محمد بن زايد في تركيا.. دلالات الزيارة بسياسة الإمارات الخارجية
أبوظبي – صقر الجديان
تكتسي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لتركيا أهمية بالغة في علاقات البلدين.
وتكشف الزيارة التي تحظى بزخم كبير إقليميا ودوليا، عن تقارب بمستوى القمة بين الإمارات وتركيا، ينهي سنوات من التوتر في العلاقات، أراد البلدان تجاوزه، تغليبا لمصلحة الدولتين، الفاعلتين في الشرق الأوسط.
مؤشرات مبكرة
وسبق الزيارة الكثير من مؤشرات التقارب، ترجمتها زيارات لوفود البلدين، وتصريحات إيجابية صدرت عن المسؤولين الأتراك، حملت الاستعداد التام لتطبيع العلاقات، والسعي لمراجعة بعض سياسات أنقرة في الإقليم، بما فيها التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، وخفض التوتر في الملفات الخلافية في المنطقة، بما في ذلك القضية الليبية.
كما تسعى الإمارات، بتلبية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لزيارة بلاده، تطبيق توجه، رسمته القيادة الإماراتية يرمي إلى المضي قدما في سياسة التقارب بين دول الإقليم، بما يخدم الاستقرار في المنطقة، ويعزز الشراكة الاقتصادية بين دولها.
مصالح متبادلة
ورغم العنوان السياسي الذي لا يخفى في زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا، بحكم أهمية الضيف ومستوى التمثيل، غير أن الإمارات تضع نصب عينيها التعاون الاقتصادي مع أنقرة، بما يخدم مصالح البلدين، ويعزز الشراكة القوية، والتبادل التجاري المستمر لدى الجانبين.
ويتوقع أن يستغل البلدان زخم الزيارة الكبير، في توقيع اتفاقيات اقتصادية، تكون إضافة نوعية على واقع الاستثمار في تركيا والإمارات، كقطبين اقتصاديين من أقوى اقتصادات المنطقة.
توجه جلي في “مبادئ الخمسين”
وهذا التوجه بدا جليا في مبادئ الخمسين التي أصدرتها الإمارات، شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بتوجيه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، واعتماد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهات البلاد للخمسين عاما القادمة، وهي تحتفل بذكرى تأسيس الاتحاد الخمسين.
وتحدد الوثيقة التي تضمنت 10 مبادئ أساسية ترسم المسار الاقتصادي والسياسي والتنموي، وصولا لتحقيق هدفها في “مئوية الإمارات 2071″، توجها لا لبس فيه للسياسة الخارجية للدولة، يسعى قادة الإمارات لتطبيقه.
وينص المبدأ الثالث من المبادئ العشرة على أن “السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات. هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد. وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد”.
فيما ينص الخامس من تلك المبادئ على أن “حسن الجوار أساس للاستقرار. المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة يعتبر خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها. وتطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع هذا المحيط يعتبر إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة”.
أما المبدأ العاشر من مبادئ الخمسين، فيؤكد أن “الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية”.
يد مبسوطة للجميع
وبالعودة إلى زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتركيا، فمن الواضح أن الإمارات في تطبيقها لسياستها الخارجية، تمد اليد لكل من يبسطها باتجاه التوافق الإقليمي، وينبذ الخلاف، وأسبابه، خاصة مع سعي أنقرة مؤخرا وعبر تصريحات مسؤوليها، إلى العودة إلى “سياسة تصفير المشكلات”، التي اتبعتها قبل 10 سنوات، في أدبيات دبلوماسيتها الإقليمية.
كما أن تلاقي المصالح الاقتصادية يتطلب خدمة ترسيخ الاستقرار والسلام في المنطقة، بما يخدم شعوب الإقليم، وهو مبدأ تلاقت فيه توجهات الإمارات وتركيا فيما يبدو هذه اللحظة.
وذلك انطلاقا من إيمان الإمارات باتخاذ الحوار سبيلا، ونبذ أسباب الفٌرقة والخلاف، وإدارة التباين في وجهات النظر، حول القضايا التي تكون محل تعارض في الرؤى بين البلدان.
فالإمارات وعلى لسان مسؤوليها تمد جسور التقارب مع الجميع، وتدعم الحوار سبيلا وحيدا، إلى حل الخلافات، مهما كان مجالها، أو أطرافها.
قمة العلا وعودة سوريا والعراق
وفي سياق دعم التقارب الإقليمي سعت الإمارات عبر مشاركتها في قمة العلا الخليجية بالسعودية مطلع العام الحالي، إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية، من خلال دعم المصالحة مع دولة قطر، ووقعت على إعلان العلا، وسعت في الأشهر الأخيرة، إلى تبادل الزيارات مع المسؤولين في الدوحة.
وكانت الإمارات سبّاقة لفتح آفاق التواصل الدبلوماسي مع سوريا، لتضميد جراح هذا البلد العربي، وإعادته إلى حاضنته القومية، بعيدا عن أطماح وأجندات دول في الإقليم، تسعى لمصلحتها الخاصة.
والحال نفسه مع العراق، حيث دأبت الإمارات على دعم هذا البلد العربي اقتصاديا، وسياسيا، واستقبلت الرئيس برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، اللذين أشادا بدور الإمارات لدعم بلدهم أكثر من مرة.
وتوجت الإمارات جهودها لإعادة العراق لحضنه العربي، بالمشاركة عالية المستوى للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في قمة دول الجوار العراقي التي انعقدت في بغداد، شهر أغسطس/ آب الماضي.
الاتفاق الإبراهيمي.. خطوة نحو السلام
وضمن سياسة تنظر بعيدا للمستقبل، قادت الإمارات العام الماضي جهودا للسلام، مع إسرائيل، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، تمخض عن توقيع “الاتفاق الإبراهيمي”، بواشنطن، منتصف سبتمبر/ أيلول 2020، لينطلق قطار السلام مسرعا، وتلتحق به مملكة البحرين، ثم المغرب.
الإمارات وضمن سياستها الواقعية، البعيدة عن المهاترات، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، اتخذت من اتفاق السلام، فرصة لإيقاف ضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية، وعززت علاقاتها بإسرائيل في جوانب اقتصادية وتكنولوجية وأمنية عديدة.
وذلك دون التنكر لحقوق الفلسطينيين، ودعم حل الدولتين ضمن المبادرة العربية، وظلت بعثة الإمارات صوتا قويا في الأمم المتحدة، للدفاع عن حل يرضي الطرفين، ويقيم الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية، مع المحافظة على الوضع القانوني للمسجد الأقصى، والقدس عموما.
محطات مختلفة ظلت فيها الإمارات تحافظ على سياسة متوازنة ومنسجمة مع التوجهات الوطنية، لتغليب مصلحة ورفاه الشعب الإماراتي، وتدعم فيها سيادة الدول، ضمن سياسة التعاون في المتفق فيه، وإدارة نقاط الخلاف بمسؤولية.
وفي هذا السياق تتنزل زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتركيا اليوم الأربعاء، ضمن سياسة انفتاح، تتضح معالمها أكثر، وفق استراتيجية إماراتية، ترى أن تحديات المرحلة تفرض الانفتاح، ووضع المنطقة يحتّم التعاون والتآزر، وتخفيض التوترات، وتوصيل الجسور سبيلا إلى إشاعة أجواء إيجابية في علاقات الدول فيما بينها.