ملك المغرب يوجه خطابا إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد، والذي يصادف الذكرى الرابعة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه الميامين
تطوان – صقر الجديان
في بداية الخطاب شكر جلالة الملك الله تعالى على النعم التي اسدلها “على بلادنا بالتلاحم الدائم، والتجاوب التلقائي، بين العرش والشعب”. وهو ما مكن المغرب من إقامة دولة- أمة، تضرب جذورها في أعماق التاريخ، والتمكن من تحقيق العديد من المنجزات، و من مواجهة الصعوبات والتحديات.
واشار الملك الى ان المغاربة معروفون، والحمد لله، بخصال الصدق والتفاؤل، وبالتسامح والانفتاح، والاعتزاز بتقاليدهم العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة.
والمغاربة معروفون على الخصوص بالجدية والتفاني في العمل…
ذكر الملك في خطابه بالمسار التنموي الذي بلغ درجة من التقدم والنضج، والذي هو في حاجة إلى المزيد من الجدية، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة في اطار مفهوم متكامل، يشمل مجموعة من المبادئ العملية والقيم الإنسانية.
واشار الخطاب الى ان المغاربة الذين توفرت لهم الظروف المواتية يبهرون العالم، بإنجازات كبيرة، وغير مسبوقة، كتلك التي حققها
المنتخب الوطني في كأس العالم وبشهادة الجميع، وطنيا ودوليا، بما قدمه من أجمل صور حب الوطن، والوحدة والتلاحم العائلي والشعبي، وأثاروا مشاعر الفخر والاعتزاز، لدينا ولدى كل مكونات الشعب المغربي.
وهي نفس الروح التي كانت وراء قرارنا، بتقديم ملف ترشيح مشترك، مع أصدقائنا في إسبانيا والبرتغال، لاحتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030، والتي نتطلع ونعمل على أن تكون تاريخية، على جميع المستويات. واشار الى إنه ترشيح غير مسبوق، يجمع بين قارتين وحضارتين، إفريقيا وأوروبا، ويوحد ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ويحمل طموحات وتطلعات شعوب المنطقة، للمزيد من التعاون والتواصل والتفاهم.
في مجال الإبداع والابتكار، اشار الملك في خطابه الى النبوغ الذي يتميز به الشباب المغربي، في مختلف المجالات، واشاد بالخصوص بإنتاج أول سيارة مغربية محلية الصنع، بكفاءات وطنية وتمويل مغربي، وكذا تقديم أول نموذج لسيارة تعمل بالهيدروجين، قام بتطويرها شاب مغربي.
وهي كلها مشاريع تؤكد النبوغ المغربي والثقة في طاقات وقدرات شبابنا، وتشجعه على المزيد من الاجتهاد والابتكار، وتعزز علامة “صنع في المغرب” وتقوي مكانة بلادنا كوجهة للاستثمار المنتج.
في ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمملكة اشار الخطاب الى ان الجدية والمشروعية هي التي أثمرت توالي الاعترافات بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية؛ وآخرها اعتراف دولة إسرائيل، وفتح القنصليات بالعيون والداخلة، وتزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي.
وبنفس الجدية والحزم، “نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية؛ بما يضمن الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة.”
واشار الملك في خطابه الى ان الجدية يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل، وأن تشمل جميع المجالات:
الجدية في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.
وفي المجال الاجتماعي، اشار الخطاب الملكي الى قطاعات الصحة والتعليم والشغل والسكن، واشار الى أن الجدية التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال.
والجدية كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص.
وامام تداعيات الأزمة التي يعرفها العالم، وتوالي سنوات الجفاف، على المستوى الوطني، والذي ادى الى ارتفاع تكاليف المعيشة، وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي، اعطى الملك توجيهاته للحكومة لاتخاذ التدابير اللازمة، قصد تخفيف آثارها السلبية على الفئات الاجتماعية والقطاعات الأكثر تضررا، وضمان تزويد الأسواق بالمنتوجات الضرورية.
وفي نفس السياق اعطينا الانطلاقة لمشروع الاستثمار الأخضر للمكتب الشريف للفوسفاط، وقمنا بتسريع مسار قطاع الطاقات المتجددة.
في هذا الاطار أعدت الحكومة مشروع “عرض المغرب”، في مجال الهيدروجين الأخضر. واعطيت التعليمات في هذا المجال الواعد للاستجابة لمشاريع المستثمرين العالميين واستكمال اوراش الحماية الاجتماعية، والشروع في منح التعويضات الاجتماعية، لفائدة الأسر المستهدفة.
أما في مجال تدبير الموارد المائية، الذي يتطلب المزيد من الجدية واليقظة، فقد حرصنا على بلورة البرنامج الوطني للماء لفترة 2020-2027. وإننا ندعو للتتبع الدقيق لكل مراحل تنفيذه، مؤكدين أننا لن نتساهل مع أي شكل من أشكال سوء الحكامة والتدبير، والاستعمال الفوضوي واللا
مسؤول للماء.
في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات ، وتداخل العديد من الأزمات، ذكر الملك في خطابه “”فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث بالجدية، بمعناها المغربي الأصيل:”
-أولا : في التمسك بالقيم الدينية والوطنية، وبشعارنا الخالد: الله – الوطن – الملك؛ -ثانيا: في التشبت بالوحدة الوطنية والترابية للبلاد؛ -ثالثا: في صيانة الروابط الاجتماعية والعائلية من أجل مجتمع متضامن ومتماسك؛ -رابعا: في مواصلة مسارنا التنموي، من أجل تحقيق التقدم الاقتصادي، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية.
إن عملنا على خدمة شعبنا، لا يقتصر فقط على القضايا الداخلية، وإنما نحرص أيضا على إقامة علاقات وطيدة مع الدول الشقيقة والصديقة،
وخاصة دول الجوار .
وخلال الأشهر الأخيرة، يتساءل العديد من الناس عن العلاقات بين المغرب والجزائر؛ وهي علاقات مستقرة، نتطلع لأن تكون أفضل.
“وفي هذا الصدد، نؤكد مرة أخرى، لإخواننا الجزائريين، قيادة وشعبا، أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء؛ وكذا الأهمية البالغة، التي نوليها لروابط المحبة والصداقة، والتبادل والتواصل بين شعبينا.
ونسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فـتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين.”
تجدر الاشارة الى ان الخطاب الملكي قد شمل عددا من المحاور التي عكست الاهتمام والمتابعة الحثيثة للتفاصيل المتعلقة بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والجيوسياسية ببعد نظر ثاقب على المستويين الداخلي والخارجي.
وقد ركز بالخصوص على :
١- القيم الرابحة للمملكة: خطاب العرش 2023 ركز على القيم المغربية الثابتة التي تجعل المغرب ناجحاً وهي الجدية والعمل والثقة.
٢- الاجتماعية: العلاوات الاجتماعية الممنوحة لملايين الأسر والأطفال اعتباراً من نهاية عام 2023 ، والتي ستشكل دعامة أساسية للنموذج الاجتماعي المغربي.
٣- الطاقة النظيفة: جلالة الملك يصادق على عرض المغرب للهيدروجين الأخضر ويطلب تنفيذه من طرف الحكومة.
٤- الالتزام الملكي اكد على الاهتمام بالطاقات المتجددة والتنمية الصناعية.
٥- الدبلوماسية: جلالة الملك يطمئن ويكرر يده الممدودة للجزائر ويأمل في العودة إلى الوضع الطبيعي مع هذا البلد المجاور.
٦- جلالة الملك يسلط الضوء على قرار إسرائيل في العملية الجارية للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.