أخبار السياسة المحلية

نقاط العبور بالولاية الشمالية… شبكات ابتزاز بلا رقابة

بورتسودان – صقر الجديان

تفاجأ سائق شاحنة البضائع وهو في طريقه من الولاية الشمالية إلى ولاية الجزيرة وسط السودان، بفرض رسم جديد قيمته 900 ألف جنيه سوداني (320) دولار عبارة عن (ضريبة مركبة) حسبما أخبره العاملون في نقطة العبور، اضطرّ السائق (أ.خ) للتوقف مع سائقين آخرين للاستفسار عن هذا الرسم، وحينما طرحوا سؤالهم على نقطة العبور حول المنشور الرسمي لهذا الرسم كان الرد أن السلطات فرضت هذه الضريبة دون مستند رسمي.

هذه الشفرة المفهومة لجميع السائقين العاملين في الطرق السريعة، وتفكيكها (إما تدفع رشوة أو يتم تعطيلك) وبالفعل اضطرّ (أ.خ) لدفع مبلغ (10) آلاف جنيه، أي نحو (4) دولارات.

يقول السائق في حديثه لنا: “لقد نجوت بدفع الرشوة لكن أوقفوني في نقطة العبور التالية، وطالبوني بإبراز إيصال المعاملة”، ولما لم يكن بحوزة السائق إيصال مالي للمعاملة التي تمت وهي معاملة غير رسمية، وقف حائرا لا يدري ماذا يفعل، تطوع أحد العاملين في نقطة العبور بتقديم المشورة له وكانت عبارة واضحة للسائق؛ إذ قال له العامل (خارِج نفسك) أي ساعد نفسك وأكسب زمنك، وهي أيضا شفرة مفهومة للسائقين، رفض السائق دفع أي مبلغ (رشوة)،، لكن نتيجة رفضه كانت أن صادرت نقطة العبور جميع أوراق الرحلة وتركوه منتظرا لساعات جوار شاحنته، وحينما طال انتظاره تقدم نحوه أحد الجنود من العاملين في نقطة العبور واقترح عليه دفع ما يعادل مائة دولار، في نهاية الأمر  دفع السائق أقل من خمسين دولار وتمكن من مغادرة نقطة العبور، وأرسل له الجندي إيصال المعاملة لاحقا عبر تطبيق واتساب، وهو إيصال غير رسمي.

تعطيل متعمد ينتهي برشوة

هذه القصة تحدث بشكل يومي لعشرات السائقين في الطرق السريعة، وهي واحدة من كثير من الحالات التي وثقناها في هذا التحقيق والتي كشفت لنا عن أنماط متصلة من الابتزاز بالتعطيل المتعمد والتي تنتهي عادة بدفع رشوة أو ما يُطلق عليها (تسوية) وهي متفشية في نقاط العبور والارتكازات الأمنية التي اتسعت دائرتها خلال عامي الحرب في السودان

وكشف هذا التحقيق عن 10 معاملات تتم بدون أورنيك 15، وهذه تحدث يوميا لمركبات باصات الركاب، بينما أحصى التحقيق 13 معاملة بدون أورنيك 15 للشاحنات التجارية ومتوسط ما يدفعه سائقو المركبات خلال الرحلة الواحدة ما يقرب لمليون جنيه سوداني (300) دولار.

وخلال مقابلات أجريناها مع ثمانية سائقين ومساعد سائق، أقروا جميعا بأنهم دفعوا رشاوي متفاوتة في الطريق إن كان أصحاب مركبات نقل الركاب أو البضائع، متمسكين بأن الرشوة هي الحل العملي لتحاشي التعطيل وتبديد الوقت.

والتحصيل غير القانوني في السودان منتشر منذ سنوات على الطرق القومية وداخل المحليات، وفي عام 2015 أعلنت وزارة المالية عن بداية العمل بالتحصيل الإلكتروني عبر الإيصال الرسمي المعروف بـ (أورنيك 15) في محاولة لوضح حد لشبكات الجبايات والتحصيل غير القانوني الذي يتم ورقيا، ووثقت وزارة المالية وقتذاك 36 ألف رسما غير قانوني، ورغم العمل عبر النظام الإلكتروني رسميا إلا أن كثير من المعاملات تتم ورقيا لأسباب تقنية، بينما لا تزال هناك كثير من الرسوم غير القانونية التي يتم تحصيلها خارج (أورنيك 15)


الحرب توسّع دائرة التحصيل غير القانوني

وخلال عامي الحرب انتعش النشاط التجاري والاقتصادي في مناطق شمال السودان بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الخرطوم والجزيرة وسنار، مما أتاح للتحصيل غير القانوني توسعا كبيرا مع غياب الرقابة.

تنتشر في الشارع السفري نقاط العبور، وكانت قبل الحرب تتشكل من موظفي محليات وشرطيين بينما أصبحت هذه النقاط بعد الحرب ارتكازات عسكرية وأمنية عطفا على تعدد هذه النقاط.

وأبلغ عدد من السائقين استطلعهم التحقيق عن تعدد الرسوم والتحصيلات، وتعدد نقاط التفتيش وفرض مبالغ مالية دون مستندات رسمية، ورسوم دون منشورات رسمية وغطى التحقيق نقاط التحصيل في طرق؛ دنقلا – الخرطوم، أبو حمد – بورتسودان والطريق الحدودي إلى حلفا.

حيث أصبحت هذه الطرق مسارات تحرسها شبكات ابتزاز متحججة بالمخالفات والتعقيدات الإدارية وسط غياب كامل للجهاز الرقابي.

سنويا تفرض السلطات بشكل رسمي (5) ايصالات على مركبة الركاب ومتوسط قيمة هذه الرسوم 2 مليون و890 ألف جنيه سوداني.

ويتحمل سائقو المركبات بشكل يومي رسوم تشغيلية بلغ عددها (10) إيصالات وهي: إيصال المغادرة، إيصال العبور، إيصال المنفستو، ختم اللجنة الأمنية على المنافسة، إيصال ضرائب، إيصال محلية، إيصال نفايات، إيصال دخول الميناء البري، إيصال خروج من الميناء البري، إيصال الدفاع المدني) وتدفع هذه الرسوم اليومية بواسطة الجهة المحلية أو الولائية، بدون أورنيك 15، ويبلغ متوسط القيمة التشغيلية للرحلة مليون و945 ألف جنيه سوداني

ومن خلال المقابلات التي أجريناها مع السائقين ومحصّلين فإن هناك ثلاثة أنواع من التحصيلات

* التحصيل الحكومي عبر أورنيك (15): وهذا النوع الأكثر وضوح ويفرض بواسطة جهات معروفة، وتتم المعاملات فيه باستخدام اورنيك 15وهو إيصال رسمي يضمن نقل إيرادات الأموال لوزارة المالية، وبعد الحرب استبدل بالإيصال الورقي

ويشمل التحصيل الرسمي الايصالات السنوية المعلومة والتي أشرنا لها.

التحصيل الحكومي دون أورنيك (15): هذا النوع من التحصيل يُفرض من جهات محلية او ولائية بدون اورنيك 15 ويصنف تحصيل غير قانوني رغم أنه يتم عبر موظفين حكوميين وفي مكاتب حكومية، وهذا النوع يشمل 10 إيصالات تشغيلية لمركبة الركاب، و13 إيصالا لمركبة النقل والبضائع، ويبلغ متوسط قيمة هذه الرسوم مليون جنيه و949 ألفا.

تحصيل عشوائي

يتم هذا مقابل تسهيل المرور أو التغاضي عن مخالفات حقيقية أو غير حقيقية وتدخل اشخاص بسلطة محدودة (صغار النظامين أو المستنفرين)، يمر السائق في المتوسط عبر 30 نقطة تفتيش/ عبور وتتراوح المبالغ التي يدفعها من 1000 جنيه سوداني إلى 20,000 ألف جنيه سوداني وتُبرر بمصطلحات مثل (مصاريف شارع، خارج نفسك) يضطر السائق دفعها لكيلا يواجه التأخير في الشارع او تعطل شحنته.

ورصد التحقيق تلاعبا حتى في التحصيل الرسمي، حيث كشف عدد من السائقين دفعهم رسوم النفايات أكثر من مرة، رغم المنشور الرسمي الذي شدد على دفع رسوم النفايات مرة واحدة.

“تسويات” وليست رشاوي

في مقابلة مع أحد موظفي ادارة المرور رفض توصيف ما يدفعه السائقون في الشارع بالرشوة وقال إن هذه (تسويات) لمخالفات وتختلف قيمتها حسب المخالفة، وأكد ان الجهات التابعة للإدارات الحكومية تذهب ايراداتها لوزارة المالية، ولكنه اعترف بوجود حالات فردية كقيام عسكري بسرقة الختم والتحصيل عن طريقه لحسابه الخاص موضحا ان هذا صعب حدوثه مع النظام الإلكتروني.

رغم حديث الموظف في إدارة المرور، إلا أن جميع السائقين الذين تحدثنا معهم اجمعوا على أن إدارة المرور؛ أكثر جهة تستخدم المخالفات كذريعة للتحصيل غير القانوني والذي ينتهي عادة بدفع رشوة.،

وأصدرت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لائحة تنظيم التحصيل والسداد الإلكتروني لعام 2025 في محاولة لمنع التسرب الإيرادي، وتطبق اللائحة على جميع المعاملات الرسمية لأجهزة الدولة، وأفاد مصدر بالمالية بتوقيع اتفاقيات مع عدد من المصارف، ونقل المصدر أن المالية أصدرت تعميما ملزما لجميع الوحدات الحكومية والهيئات بوقف التحصيل النقدي واعتماد التحصيل الإلكتروني عبر المصارف التي تم توقيع اتفاقيات معها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى