“الأمن الشعبي” بالسودان.. مسيرة دامية لجهاز الإخوان السري
الخرطوم – صقر الجديان
مسيرة دامية تقشعر لها الأبدان تعكس التأريخ الأسود لقوات الأمن الشعبي الذي يعرف بـ”الجهاز السري” لتنظيم الإخوان الإرهابي بالسودان.
فهذا الجهاز يتغلغل عناصره كالأشباح في مفاصل الدولة السودانية والمجتمع حيث يمارسون هوايتهم المحببة بتصفية الخصوم السياسيين في جنح الظلام، بعدما أطلق لهم هذا التنظيم الإرهابي العنان للقيام بهذه المهمة.
فقوات الأمن الشعبي التي أسسها زعيم الإخوان حسن الترابي في عام 1976 بدأت عملها في الخفاء، ولكن سرعان ما انكشف ظهرها في نهاية تسعينيات القرن الماضي، عقب المفاصلة بين مجموعة الترابي والرئيس المعزول عمر البشير.
ومنذ ذلك التأريخ واصلت قوات الأمن الشعبي مسيرتها الدامية للحفاظ على حكم الإخوان تحت إمرة البشير، لتطفو إلى المشهد بوجه أكثر دموية خلال انتفاضة سبتمبر 2013 التي راح ضحيتها أكثر من 200 قتيل، وثورة 19 ديسمبر 2019 التي خلفت عشرات القتلى.
وبحسب مراقبين، فإن كتائب الظل التي هدد بها الإخواني علي عثمان محمد طه، السودانيين المحتجين هم عناصر الأمن الشعبي الذين لا يتورعون عن القتل والتنكيل من أجل حماية مكتسبات التنظيم الإرهابي.
مهمة مابعد السقوط
لم يكتب لجرائم الأمن الشعبي التوقف عقب إنهاء حكم الإخوان في أبريل/ نسيان 2019، لكنها استمرت في ثوب جديد يجسد خطة الحركة الإسلامية السياسية بعد سقوطها، ليتولى الجهاز السري مهمة جديدة لزعزعة استقرار البلاد، وفق مراقبين.
وبعد شهر من عزل البشير، ضبطت قوات الدعم السريع متفجرات وأحزمة ناسفة وأسلحة في منطقة شرقي الخرطوم، ووجهت أصابع الاتهام لجهاز الأمن الشعبي وقتها.
وكانت خلية الأمن الشعبي، تخطط لأعمال إرهابية انتقاماً لسقوط الحركة الإسلامية السياسية بقيادة البشير التي لفظها السودانيين، بحسب السلطات.
وتعهد الفريق ياسر العطا، عضو المجلس العسكري يومها، باجتثاث جهاز الأمن الشعبي بعد أن اتهمه صراحة بالترتيب للقيام بأعمال تخريبية على خلفية ضبط الخلية الإرهابية بالخرطوم.
لكن الأمن الشعبي واصل أعماله التخريبية عبر مظاهرات ما سمي بـ”الزحف الأخضر” والحراك الشعبي الموحد، ضد الحكومة الانتقالية وهو الذي خطط ونفذ هذه الأعمال الاجرامية.
تاريخ أسود
و”الأمن الشعبي” عرفته الأوساط السودانية، كجهاز سري للحركة الإسلامية السياسية، يعمل في الظلام ويتغلغل في المجتمع من أجل تنفيذ أجندة تنظيم الإخوان الإرهابي وحمايته، وهو صاحب التاريخ الأسود والملطخ بدماء الأبرياء والخصوم السياسين.
ووفق خبراء فلم يكتف الأمن الشعبي بجمع المعلومات وتحليلها، بل امتدت يده لتنفيذ اغتيالات واسعة لا سيما وسط خصوم السياسة في قطاع الطلاب بالجامعات السودانية، وداخل تنظيم الإخوان نفسه من الذين يتزحزحون عن الولاء للحركة الإسلامية السياسية.
كما ارتبط اسمه بمحاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، في أديس أبابا خلال تسعينيات القرن الماضي حيث تورط في هذا الحادث قيادات نافذة في تنظيم الحركة الإسلامية السياسية مثل: نافع علي نافع وعلي عثمان محمد طه، وفق شهادة مؤسس الإخوان الإرهابية السودانية الراحل حسن الترابي.
ووفق معلومات حصلت عليها “العين الإخبارية” فإن الأمن الشعبي أسسه زعيم الحركة الإسلامية السياسية حسن الترابي، عام 1976م كجهاز معلوماتي لخدمة التنظيم الإخواني وتغلغل في المجتمع بشكل سري وكان موازيا لجهاز الأمن والمخابرات في عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري.
وتمدد الأمن الشعبي في البلاد حتى أصبح أداة القمع الأولى التي تمارس القتل والتعذيب بلا تورع، لا سيما خلال العشر سنوات الأولى من حكم الإخوان للسودان “1989 – 2000” والتي شهدت أبشع أنواع البطش للسياسيين ونشطاء حقوق الإنسان والمعارضين لسلطة الحركة الإسلامية السياسية.
ويقوم عمل الأمن الشعبي على زرع عناصره وسط الأحياء السكنية بصورة يصعب معرفتهم وقد يكونون مواطنين عاديين متعاونين، بغرض جمع أكبر حجم من المعلومات لخدمة أجندة التنظيم الإخواني الإرهابي.
قادة الدم
من أبرز العناصر التي تعاقبت على قيادة جهاز الأمن الشعبي، الإخواني الفاتح عروة وخالد أحمد المصطفى باكداش الذي توفي العام الماضي، والحاج صافي النور والراحل مجذوب الخليفة وبابكر عثمان خالد، وعثمان عبدالعزيز.
وبعد انقسام تنظيم الإخوان الإرهابي تولى كمال عبداللطيف رئاسة الأمن الشعبي، حيث شهدت تلك الفترة قمعا غير مسبوق واغتيالات واسعة وسط الطلاب المعارضين والموالين الذين يتزحزح ولاؤهم للإخوان، وأعقبه الرشيد فقيري وعماد حسين وأخيرا الإخواني طارق حمزة.
وكان الأمن الشعبي يتولى، إلى جانب جمع المعلومات وقمع الخصوم، مهمة اختيار المسؤولين بالدولة، حيث لم يتم تعيين أي وزير أو موظف رفيع في الحكومة إذا لم تتم إجازته من قبل جهاز الأمن الإخواني وذلك من أجل المحافظة على سلطة الحركة الإسلامية السياسية من الاختراق.
ووفق مقربين فإن جهاز الأمن الشعبي يشترط أن يكون كل وكلاء الوزارات الاتحادية من عناصره التنظميين ولا يسمح بسواهم، وكان ذلك يسري طوال فترة حكم الإخوان للسودان من 1989 إلى أبريل/نيسان 2019.
قصاص يقترب
وبعد مضى عامان على سقوط نظام الإخوان، بدأت سياط العدالة تتحس طريقها نحو عناصر الأمن الشعبي المتهمين بقتل مئات من شهداء الثورة السودانية.
والإثنين الماضي، أعلنت النيابة العامة بالسودان بشرى لعائلات شهداء الثورة السودانية، ببدء إجراءات المحاكمة في بلاغ جديد لأحد الشهداء، المتهم فيه عنصر يتبع قوات الأمن الشعبي “الجهاز السري” لجماعة الإخوان المعزولة.
وهي المرة الأولى التي تصل فيها يد العدالة لجهاز الإخوان السري المتهم بممارسة الإغتيالات وسط الخصوم السياسيين طوال فترة حكم الحركة الاسلامية التي امتدت 3 عقود.
وقالت النيابة إنه “تم تحديد يوم 31 يناير / كانون الثاني الجاري لعقد أول جلسة محاكمة في قضية الشهيد حسن محمد عمر الذي قتل في مطلع العام 2019م، وان المتهم في الجريمة عنصر متقاعد مع جهاز الامن بما يعرف بقوات الأمن الشعبي”.
تلك الإجراءات العدلية أعادت الأمل لعائلات الضحايا في القصاص من تنظيم الإخوان الإرهابي وعناصر مليشياته القمعية التي لا تتورع من القتل.