف وجودها إلى إنشاء قوة عسكرية صومالية صديقة لأنقرة، وبالتالي توسيع قوتها الاقتصادية والجيوسياسية في جزء حساس من شرق أفريقيا، لطالما كان فيه الجهاديون جزءا من المشهد المعقد.

أنقرة تعيد تكرار نفس الأخطاء السابقة عبر تغليف موقفها الداعم لمقديشو للتأثير في المشهد السياسي الصومالي

ومن الواضح أن تركيا لم تكتف بتدريب القوات العسكرية والأمنية الصومالية، بل ستسعى لزرع عقيدة قتالية موالية لها، حيث يكون من الصعب، تحت أيّ ظرف، خسارة نفوذها هناك. كما أن ذلك سيجعل من السهل عليها تعويض أيّ شخص تتم إقالته أو الانقلاب عليه بشخصية موالية لها وضامنة لمصالحها في منطقة استراتيجية.

ورغم أن الهدف المعلن من القاعدة العسكرية هو المساعدة في تدريب القوات الصومالية، فإنّ وسائل إعلام تركية أقرت في الكثير من المرات بأن موقع القاعدة يعطي أنقرة أهمية استراتيجية في القرن الأفريقي. ولفتت إلى أنّ القاعدة قد تكون بوابة لتسويق السلاح التركي في المنطقة وأماكن أخرى من القارة.

وأدخل هذا التحالف مقديشو إلى قلب الصراعات الإقليمية بدل مساعدتها على ترميم علاقتها بمحيطها، وأعطى أنقرة رافعة استراتيجية لتوجهاتها في المنطقة وتوسيع علاقاتها ونفوذها مع القارة الأفريقية على حساب مصالح الصومال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى