مقالات الرأي

سودان جديد

بقلم : مصعب الفكي

عاش عمر البشير في القصر الجمهوري أكثر من 30 عاماً، عمر جيل كامل من السودانيين، تلذذ بالانتخابات الصورية التي كانت تكرس هيمنته على السلطة بلا منازع، ومع مرور السنوات أعتاد هو وأسرته على حياة القصر، على هذا الملك الذى ظن أنه يبقى حتى أنه ربما توهم أنه السودان، والسودان هو.

30 عاماً أو تزيد، كان الإسلاميون في السلطة، أخذوا أكثر مما أعطوا، وخلفوا مشكلات وجروح تفتحت بعد رحيلهم، فحميدتي من صنيعتهم وأول من خانهم، كان البشير يسميه ” حمايتي” خشية أن يطيح به قادة من الجيش في لحظة ربما أعتبرها آتية عاجلاً أم آجلاً، كما لم يكن يضمن بعض من إخوته في التنظيم، لذلك قرب تاجر الماشية الذي سيصبح لاحقا أميراً للحرب الدائرة الآن البلاد.

لم يتعظ البشير ولا حزبه الحاكم من ما سمي بثورات الربيع العربي التي انتظمت بعض الدول العربية، تزامنت تلك الفترة مع انفصال جنوب السودان ومن ثم تدهور الاقتصاد في البلاد، كما أن الحزب الحاكم ترهل وضم مجموعة من ممتهني السياسة، الذين لا فكر لهم ينفع ولا أدب لهم يشفع، وفوق ذلك تلاحقهم تهم الفساد.

وعلى ذكر الخيانة فإن كثير من الإسلاميين يرون أن الخيانة لم تكن من حميدتي وحده بل كانت أولاً من طه عثمان الحسين مدير مكتب الرئيس السابق وصلاح قوش الذي أعيد إلى منصبه قبل الإطاحة بالبشير بحوالي عام فقط، يعتقدون أن حكمهم زال بسبب هؤلاء بجانب أسباب أخرى بالتأكيد، لكن ليس من بينها ثورة ديسمبر المجيدة التي اقتلعت حكمهم، هذا زعمهم.

وبعد عام من الحرب التي تسببوا في إشعالها إن لم يشعلوها فعلاً، يعتقد الإسلاميون أن نجمهم لم يأفل بعد ولابد من العودة إلى الحكم، يسوقون لأنفسهم بكتائب البراء بن مالك وغيرها من المليشيات التي لن تقل سوءاً عن مليشيات الدعم السريع في المستقبل، الآن هم إلى الجانب الذي يعتقده البعض صواباً، ولكن غداَ لا أحد يدري ماذا يحدث، فقد كانت مليشيات حميدتي إلى وقت قريب من رحم القوات المسلحة إلى أن سولت لها نفسها أن تقتل هذا الرحم وتقتل معه الشعب نفسه، ورغم ذلك يطوف قادة الجيش على معسكرات بعض الحركات المسلحة محتفلين بتخريج دفعات من المقاتلين، يظنون أن هؤلاء عون لهم ولا يدرون أن هذا السلاح ربما يوجه إلى صدورهم غداً.

لم يكن الجنجويد إلى بضع آلاف لكن بفضل دعم الحكومة في ذلك الوقت تمددوا، يشبه ذلك ما حدث في اليمن مع الحوثيين، عندما بدأت الاحتجاجات لم تكن جماعة الحوثي بهذا الحجم لكنهم الآن أصبحوا واقع يجب التعامل معه، عليه فإن هذه المليشيا الآن واقع كما أن الثورة واقع والإسلاميون الذين يديرون الأمور الآن تحت غطاء الجيش واقع أيضاً، يقول كثيرون أن السودان الجديد سيكون بلا مليشيا الدعم السريع وبلا قوى سياسية، يقصدون القوى التي تمثل الثورة، يرد عليهم البعض : وبلا كيزان أيضاً، هل ذلك ممكن ؟! لا أدري ، فحقيقة أن السودان الجديد يجب أن يكون خالياً من هؤلاء وأولئك تبقى أحاديث لا يسندها منطق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى