فاتورة الحرب الباهظة: نساء السودان يواجهن الموت والنظام الصحي ينهار
الخرطوم – صقر الجديان
تسببت الحرب المشتعلة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 في مضاعفة معاناة النساء بعد أن أجهزت على النظام الصحي المتداعي أصلاً.
وتزايدت نتيجة لذلك وفيات الأمهات والأطفال في ظل عمليات النزوح المستمرة، والجوع، والعطش، والفقر الذي تأثرت به النساء على وجه الخصوص.
وارتفعت نتيجة لكل ذلك نسبة وفيات الأمهات إلى 295 حالة وفاة بين كل مائة ألف حالة ولادة حسب وزارة الصحة الاتحادية.
حيث ذكر وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم في تصريحات للصحف أن “عدد وفيات الحوامل التي رُصدَت في الفترة ما بين يونيو 2023 ويوليو 2024، بلغ 870 وفاة، من بينها 350 وفاة حدثت داخل المستشفيات والمرافق الصحية”.
كما قدرت منظمة الصحة العالمية أن هناك أكثر من 1.1 مليون امرأة حامل في السودان يفتقرن إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية السابقة للولادة، والولادة الآمنة، والرعاية بعد الولادة.
معاناة نورا
لم تكن نورا تتخيل أنها ستعود إلى منزلها في قريضة بولاية جنوب دارفور دون ابنتها المريضة التي كانت حاملاً في أشهرها الأخيرة، إلا انها اضطرت للسفر برفقتها إلى الولاية الشمالية كي تتلقى العلاج بعد تحويلها إلى مستشفى مروي.
بعد أن قطعت نورا وابنتها آلاف الكيلومترات إلى مدينة مروي بالولاية الشمالية من أجل العلاج، فارقت الابنة الحياة بعد الولادة بلحظات، لتعلن نهاية معاناتها.
لكنها تركت خلفها طفلة صغيرة تواجه تحديات الحياة والحرب مع جدتها في كل لحظة.
في موقف مروي للبصات، كانت نورا تربط حفيدتها على ظهرها وتؤدي فريضة الصلاة، في انتظار المواصلات المتجهة إلى مدينة الدبة لتبدأ رحلة العودة المحملة بالأحزان إلى قريضة مع حفيدتها.
كان ذلك بعد خمسة أشهر من رحيل والدة الطفلة، وبعد أن عجزت نورا عن توفير تكلفة المواصلات إلى قريضة، قضت نورا ليلتها تلك في معسكر حوش مليط بالدبة، ثم واصلت رحلتها صباحاً. .
ووفقًا لمواطنين تحدثوا لراديو دبنقا، فإن الخدمات الصحية بمحلية قريضة متردية وشبه معدومة.
وأن 3 وحدات إدارية بها مستشفى ريفي واحد فقط يفتقر لكل المقومات الطبية، وليس به كادر طبي ولا معدات، مما يجعلهم يضطرون للسفر إلى نيالا لإجراء الكشف بالأشعة السينية.
وفيات الأمهات
قضية وفيات الأمهات بسبب الحرب من أكثر الملفات التي تشكل هاجساً لكل المهتمين بالمجال الصحي وحقوق الإنسان، حيث حصدت أرواح العشرات من النساء.
حيث أفاد وزير الصحة، هيثم محمد إبراهيم، بازدياد معدلات وفيات الأمهات، بحيث بلغت (295) حالة وفاة لكل مائة ألف حالة ولادة، فيما بلغت وفيات الأطفال (51) حالة وفاة لكل ألف طفل مولود.
ووفقاً للأمم المتحدة، فقد بلغ معدل وفيات الأمهات في السودان حينذاك نحو 270 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية.
وبعد الحرب، ذكرت وزارة الصحة الاتحادية أن معدل وفيات الأمهات في السودان بلغ نحو 100 وفاة بين كل 10 آلاف حالة ولادة في البلاد، وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
وتقول عضو نقابة الأطباء، أديبة إبراهيم، إن 90% من المؤسسات الصحية انهارت انهياراً تاماً، مما فاقم عملية الرعاية الصحية خاصة في مناطق النزاعات.
وأشارت إلى أن منظمة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل أوضحت أن مرض الكوليرا فقط أدى إلى وفاة أكثر من 316 ألف حالة، وفيما أدت حمى الضنك إلى وفاة أكثر من 576 ألف حالة.
ولفتت أديبة إلى وجود 176 ألف امرأة حامل يواجهن سوء التغذية، وكشفت عن وفاة 850 ألف مرضعة، بجانب وفاة 45 ألف طفل بسوء التغذية.
وقالت أديبة لـ “مدنية نيوز” إنه تم حصر حالات الاعتداء الجنسي حيث بلغت 679 حالة، منها 256 حالة لأطفال تتراوح أعمارهم من 5 سنوات إلى 16 سنة. وكشفت عن معالجة 48 حالة إجهاض، 12 بمستشفى النو و 36 حالة بمستشفى شندي.
علاج مصابي الحرب
ويظل ملف الرعاية الصحية للنازحين والضحايا من أكثر الملفات التي تحتاج إلى تدخلات عاجلة، حيث أدت إلى مضاعفة معاناة المصابين بسبب الحرب.
حيث اضطرت رضية ذات الـ 70 عامًا إلى النزوح من مدينة مليط بولاية شمال دارفور برفقة ابنتها وابنها. اضطرت للنزوح بعد قصف الطيران لمنطقتهم، وأصيبت ابنتها في قدمها. ليستقر بهم الحال بعد معاناة كبيرة في الطريق في مركز إيواء بمحلية الدبة.
إلا أن عدم توفر رعاية صحية لابنتها اضطرها قبل أشهر أن تفترش الأرض أمام ساحة المستشفى القطري بمنطقة تنقسي بالولاية الشمالية برفقة ابنها، بينما تستلقي ابنتها المصابة في قدمها على سرير مؤجر باليوم؛ لعجزهم عن سداد قيمة التنويم بالمستشفى القطري المقدرة بـ 25 ألف جنيه لليوم الواحد.
تتشارك راضية وابنها الصغير مع مرافقي المرضى من أهل المنطقة الوجبات طيلة النهار، لكنها تواجه البرد القاسي وحدها ليلًا في انتظار أن تتمكن من جمع مبلغ عملية ابنتها المقدرة بـ 500 ألف جنيه، بجانب تكاليف الإقامة بالمستشفى.
فقدت راضية وأسرتها مصدر رزقهم ومسكنهم بفعل الحرب، ووقعت عليهم انتهاكات متعددة، ولا تزال مستمرة، مثلهم مثل الآلاف من السودانيين الذين هجروا منازلهم وديارهم بسبب حرب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
النساء يدفعن ثمن الحرب من صحتهن
معاناة النساء بسبب الحرب وتأثيرها على صحتهن وصحة أطفالهن، سواءً على صحتهن الجسدية، أو النفسية، أو الإنجابية، أو في سبيل الحصول على الخدمات الصحية على قلتها وتدهورها بسبب الحرب. فيضطرن إلى قطع المسافات الطويلة، ويواجهن مخاطر جمة.
هذه الأوضاع تتدهور يومًا بعد يوم مع استمرار الحرب، ويزداد عدد الضحايا، مما يتطلب الانتباه إلى هذه المعاناة والعمل على إيقاف نزيف الدم وتوفير الاحتياجات الصحية للنساء في أماكن قريبة لتواجدهن وبأسعار تتناسب مع ظروفهن الاقتصادية.