مقالات الرأي

في حضرة إمبراطور العشاق وصاحب احن قلب في الوجود

 

في شتاء العام 2007 وفي أحد مقاهي القاهرة “قهوة فنون” حيث يتجمع السودانيون التقيت بإمبراطور العشاق الأستاذ عزمي أحمد خليل ذلك الشاعر المرهف الذي شكل وجدان الشعب بقصائده الرائعة ” حان الزفاف، عشان أهلك بخليك، هسى خايف من فراقك، طروني ليك، ما اتعودت أخاف من قبلك، ده ما سلامك، نحن ما رضيناها ليك تغمر الدمعات عينيك” وغير ذلك من القصائد الآسرة التي يرددها أهل السودان منذ الثمانينات حتى يومنا هذا .. كان لقاءنا عابرٱ كان وهمٱ كان رمزٱ عبقريا كان لولا أنني أبصرته وتبينت إرتعاشٱ في يديا بعض أحلامي التي انسجها في خيالي واناجيها مليا.

أن تلتقي بشخص في قامة العملاق عزمي أحمد خليل فهذا توفيق كبير وأحسب أنني كنت من المحظوظين تجاذبت معه أطراف الحديث في الفن والشعر والسياسة فوجدته ملماً ومدركاً وعالماً بكل التفاصيل دعاني إلى تناول وجبة الغداء بشقته في مصر الجديدة فلبيت الدعوة وذهبت برفقة بعض الأصدقاء وقضينا معه أجمل اللحظات فالرجل رغم غيابه الطويل عن البلد إلا أنه كان يحتفظ بكل صفات السوداني إبن البلد من كرم ومحبة للناس وبساطة وتلقائية تنسيك انك ضيفًا في حضرته تعمقنا في الحديث عن الشعراء وعندما جاء دور الأستاذ صلاح حاج سعيد اوقفني ليقسم أنه أشعر شعراء السودان؛ وقد هالني أنه يحفظ الكثير من أشعار الأستاذ صلاح ما يؤكد على المحبة الكبيرة التي يحملها له .. حمّلني الأستاذ عزمي رسالة إلى صديقه الفنان زيدان ابراهيم عبارة عن شريط كاسيت صغير قال انه يحتوي على بعض القصائد الملحنة وشدد على أن اسلمه للرجل في يده.

عدت إلى السودان وفي اليوم التالي ذهبت إلى دار إتحاد الفنانين بأم درمان ومن حسن الحظ وجدت زيدان وسلمته الأمانة بعدها التقيت بالأستاذ صلاح حاج سعيد الذي كما أوضحت من قبل كان كثيرٱ ما يحضر إلى صحيفة الخرطوم لمقابلة صديقه الأستاذ الزبير سعيد ذكرت له ما دار بيني وعزمي فقال لي عزمي صاحب أحن قلب في الدنيا وحكى لي قصته مع قصيدة “كان نفسي أقولك من زمان” يقول صلاح كلما التقى عزمي يطلب مني قراءة القصيدة فاستجيب وعندما أصل إلى “سطوة محاسنك عندي وكتين كبريائك ينهزم لطيبتي بي لفظة حنان” يدخل في نوبة بكاء لدرجة أنه منحني الاحساس بالندم على أنني كتبتُ هذه القصيدة.

مضى صلاح حاج سعيد أشعر شعراء السودان ومضى عزمي أحمد خليل إمبراطور العشاق وقبلهم مضى مصطفى سيد أحمد عملاق النغم ليستوطن الوطن الخراب فبرحيلهم رحل كل شيء كان يجمِّل حياتنا؛ رحل كل شيء كان يشد من ارتباطنا بهذه الأرض التي ينشد بنوها الآن بلا وعي اشعار الفناء والخراب والموت “بل، جغم، فتك، متك، لتريق كل الدماء.. فيا أهل العلم يا من تفجرتم ذكاء دلونا على الطريق واخبرونا لما خٰلقنا ولما الإنسان في وطننا جاء ؟ هل خٰلقنا للعناء للشقاء أم جينا للفناء؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى