ثقافة وفن

أيقونة المغرب “الحمداوية” تنهي مسيرتها الفنية.. وتقدم خليفتها للجمهور

 

اعتاد عليها المغاربة شامخة، لا يُفارقها دُفّها في سهرة ولا حفل، لكنها اليوم جاءت بدونه، متكئة على “خليفتها” في المسيرة الفنية، ومُعلنة نهاية مسيرة دامت أكثر من 70 سنة، أعطت فيها الكثير لفن العيطة المغربي.

وتحت شلال مُنهمر من الدموع، وسيل جارف من الأحاسيس، سلّمت الحاجة الحمداوية، رائدة فن العيطة في المغرب، مشعلها الفني إلى المُغنية الشابة زينة عويطة، مُتنازلة لها عن جميع الحُقوق المتعلقة بأعمالها الفنية.

“الله يجعل البركة”
حرصت في لقائها الأخير مع الصحفيين، الجمعة، على أن تكون في كامل أناقتها التقليدية كما عهدها جمهورها، على الرغم من تجاوزها التسعين من عمرها، لتعلن والدموع تُغالبها “صافي عييت.. الله يجعل شي بركة”.

وتعني العبارة في الدارجة المغربية أنها لم تعد تستطع الاستمرار في الغناء، وبالتالي ستتوقف عند هذا الحد.

وأوضحت أنها قررت “توريث” جميع ما قدمته من أغانٍ طيلة حياتها رهن إشارة المغنية المغربية المُقيمة في الولايات المتحدة زينة عويطة، وهي في الوقت نفسه ابنة العداء المغربي السابق سعيد عويطة.

وأكدت الحاجة الحمداوية في حديث مع “العين الإخبارية”، منحها جميع الحُقوق المتعلقة بأعمالها الفنية، سواء عبر إعادة أدائها أو تجديدها من خلال الألحان وحتى طريقة التقديم، موضحة أن هذه الخطوة جاءت بمبادرة طوعية منها، وبدون أي مقابل مادي.

وأشارت إلى أنها قررت التوقف عن الغناء بسبب تقدمها الكبير في السن، وأنها ترغب في فسح المجال للشباب الصاعد، كي يأخذ المشعل ويرقى بالأغنية المغربية ويُطورها لتناسب احتياجات هذا الجيل.

ومن جهتها، كشفت الفنانة زينة عويطة المقيمة بأمريكا، والمشهورة بأدائها لأغاني الراب والـ”RNB” نيتها الاستمرار على نهج الفنانة الحمداوية، من خلال تجديد ما وصفته بـ”الريبرتوار التاريخي والغني”.

واعتبرت زينة في تصريح لـ”العين الإخبارية” أن قرار الحاجة الحمداوية يُعتبر تشريفاً لها، كما أنه في نفس الوقت مسؤولية كبيرة.

وكشفت أن آخر عمل في مسيرة الحاجة الحمداوية، سيكون عبارة عن “دويتو” يجمعهما معاً، وهو عبارة عن إعادة إنتاج لأغنية “الكأس الحلو” للفنانة الحمداوية، والتي تم فيها مزج الكلمات الأصلية للأغنية، بكلمات وترجمات بالإنجليزية.

مايسترو العيطة
وظهرت الحاجة الحمداوية في عقد الخمسينيات من القرن الماضي واشتهرت بأدائها للتراث الشعبي، وتعد من أقدم الفنانات المغربيات في مجال فن “العيطة”، إذ ارتبطت به منذ ظهورها على الساحة الفنية في وقت كان المجتمع المغربي المحافظ ينظر فيه إلى الفن بنوع من التحفظ والحذر.

زينة عويطة

وتميزت عبر العديد من العروض الغنائية الشعبية التي أدتها مصحوبة بفرقة موسيقية تدعى “باتش وورك”، إذ اعتمدت على العديد من الآلات الموسيقية الشرقية والغربية كـ”الساكسفون والقيثارة والأورج والكمان والطبل”.

وفي كُل مرة كانت تُتداول شائعات بوفاتها، تخرج الحاجة الحمداوية مُعلقة أنها بحالة صحية جيدة، وأنها “كدك وتدردك”، وهي عبارة شائعة في الدارجة المغربية تعني الرقص برشاقة.

فنانة عملاقة
ويصفها الفنان المغربي حجب الرباطي، الذي يُعتبر مرجعاً في تاريخ “فن العيطة” بـ”الشيخة الخطيرة”، ومعناها “القامة الفنية والمقتدرة”، وذلك لكونها “استطاعت أن توصل فن العيطة بطريقة راقية، وأدخلتها إلى البيوت المغربية”.

ويؤكد حجب أن الحاجة الحمداوية استطاعت فرض تواجدها في الساحة الفنية في وقت كان المجتمع المغربي مُحافظا بشكل كبير، لتستحق بالفعل لقب “أيقونة الغناء الشعبي المغربي”.

وكشف أن عدداً كبيراً من نجوم الغناء الشعبي وخصوصا فن العيطة، قد تتلمذوا وتخرجوا على يديها. الشيء الذي يُؤكد موهبتها وكفاءتها الفنية العالية، بحسب تعبيره.

مسيرة حافلة
وعلى الرغم من سطوع نجمها في سماء الفن بالمغرب، إلا أن الحاجة الحمداوية، تعرضت في إحدى مراحل مسيرتها الفنية لتعثرات وظروف صحية ومادية مؤلمة جعلتها في فترة من الفترات، تعرف أسوأ أيام حياتها، لدرجة عجزت فيها عن تلبية أبسط حاجياتها اليومية مثل الدواء والسكن وغيرهما، قبل أن تنهض من جديد، بعد أن التفتت إليها جهات عليا نافذة في الدولة، وأولتها العناية اللازمة.

وتعاملت الحاجة الحمداوية في مسارها الفني مع العديد من نجوم الغناء على رأسهم الفنان الباذخ سليم الهلالي الذي عملت إلى جانبه سنوات عديدة، كما سجلت رفقة الأخوين بوطبول العديد من القطع المشتركة، فضلا عن مصادقتها لنجوم الغناء العربي أمثال وردة الجزائرية وعبدالحليم حافظ وغيرهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى