اتفاقية “سواكن”.. هل اقتربت نهاية أردوغان في ثغر السودان؟
الخرطوم – صقر الجديان
رمال سودانية كثيفة بدأت تتحرك تحت وجود تركي يتخذ من اتفاقية جزيرة سواكن ذريعة للتغلغل.
منحى يتصاعد بعد مضي عامين على عزل نظام الإخوان في السودان، ويتجسد من خلال دعوات واسعة لإنهاء الاتفاقية التي أبرمها الرئيس المعزول عمر البشير، في 2017، مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بوصفها خطوة “استعمارية” ولا تعود بأي نفع للبلد العربي.
في الأثناء، ثمة تأكيدات رسمية من داخل السلطة الانتقالية بالخرطوم، بأن الاتفاقية الخاصة بجزيرة سواكن ستخضع للمراجعة ضمن استراتيجية متكاملة للدولة حول ساحل البحر الأحمر والموانئ.
تأكيدات جاءت على لسان عضو مجلس شركاء الحكم جمال إدريس الكنين، وعضو مجلس السيادة محمد الفكي، في تصريحات لـ”العين الإخبارية”.
وقال الكنين إن السلطة الانتقالية ستنهي أي اتفاق يمس السيادة الوطنية ولا يحقق الفائدة للسودان، فهذا توجه عام للمرحلة القادمة، لافتاً الى أن اتفاقية جزيرة سواكن ليست ببعيدة عن ذلك، حيث عمد النظام المعزول لفرض سياج من السرية على تفاصيلها.
وذكر المسؤول أن موقفه الثابت يؤكد ضرورة مراجعة مثل هذه الاتفاقيات والجنوح إلى ما يحفظ مصلحة السودان وسيادته تماشيا مع العهد الجديد، مشددا على أن الدولة ماضية حالياً في هذا الاتجاه.
وبموجب الاتفاق المبهم، وافقت حكومة البشير لتركيا لما تمت تسميته وقتها تطوير جزيرة سواكن التاريخية على شاطئ البحر الأحمر، إذ يعد الموقع مقصداً سياحياً ومحطة للحجاج في طريقهم إلى مكة المكرمة في السعودية، وتم الاتفاق على بناء مرسى لاستخدام السفن المدنية والعسكرية.
ومنذ ذلك الحين، تتولى “الوكالة التركية للتعاون والتنسيق” (تيكا/ حكومية)، بترميم الآثار العثمانية، منها مبنى الجمارك ومسجدا الحنفي والشافعي التاريخيان في الجزيرة.
حراك بعد نكسة
في الفترة الماضية، كثف المسؤولون السودانيون جولاتهم إلى ولاية البحر الأحمر، وسط أحاديث حول خطة شاملة لتطوير الموانئ، وتزامن ذلك مع سباق أمريكي روسي على سواحل الخرطوم، في حراكُ قد يقتل أطماع تركيا في هذه المنطقة الاسترايتيجية على المدى القريب.
وتحدث عضو مجلس السيادة محمد الفكي سيلمان، ردا على سؤال “العين الإخبارية” حول مستقبل اتفاقية جزيرة سواكن المبرمة مع تركيا بصورة إجمالية، قائلاً إن “أمر البحر الأحمر يتم تناوله حالياً وفق استراتيجية متكاملة، لا سيما أن سقوط نظام البشير جعل السودان يعود وترتفع أسهمه في المحيط الدولي”.
وأضاف: “نتحدث الآن عن استراتيجية متكاملة للبحر الأحمر بداخلها سنعيد الرسم وتموضع عدد من الدول وحلفائنا وعلاقاتنا، ولعلكم سمعتم بحديثنا مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول، وستكشف عن تفاصيل هذه الخطة في وقت لاحق”.
وفي العام 2017، كان السودان على موعد مع “نكسة جديدة” هددت سيادته بعودة ما يشبه الإمبراطورية العثمانية، بمقتضى اتفاقية وقعها الرئيس المعزول عمر البشير مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو الشعور العام الذي أصاب السودانيين يومها.
ويقول الأمين السياسي لحزب الأمة السوداني، فتحي مادبو، إن السودانيين أصيبوا بخيبة أمل جراء منح جزيرة سواكن ذات الرمزية التاريخية والنضالية والكفاح ضد الاستعمار العثماني الأبشع على بلادهم, مشيراً إلى أن دخول النظام التركي لهذه المنطقة يمثل هزيمة كفاح البطل عثمان دقنة وأحفاده.
وأضاف مادبو، في تصريح لـ”العين الإخبارية”: “حان الوقت لإلغاء هذه الاتفاقية الظالمة، ولا مجال للحديث عن مراجعة، لأنها تمت وفق محاباة لما يسمى التنظيم الدولي للإخوان ولم يراع فيها أدنى مصلحة للسودان، ويجب أن تنتهي بشكل عاجل”.
واعتبر أن تغلغل تركيا في سواحل البحر الأحمر الاستراتيجي يشكل أكبر تهديد للأمن القومي العربي، ولا ينبغي أن يسمح سودان ما بعد الثورة بأن يؤتى أشقاؤه من قبله بعد ما قدموا له كل أشكال الدعم والمساندة السخية.
ودعا السياسي السوداني الحكومة الانتقالية في بلاده إلى المسارعة لتطوير منطقة البحر الأحمر والموانئ، عن طريق عقد شراكات استثمارية مع دولٍ صديقة في المحيط العربي والإقليمي تعمل بصدق حالياً لمساندة التغيير والتحول الديمقراطي بالبلاد.
وشدد على أن تطوير الموانئ السودانية عن طريق شراكات حقيقية ستنعكس فوائده ليس على حياة المواطنين السودانيين فحسب، لكنها تمتد إلى حفظ الأمن القومي العربي الذي سعت تركيا والإخوان وإيران إلى تطويقه من الخلف.
بدوره، توقع المحلل السياسي علي الدالي أن يكون ملف اتفاقية جزيزة سواكن أمام لجنة إزالة التمكين حالياً بهدف إلغائها أسوةً بما تم مع اتفاقيات مماثلة مرتبطة بنظام الإخوان الإرهابي جرى إنهاؤها خلال الفترة الماضية.
وقال الدالي لـ”العين الإخبارية”، إن المعزول وقع هذه الاتفاقية مع تركيا بهدف إيجاد موطئ قدم لما يسمى التنظيم الدولي للإخوان في منطقة البحر الأحمر ذات القيمية السياسية والاقتصادية.
وأكد أن الاتفاق مبهم وفيه تعتيم كبير، مما يؤكد أنه جاء لخدمة أجندات الإخوان، وليس للسودان فيه أي مصلحة، لافتاً إلى أن التنظيم الإرهابي كان له مخطط كبير في سواحل البحر الأحمر، ولكن الثورة الشعبية قطعت عليه الطريق.
وأكد أنه لا توجد أي موانع قانونية لإلغاء اتفاقية جزيرة سواكن مع تركيا، لأنها بنيت على باطل، لكونها أبرمت مع نظام حكم انقلابي ويحاكم قادته بهذه التهمة حالياً، فضلاً عن إدانة رأسه المعزول عمر البشير بجريمة فساد مالي (حيازة غير مشروعة للنقد الأجنبي).
إرث ضائع
وتعتبر جزيرة سواكن التي تبعد عن العاصمة الخرطوم شرقاً بنحو 500 كليومتر، مركزاً حضارياً يرتبط في أذهان السودانيين بمقاومة المستعمر العثماني الذي تكتظ الجزيرة بآثاره.
إلا أن عوامل الطبيعة أثرت في معظم مباني الجزيرة، وتعرض معمارها للتلف بسبب الاعتماد على الحجر الجيري في تشييده، ويسكن ما تبقى من سكان الجزيرة في الوقت الحالي في أكواخ.
وتوسعت “سواكن” على الساحل وما جاوره، فأصبحت “مدينة سواكن” الحالية، وتعد منطقة تاريخية قديمة، تضم منطقة غنية بآثار منازل من القرون الوسطى مبنية من الحجارة المرجانية ومزدانة بالنقوش والزخارف الخشبية.
وتضم المنطقة ثاني أكبر ميناء في البلاد لتصدير النفط والثروة الحيوانية، وتشكل جزيرة سواكن المنفذ الرئيسي للحجاج السودانيين والأفارقة إلى الأراضي المقدسة.
ولا يعرف تاريخ محدد تأسست فيه سواكن، ولكن الكثير من الشواهد تدل على أن الجزيرة كانت مأهولة منذ تاريخ موغل في القدم، واشتهرت بعد ظهور الإسلام، وازدادت شهرة بعد أن استطاعت أن تحل محل عيذاب كمنفذ تجاري لممالك السودان القديمة وميناء أفريقيا الأول للحجيج.