الإمارات في مواجهة التغيّر المناخي.. التزام محلّي وإسهام عالمي
قدمت نموذجاً رائداً بالانتقال من التعهدات إلى التنفيذ
أبوظبي – صقر الجديان
نجحت الإمارات في تحقيق طرفي المعادلة الذهبية لمواجهة تداعيات التغيّر المناخي عبر الالتزام المثالي بتنفيذ مساهماتها المحددة وطنياً لمواجهة تلك التداعيات على محلياً من جهة، والإسهام الفاعل في مساعدة دول العالم على الوفاء بالتزاماتها البيئية بتمويل ودعم مشاريع الطاقة النظيفة في القارات الست من جهة أخرى.
وكانت الإمارات أول دولة عربية توقع على اتفاق باريس عام 2015 الذي ألزم البلدان الموقعة، بالإعلان عن مساهمات محددة وطنياً لوقف التغيّرات المناخية. كما ألزمها بالحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري ووقف زيادة درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين، مع السعي إلى الحدّ من الزيادة إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وبرز اهتمام الإمارات بقضية تغيّر المناخ خلال تلك المرحلة، عبر كثير من التدابير والإجراءات التي اتخذتها، مثل التوسع بالتشجير وإنشاء الغابات الاصطناعية أحد أهم مصارف امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون. كما أولت عناية فائقة لقضية الاستخدام الكفء لموارد الطاقة.
وتوسعت الإمارات بتطبيق معايير «المباني الخضراء»، وبدأت استخدام الغاز الطبيعي وقوداً في السيارات ومركبات النقل العامة، وواصلت خطط التوسع في المحميات الطبيعية وحماية التنوع الحيوي في الدولة. ووضعت استراتيجية متكاملة للقطاع الصناعي تقوم على ضرورة الأخذ بالبعد البيئي في مختلف مراحل الإنتاج. واهتمت اهتماماً كبيراً بأخذه في جميع خطط تطوير قطاع النفط باستخدام التقنيات الحديثة والمتطورة، وتطبيق أفضل الممارسات العالمية، لتقليل الانبعاثات مثل الاستغناء النهائي عن حرق الغازات الهيدروكربونية.
وشرعت في تنفيذ خطتها الطموحة لإنشاء شبكة وطنية لالتقاط الكربون وتخزينه، كونه أحد الحلول الواعدة في التخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وشهدت الإمارات الشروع بتنفيذ أهم وأبرز مشروعات الطاقة النظيفة عالمياً، مثل محطة براكة للطاقة النووية السلمية، ومشروع «شمس 1»، أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية المركزة في العالم. ودشنت مشروع «مجمع الشيخ محمد بن راشد للطاقة الشمسية»، وبدء المرحلة التشغيلية للمشروع التجريبي لتحلية المياه بالاعتماد على الطاقة المتجددة بمنطقة «غنتوت» في أبوظبي، والمحطة التجريبية التي أقيمت في جزيرة صير بني ياس لتوليد الطاقة بقوة الرياح عام 2004. كما أعلنت عام 2006 إنشاء شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر».
وكشف الإصدار المحدّث للتقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنياً لدولة الإمارات، بموجب اتفاق باريس للمناخ، مدى التزام الإمارات بتعهداتها في مواجهة تحديات التغيّر المناخي محلياً، وتضمن رفع مستهدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة، ليصل إلى 31% بحلول 2030. مقارنة بالوضع الاعتيادي للأعمال الذي يتوقع أن تسجل فيه الانبعاثات نحو301 مليون طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون، مع احتساب معدل النمو الاقتصادي السنوي، بناء على قاعدة النمو خلال السنوات الماضية.
وعزز الإصدار المحدّث، الطموح المناخي للدولة بتحقيق أهداف مبادرة الإمارات الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، حيث يعادل هدف خفض الانبعاثات الجديد تجنّب انبعاثات 93.2 مليون طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون.
وتستعد الإمارات لإطلاق استراتيجية طويلة المدى، ستكون خارطة طريق لرفع مستهدفات خفض الانبعاثات من كل القطاعات الاقتصادية وتعزيز قدرات التكيف التي سيشملها التقرير الثالث من مساهمات الدولة المحددة وطنياً.
وأعلنت الإمارات أخيراً مجموعة من المبادرات التي تدعم هدف رفع الطموح في الإصدار المحدث للتقرير الثاني، ومنها مشروع الكربون الأزرق، ومبادرة الحوار الوطني عن الطموح المناخي التي تهدف للحدّ من الانبعاثات الكربونية في قطاعات الصناعة، والإسمنت، والنفايات، والنقل، والطاقة.
وتقود دولة الإمارات الحراك العالمي لحدّ تأثيرات التغيّر المناخي، وقد تحولت خلال السنوات الماضية إلى أحد أبرز اللاعبين والمساهمين في رفع معدل إنتاج الطاقة المتجددة، عبر دعم وتمويل مشاريع ضخمة ونوعية تنتشر في القارات الست للعالم. وشكل إعلان الإمارات والولايات المتحدة شراكة استراتيجية لاستثمار 100 مليار دولار في إنتاج 100 «غيغاواط» من الطاقة النظيفة، بحلول عام 2035 فصلاً جديداً في قصة الإمارات ونجاحاتها في هذا الصدد، حيث تسعى الشراكة إلى تعزيز أمن الطاقة ودفع التقدم في العمل المناخي في العالم.
وتمتلك الإمارات قبل توقيع الشراكة الأخيرة سجلاً طويلاً من الإنجازات والمساهمات ذات البعد العالمي، حيث تخصص منذ أعوام جزءاً أصيلاً من مساعداتها الخارجية لدعم مشروعات الطاقة النظيفة في العالم، وعلى سبيل المثال قدمت من 2010 حتى 2021 مساعدات خارجية بقيمة 537.7 مليون دولار، لدعم مشروعات الطاقة النظيفة في دول المحيط الهادي ومنطقة الكاريبي. كما أطلقت صندوقي تمويل لمنطقتي الكاريبي والدول المطلة على المحيط الهادي بقيمة 50 مليون دولار لكل صندوق.
وأدّى صندوق أبوظبي للتنمية، وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، الدور الأبرز في جهود الإمارات كأذرع رئيسية لتنفيذ التوجه الإستراتيجي للدولة الإمارات وزيادة إسهامات الطاقة النظيفة في العالم وتسريع وتيرة التحول نحو الطاقة المتجددة، وتخفيض الغازات الدفيئة والانبعاثات الكربونية الضارة بالبيئة، للحد من ظاهرة التغيّر المناخي.
ونفذ صندوق أبوظبي للتنمية وموّل الكثير من مشروعات الطاقة المتجددة في العالم، أبرزها مجمع الشيخ زايد للطاقة الشمسية في الأردن الذي يولّد 103 ميغاواط من الطاقة باستخدام الخلايا الشمسية، ومحطة تحويل النفايات إلى طاقة في المالديف الذي يوفر 1.5 ميغاواط من الطاقة المتجددة، ومشروع «سد مروي» في السودان أحد أكبر مشروعات الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، وثاني مشروع رئيسي لتوليد الطاقة الكهرومائية في البلاد بطاقة إنتاجية تبلغ 1250 ميغاواط.
وأنجز الصندوق محطة الطاقة الشمسية في أرض الصومال التي تبلغ سعتها الإنتاجية 7 ميغاواط. كما استكمل مرحلتين من مشروع الطاقة الشمسية في كوبا لإنتاج 15 ميغاواط من الطاقة المستدامة ودعم قطاع الكهرباء، وموّل مشروع تركيب ألواح شمسية على مظلات السيارات في جزر البهاما لتوريد طاقة نظيفة بسعة 925 كيلوواط، ضمن مبادرة دعم مشروعات الطاقة في جزر الكاريبي.
وموّل الصندوق في ليبيريا، مشروع محطة للطاقة الكهرومائية التي ستعمل على إنتاج 2.1 ميغاواط لتغطية احتياجات 30 ألف شخص، ومحطة الطاقة الشمسية في توغو لإنتاج 30 ميغاواط تغطي احتياجات 600 ألف أسرة، ومحطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في سانت فنسنت لتوفير إمدادات من الطاقة الكهربائية النظيفة بسعة 600 كيلوواط، ومحطة لطاقة الرياح في سلطنة عُمان لإنتاج 50 ميغاواط من طاقة الرياح، ومحطة لطاقة الرياح في سيشل بقدرة 8 ميغاواط، ومحطة للطاقة الشمسية بسعة 8 ميغاواط في أرتيريا، ومشروعين في مالي هما سد«سلينجي» الذي يعد أحد أهم مصادر الطاقة في مالي بسعة 12 ميغاواط من الطاقة الكهرومائية، ومشروع إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية على سد «توسا» بقدرة 25 ميغاواط. وأطلق الصندوق عام 2013 مبادرة استثنائية عالمية لدعم مشروعات الطاقة المتجددة بقيمة 1.285 مليار درهم (350 مليون دولار)، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا».
ومولت المبادرة 32 مشروعاً من الطاقة المتجددة في 26 دولة.
وتواصل شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» مسيرتها الرائدة التي انطلقت منذ 16 عاماً في دعم حلول الطاقة النظيفة المستدامة في العالم عبر مشاريع واستثمارات رائدة رسخت مكانة دولة الإمارات في هذا المجال.
ودشنت «مصدر» عام 2011 محطة «خيماسولار» للطاقة الشمسية المركزة في إسبانيا، وهي أول مشروع للطاقة الشمسية على مستوى المرافق الخدمية في العالم يتم فيه الجمع بين نظام استقبال الطاقة الشمسية في البرج المركزي، وتقنية تخزين الحرارة باستخدام الملح المصهور التي تمكن المحطة من توليد الكهرباء على مدار 24 ساعة. وطورت محطة «نور ميدلت» الهجينة للطاقة الشمسية، في المملكة المغربية، حيث يعد المشروع الذي تبلغ قدرته الإنتاجية الإجمالية 800 ميغاواط، أول مشروع محطة هجينة متطورة للطاقة الشمسية في العالم تستخدم مزيجاً من الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة.
واستحوذت على حصة في محطة «إيست روكينغهام لمعالجة الموارد» بقدرة 29 ميغاواط في أستراليا، وتطوير أول محطة طاقة شمسية عائمة في إندونيسيا، تبلغ قدرتها الإنتاجية 145 ميغاواط، وتمتد على مساحة 225 هكتاراً على سطح مياه سد «سيراتا» الذي تبلغ مساحته 6200 هكتار.
واستثمرت في نوفمبر 2019 في شركة «فيوتشر هيرو إنرجيز»، الشركة الرائدة في التكنولوجيا النظيفة وأكبر الشركات المطورة لمشاريع الطاقة النظيفة في شبه القارة الهندية، لدعم خططها الرامية إلى التوسع في مشاريعها في الطاقة المتجددة في جمهورية الهند وضمن عدد من الأسواق العالمية.
وتعدّ «مصدر» أول المساهمين في صندوق للاستثمار في تطوير البنية التحتية لشحن المركبات الكهربائية الذي أطلقته وزارة الخزانة البريطانية، كما تعد المموّل الرئيس لمركز الابتكار في هندسة الجرافين الواقع في مبنى مصدر بجامعة مانشستر، ويدعم المركز استراتيجية «مصدر» التجارية، للمشاركة في المشروعات التي تعتمد على التقنيات النظيفة المتطورة ذات الجدوى التجارية.
وتولت «مصدر» تشغيل وتطوير محطة طاقة شمسية كهروضوئية باستطاعة 200 ميغاواط في أذربيجان تقع على بعد 75 كلم جنوب غرب العاصمة باكو. كما فازت بمناقصة تطوير أول مشروع مشترك بين القطاعين الحكومي والخاص للطاقة الشمسية في جمهورية أوزبكستان الذي يندرج ضمن برنامج مؤسسة التمويل الدولية لتوسيع الطاقة الشمسية بقدرة 100 ميغاواط، فضلاً عن توقيع اتفاقية رسمية مع صندوق المصالح الوطنية في أرمينيا لتطوير مشروعات طاقة شمسية بقدرة إجمالية تبلغ 400 ميغاواط في البلاد.
وفي طاقة الرياح، يبرز عدد من المشروعات الرائدة التي تنفذها «مصدر» في أماكن مختلفة في العالم، حيث أطلقت ثلاثة مشروعات في المملكة المتحدة، تشمل مصفوفة لندن، التي تعدّ إحدى كبرى محطات طاقة الرياح البحرية في العالم، وتلبي احتياجات الكهرباء لأكثر من نصف مليون منزل، وتسهم في منع انبعاث 925 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ومحطة «هايويند سكوتلاند»، أول محطة طاقة رياح بحرية عائمة على مستوى تجاري في العالم، حيث تسهم المحطة البالغة قدرتها الإنتاجية 30 ميغاواط، في تزويد 6600 منزل بالكهرباء، فضلاً عن محطة «دادجون» لطاقة الرياح البحرية التي تتألف من 67 توربيناً وتبلغ قدرتها الإنتاجية 402 ميغاواط، وتوفر الكهرباء النظيفة لنحو 410 آلاف منزل.
واستحوذت على حصص في محطتين لطاقة الرياح بالولايات المتحدة، هما محطة «روكسبرينغز» في تكساس ومحطة «سترلينغ» في نيومكسيكو.
وفي صربيا طورت «مصدر» محطة «شيبوك1»، التي تعد أكبر محطة طاقة رياح تجارية في المرافق الخدمية في صربيا ومنطقة غرب البلقان حيث تبلغ قدرتها الإنتاجية 158 ميغاواط،.
وفي المنطقة، طورت محطة الطفيلة لطاقة الرياح في المملكة الأردنية الهاشمية، وفي سلطنة عُمان نفذت محطة «ظُفار لطاقة الرياح».
وتعد «محطة ميناء فيكتوريا» لطاقة الرياح، التي دشنتها «مصدر» وطورتها، أول مشروع ضخم للطاقة المتجددة في جمهورية سيشل، يسهم في تزويد 2100 منزل بالكهرباء، فيما توفر محطة «كرونوفو» لطاقة الرياح الطاقة لنحو 45 ألف منزل في دولة مونتينيغرو.
إقرأ المزيد