أدوية مغشوشة ومنتهية الصلاحية.. تجارة الموت تفتك بالسودانيين

الخرطوم – صقر الجديان
بعد أربعة أيام فقط على وفاة والدتها، اكتشفت سلوى أن علبة الدواء التي حصلت عليها لعلاج الملاريا من سوق صابرين الشعبي بأم درمان قد انتهت صلاحيتها منذ عام 2018.
تقول وهي تغالب دموعها: “كنت أظن أنني أنقذ حياتها، لكني لم أتحقق من تاريخ الصلاحية. لن أسامح نفسي أبدًا”.
قصة سلوى ليست سوى مثال على أزمة متفاقمة يعيشها السودان، حيث تغيب الرقابة الدوائية وتنتشر الأدوية المغشوشة في الأسواق، وسط ظروف الحرب والفوضى التي جعلت الحصول على دواء آمن مهمة شبه مستحيلة.
رقابة محدودة وتهريب منظم
محمد بشير، أمين أمانة الرقابة بالمجلس القومي للأدوية والسموم، يعترف بوجود تحديات كبرى رغم الحديث عن انخفاض المخالفات خلال الفترة الأخيرة. وأكد أن المجلس اتخذ إجراءات قانونية ضد صيدليات ومؤسسات ضبطت بحوزتها أدوية غير مطابقة، مشيرًا إلى جهود مشتركة مع الجمارك والأمن الاقتصادي والمواصفات لمواجهة الأدوية المهربة.
لكن على أرض الواقع، تبقى قصص الضحايا أقوى من التقارير الرسمية، في ظل استمرار تدفق أدوية مجهولة المصدر إلى الأسواق وبيعها للمواطنين دون رقابة حقيقية.
“الكوكو”.. الوجه القاتل للسوق السوداء
الصيدلي بهاء الدين الحاج يصف الظاهرة بـ”تجارة الموت”، مشيرًا إلى أن السودان غارق منذ سنوات في فوضى الأدوية المغشوشة المعروفة محليًا بـ”الكوكو”.
ويؤكد أن الحرب جعلت غالبية الأدوية المتداولة حاليًا مغشوشة أو مجهولة المصدر، تُهرّب من مصر عبر معبر أرقين، ومن الهند عبر جنوب السودان، ومن الشرق عبر ولاية كسلا.
ويحذر الحاج من أن هذه المنتجات القاتلة لا تؤدي فقط إلى فشل العلاج وتسمم المرضى، بل تساهم أيضًا في انتشار العدوى المقاومة للأدوية، خصوصًا أدوية الملاريا والمضادات الحيوية.
انهيار المنظومة الدوائية
ويرى عمار محمد، الموظف السابق بمجلس الأدوية، أن الأزمة قديمة لكنها تفاقمت بشكل غير مسبوق بسبب الحرب.
ويؤكد أن الخسائر لم تعد محصورة في الأرواح، بل شملت الاقتصاد والدولة التي بات نظامها الصحي على شفا الانهيار مع غياب الدواء الآمن وارتفاع أسعاره.
أزمة حياة أو موت
بين تصريحات رسمية مطمئنة وواقع ينضح بالمآسي، يواجه السودانيون واحدة من أخطر أزماتهم الإنسانية: إما غياب الدواء، أو الوقوع ضحية لما يُعرف بـ”تجارة الموت”.