«المسيّرات» ترسم خريطة جديدة للحرب في السودان
الخرطوم – صقر الجديان
شهدت الأيام الماضية تصعيدًا لافتًا في الهجمات التي تنفذها قوات الدعم السريع ضد أهداف مدنية ومنشآت في عدة ولايات باستخدام الطيران المسير، ما فاقم أزمة السكان المتبقين أو الذين حاولوا العودة بعد سيطرة الجيش على عدة مدن، خاصة العاصمة الخرطوم.
لكن مصدرا عسكرياً أكد إنّ الهجمات الأخيرة للدعم السريع بواسطة المسيّرات تأتي بعد سلسلة من الهزائم وفقدان السيطرة على العاصمة، حيث تسعى إلى خلق نوع من الاضطراب الأمني والإيحاء بعدم قدرة الجيش على تأمين تلك المدن.
تدمير البنى التحتية
وشنت قوات الدعم السريع هجومًا بالطيران المسيّر على محطة كهرباء عطبرة ومستودعًا للوقود الاثنين الفائت، وتسبب الهجوم في قطع التيار الكهربائي عن مدينتي عطبرة والدامر.
وعلى مدى أيام متواصلة، ظلت تستهدف مواقع مدنية وعسكرية استراتيجية في ولايتي الشمالية ونهر النيل، مما أدى إلى أضرار بالغة طالت سد مروي، نتج عنها انقطاع في التيار الكهربائي شمل عددًا من الولايات.
وليل الاثنين الماضي، أبلغ شهود عيان في مدينة دنقلا بالولاية الشمالية بسماع دوي انفجارات، وهو ما يعتقدون أنه تصدٍ من المضادات الأرضية لهجوم جوي عبر مسيّرات.
والأسبوع الفائت، شنت الدعم السريع هجومًا على محطة الكهرباء في سد مروي تسبب في أضرار بالغة، حيث تشير إحصائيات إلى تدمير تلك القوات لنحو 15 محطة كهرباء في البلاد بعد الهجوم عليها.
وتعرض سد مروي، الذي يُعد أكبر مصدر للكهرباء في السودان، الثلاثاء الماضي، لهجومين بطائرات مسيّرة خلال ساعات النهار والمساء، وأفادت الفرقة 19 مشاة بمروي، في بيان آنذاك، بأن مضادات الجيش الأرضية تصدت للهجوم.
وقال شهود آخرون في أم درمان إنهم سمعوا ظهر الاثنين الماضي، أصوات انفجارات، فيما يبدو أنها إسقاط طائرات مسيّرة حاولت الهجوم على أهداف في المدينة.
استراتيجية التعويض
ويقول الخبير العسكري العميد وليد عز الدين لـ«سودان تربيون» إن كلاً من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، كان يرى حسب تخطيطه أن هذه الحرب ستكون خاطفة وسريعة.
ويشير عز الدين إلى أن القوات المسلحة، منذ بدايتها، اعتمدت على تكتيك الدفاع والمحافظة على مناطق قيادتها وسيطرتها المركزية في ولاية الخرطوم، والاحتفاظ بقوات المشاة المحدودة والمدربة لاستخدامها في مراحل التقدم والهجوم، والذي عادة ما تكون خسائره كبيرة.
ويذكر في حديثه اعتماد الجيش على الطيران (القاذفات والطائرات المقاتلة والمدفعية الثقيلة بعيدة المدى) لتحطيم قوات الدعم السريع، التي تعتمد على المشاة المنقولين على العربات والأسلحة المتوسطة والخفيفة.
ومن جانب آخر، يشير عز الدين إلى أن الهجوم بالطيران المسيّر ظهر مؤخرًا من جانب القوات المسلحة وفي نطاق محدود.
وأكد في الوقت نفسه أنه مع تعاظم الخسائر وسط الطرفين، سعى كل منهما لحلفائه ليمدوه بالسلاح، ولما كان للطيران المسيّر دور مؤثر في حسم بعض المعارك في الحروب الدائرة الآن في العالم، كان التركيز عليه، وهذا بالضرورة تطور في مسرح العمليات من القتال التقليدي إلى حرب المسيّرات.
ويؤكد أن الطيران المسيّر يتمتع بتقنية عالية في الاستطلاع، والدقة في ضرب الأهداف، والقوة التدميرية العالية.
كما نوه إلى اعتماد الدعم السريع في تسليحه على الأسلحة الصينية والبيلاروسية، خاصة الطيران المسيّر، في حين أن القوات المسلحة تعتمد على إيران وتركيا، معتبرًا أن كل من هذه البلدان تعمل على تطوير هذا النوع من السلاح الجديد، وهو نوعان: استراتيجي وانتحاري، وهما متوفران لدى الطرفين.
وأوضح عز الدين أنه بعد تراجع الدعم السريع من وسط البلاد (ولايتي الخرطوم والجزيرة)، وفقدانها الكثير من قواتها بضربات الطيران بكل أنواعه، بما في ذلك الطيران المسيّر، ولتعويض الخسائر وإشغال الجيش بأعباء أخرى، وتشتيت تركيزه، أصبحت تعتمد على الطيران المسيّر، مستهدفة مدنًا آمنة ومحطات الكهرباء والمياه وأبراج الاتصالات، وهي عمليات تربك خطط القوات المسلحة وتضعف الروح المعنوية للعساكر وتخلق حالة من الذعر والخوف وسط المواطنين.
كما تستهدف تلك الهجمات، وفقًا لحديث الخبير العسكري، مع خلق الذعر، إطلاق موجات من النزوح واستهداف المدن الآمنة ومراكز الخدمات.
وبين أن تلك الاستراتيجية تهدف إلى توفير إمكانية لقوات الدعم السريع لدخول هذه المناطق دون مقاومة تُذكر، ومن ثم الانتقال إلى مواقع ومرحلة أخرى واستهداف مواقع جديدة. ويضيف أن تلك قد تكون استراتيجية حيوية، خاصة أن المسيّرات، كما تتمتع بخاصية تصوير الأهداف والدقة، تمتلك القوة التدميرية الهائلة.
وعن تأثير تلك التغييرات، يصف عز الدين ذلك التطور في شكل المعارك ومجرياتها بالاتجاه الخطير.
وتوقع أن يطيل ذلك أمد المعركة ونقلها إلى مناطق أخرى، كما نشاهد ما يحدث الآن في الدبة وعطبرة وتهديد مناطق أخرى، خاصة وأن المسيّرات تطير إلى مدى بعيد وقد تساعد كثيرًا في إعادة تنظيم الدعم السريع والتعويض والتحرك لمهاجمة ولايات أخرى.
ويشدد على أن الأمر المزعج أن هناك تصريحات – بالرغم من عدم تأكيدها – إلا أنها تشكل خطرًا داهمًا، وهي أن الدعم السريع قد حصل على طائرات مقاتلة صينية متطورة، معتبرًا أن حال تحقق ذلك، فلا أمل أن يسلم السودان وأهله من الدمار والخراب والحرب الشاملة التي تقضي على ما تبقى من الوطن.
وينظر الخبير العسكري إلى المخرج الوحيد من هذه الكارثة، على كل السودانيين، وهو الاتحاد تحت راية (لا للحرب)، ومناشدة المجتمع الإقليمي والدولي وكل المهتمين بالشأن السوداني، للعمل وبكل السبل لدفع الطرفين للجلوس والتفاوض ووقف الاقتتال، وحث الدول المساندة التي تمد الأطراف بالسلاح على الامتناع عن ذلك.
منحى خطير
من جانبه، يرى المحلل السياسي د. محمد إدريس أن الحرب، بعد دخول عامها الثالث، تحولت لمنحى خطير وطريق آخر بات أقرب لتجنب المواجهات لتقليل الخسائر ووضع حسابات محددة للعمل العسكري المباشر.
ويعتقد إدريس في حديث لـ«سودان تربيون» أن الهجمات بواسطة المسيّرات أصبحت مشهدًا مألوفًا يوميًا لكلا الطرفين، مع إشارته إلى إمكانية استحواذ قوات الدعم السريع على مسيّرات متطورة.
ولفت في الوقت نفسه إلى أهمية النظر لبعض التساؤلات التي يطلقها المواطنون حول وصول تلك المسيّرات لمناطق كان يُعتقد أنها بمنأى عن الحرب، ومن يطلقها، ومن أي منطقة تتحرك.
وذكر إدريس أن تلك الهجمات التي تستهدف البنى التحتية ليست ذات أهداف عسكرية، بل محاولة لكسب تأثير سياسي يدفع ثمنه المواطنون الذين يعانون من الكوارث الصحية والجوع والنزوح والموت.
ومن ناحيته، أكد مصدر عسكري لـ«سودان تربيون» أن المضادات الأرضية تصدت لهجوم بواسطة 3 طائرات مسيّرة على مطار الخرطوم الدولي ليل الاثنين الماضي، مؤكدًا أن القيادة العامة مؤمنة تمامًا ولا تستطيع الدعم السريع مهاجمتها برًا أو جوًا – وفق قوله.
وقلل المصدر من محاولة الدعم السريع أو خطتها الجديدة المتمثلة في السعي لتشتيت الجيش، الذي سيبدأ الزحف مباشرة إلى دارفور لحسم تلك القوات ووضع حد نهائي لها – حسب حديثه.
وخلال الفترة السابقة، هاجمت قوات الدعم السريع عدة محطات للكهرباء بواسطة الطائرات المسيّرة في أم دباكر والشواك ومروي وعطبرة، كما هجمت سابقًا على محطات مياه في أم درمان، بجانب شنها لهجمات أخرى على الفرق العسكرية في ربك وشندي ومروي والفاشر والخرطوم وغيرها من المدن.
وكشف مصدر عسكري بولاية نهر النيل شمال السودان لـ«سودان تربيون» خلال يناير الفائت أن الهجمات بطائرات بدون طيار التي نُفذت على الولاية بلغت 74 طلعة خلال الفترة الماضية.
وأكد في ذلك الوقت أن جميع المسيّرات التي هاجمت الولاية حتى الآن هي طائرات انتحارية بعيدة المدى، لكنه شدد على أنه لا يستطيع التأكد مما إذا كانت من طراز شاهد 136 أو أرش، وهما الطائرتان الانتحاريتان الإيرانيتان بعيدتا المدى.
وتمتلك قوات الدعم السريع طائرات مسيّرة من طراز “كواد كابتر” مصنوعة من مكونات تجارية، وتستطيع إلقاء قذائف هاون عيار 120 ملم، بالإضافة إلى منظومات دفاع جوي أخرى محمولة على الكتف، تُعرف باسم FN-6.
في المقابل، ووفقًا لقاعدة بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، لم يشترِ الجيش السوداني إلا واحدة من هذه المنظومات، وهي FN-6.
ويمتلك الجيش السوداني ميزة اقتناء الطائرات بدون طيار، خاصة الإيرانية الصنع مثل “مهاجر 6″ و”زاجل 3” المعدلة، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار من طراز FPV، التي يتم تشغيلها بواسطة شخص واحد باستخدام نظارات تشبه المستخدمة في مشاهدة ما يعرف بـ“الواقع الافتراضي”.
ورغم الهجمات المتكررة لقوات الدعم السريع على أهداف مختلفة بواسطة المسيّرات، لا تزال الكفة تميل لصالح الجيش، الذي امتلك وحصل خلال الفترة الماضية على مسيّرات متطورة من عدة دول، بينها إيران وتركيا.
وظلت الدعم السريع تستهدف محطات المياه والكهرباء في شمال وشرق ووسط السودان، قبل أن تطلق تهديدات باجتياح الولاية الشمالية ونهر النيل.