يوم العيد
قضيت أيام العيد متردداً على المستشفى، تعرضت طفلتي إلى كسر في إصبع اليد خلال درس الرياضة لم يكن الأمر مقلقاً في البداية لكن الطبيب قرر إجراء عملية لترميم الإصبع المكسور.
قبل الثامنة صباحاً كنت في المشفى قابلت الطبيب الذي شرح لي ما سيحدث في العملية، قبل ذلك كنت مررت على الاستقبال للتسجيل عندها أكتشفت أنني نسيت محفظتي التي تحوي هوية ابنتي وبطاقة التأمين الطبي، ارتبكت قليلاً وطلبت الانتظار لحين الرجوع إلى المنزل لجلبها، لكن الموظفة طلبت أن أملأ الاستمارة ثم يمكن تأكيد البيانات لاحقاً، الأولوية الآن لعلاج الطفلة.
خلال حديثي إلى الطبيب كانت طفلتي تقطع الحديث، لا يردعها، بل يعاملها بلطف ويشرح لها ما سيجري خلال العملية ببساطة ودون تهويل، ذات الحال مع اختصاصي التخدير والممرضين ومعظم العاملين، صحيح أنهم صارمون تلك الصرامة الألمانية المعروفة عنهم، لكن لا تخلو وجوههم أحياناً من ابتسامة.
يطل المشفى على مجموعة من الأشجار تشكل غابة صغيرة، هو الأكبر في المدينة ويضم 1027 سريراً وتأسس في العام 1879، عتيد عريق مثلهم، وصامت كذلك رغم كثرة المرضى وربما متجهم لا أدري.
يدخل الهواء بارداً عبر النافذة، نحن في غرفة الانتظار، طفلتي تلون على ورقة، في كل منطقة انتظار في ألمانيا تجد أوراق وألوان ومقاعد للأطفال حتى لا يتسرب إليهم الملل، هناك سيدة مغربية تتحدث عبر الهاتف باللهجة الدارجة وتنظر إلى الطفلة، هي أمازيغية كانت لا تتقن العربية ولم تعرفها لأنها ولدت ونشأت في ألمانيا، لكن بعد ذلك درستها في كلية متخصصة للتعرف على الثقافة العربية ولتتمكن من قراءة القرآن بشكل سليم، هي محجبة ويبدو عليها الالتزام سألتني عن غزة وهل أدعم القضية الفلسطينية، قلت لها نعم ولكن لدي أنا أيضاً قضية في بلدي، هناك حرب يقتل فيها الآلاف من أبناء وطني وهم مسملون مثلهم مثل أهل غزة.
ثم سألتها هل لديك فكرة عن ذلك؟ قالت أنها شاهدت بعض المقاطع في الأخبار ثم عادت مرة أخرى لحرب غزة ونصرة الإسلام والمسلمين، حينها لذت بالصمت.
ثم قابلت شاب تركي يعاني من جرح كبير في وجهه وكذلك في يده وعنقه، قال أن مجموعة من الشباب دخلوا عليه في مسكنه وسلخوه، لم يكشف عن الأسباب وقال أنه لا يعرفهم والشرطة لم تتوصل إليهم بعد، يسكن في قرية صغيرة وليس له أعداء ولا يملك الكثير من المال، كان يتحدث بحرقة وإحساس بالقهر لمست من حديثه أنه يعرفهم ولن يتركهم لكن يريد الآن أن يتعافى.
أمام غرف العمليات أنتظر طفلتي، أحصيت 19 مريضاً خرجوا، بعضهم ما زال يتألم، سيدة ثمانينية حيتني بابتسامة ثم قالت: أنت تشبه أمادو قلت : من هو أمادو. ردت وهي تضحك : حبيبي الذي تعرفت إليه في السنغال.