الإمارات وفرنسا.. شراكة استراتيجية تدحر الإرهاب وتنتصر للإنسانية
باريس – صقر الجديان
شراكة إماراتية فرنسية اجتمعت على مدار سنوات لمواجهة التحديات ومكافحة الإرهاب ودعم الدول الصديقة بما يسهم في دعم أمن واستقرار العالم.
شراكة قال عنها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، في تصريحات سابقة، إنها “تخطت مفهوم المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية المتبادلة لتصل إلى مستوى الالتقاء في رسالة إنسانية مشتركة تدعو إلى حوار الثقافات والحضارات ونشر مفاهيم التسامح ونبذ كل أشكال التطرف والإرهاب وتحقيق السلام والازدهار لشعوب العالم ودوله كافة”.
ومع كل قمة إماراتية فرنسية، يترقب الكثيرون حول العالم، ما ستسفر عنه من نتائج تصب في صالح تعزيز الأمن والسلم الدوليين، ومواجهة مختلف التحديات.
وبدأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأربعاء، زيارة إلى باريس يبحث خلالها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علاقات الصداقة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين وعددا من القضايا والمستجدات في المنطقة.
وتعد المباحثات المرتقبة التي تجمع القيادتين محطة جديدة في سلسلة نجاحات مشتركة بينهما على صعيدي السياسة الداخلية والخارجية، وترجمة لأهمية الشراكة بين البلدين في دعم أمن واستقرار المنطقة، وهو ما تم ترجمته في أكثر من ملف:
الأزمة الأفغانية
لعل أبرز تلك الملفات الأزمة الأفغانية الحالية، وتعويل فرنسا ودول العالم على الدور الإماراتي الإنساني والسياسي لمواجهتها.
وأعربت فرنسا على لسان أكثر من مسؤول عن شكرها وتقديرها للتسهيلات المهمة التي قدمتها دولة الإمارات في إجلاء الدبلوماسيين والرعايا الفرنسيين من كابول بجانب مواطني العديد من الدول الصديقة وتوفير العبور الآمن لهم.
ولفتت باريس إلى الدور الإنساني الذي قدمته دولة الإمارات في دعم الجهود الإغاثية الدولية في أفغانستان خلال السنوات الماضية.
وقال كزافييه شاتيل سفير فرنسا لدى الإمارات إن الدعم الإماراتي لفرنسا لتسهيل إجلاء رعايا الدول من أفغانستان لقي تقديرا كبيرا من قبل السلطات في باريس، كما كان له أكبر الأثر في نفوس ذوي الرعايا الذين تم إجلاؤهم بأسرع وقت ممكن وباحترافية عالية ضمنت سلامتهم.
دعم العراق
ساهم التنسيق المشترك بين البلدين في دعم الدول الصديقة، فقبل أسبوعين شارك الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة بغداد للتعاون والشراكة 28 أغسطس/ آب الماضي.
مشاركة إماراتية فرنسية تؤكد توافق رؤى البلدين في دعم وتأييد أهداف قمة بغداد في مجملها الساعية لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.
وجاء البيان الختامي لمؤتمر بغداد لقادة دول الجوار، قريباً من هموم العراق وتحدياته الأمنية والاقتصادية والسياسية.
وتضمنت بعض فقرات البيان تجديد الدعم لجهود الحكومة العراقية في تعزيز مؤسسات الدولة وفقا للآليات الدستورية وإجراء الانتخابات النيابية الممثلة للشعب العراقي.
وأقر المشاركون بأن المنطقة تواجه تحديات مشتركة تقتضي تعامل دول الإقليم معها على أساس التعاون المشترك والمصالح المتبادلة ووفقا لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام السيادة الوطنية.
لبنان والسودان
وتجلى التنسيق الإماراتي الفرنسي في دعم لبنان عبر أكثر من محطة، كان أحدثها في ٤ أغسطس/ آب الماضي، حيث شاركت الإمارات في أعمال مؤتمر “الاستجابة لاحتياجات الشعب اللبناني” الذي عقد بمبادرة من ماكرون والأمم المتحدة وبمشاركة عدد من رؤساء الدول والمنظمات الدولية وممثلين عن المجتمع المدني.
وأكدت ريم بنت إبراهيم الهاشمي وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي، مواصلة بلادها في دعمها للشعب اللبناني في مثل هذه الظروف الحرجة.
كما تعهدت بالاستمرار في تقديم كافة أشكال الدعم الإنساني والتنموي أو من خلال التعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة وكافة الشركاء الدوليين، إيماناً من القيادة الإماراتية الرشيدة بأهمية تحقيق كل ما من شأنه أن يحفظ للبنان أمنه واستقراره.
وأوضحت الهاشمي أن الدعم الذي قدّمته دولة الإمارات إلى لبنان وصل إلى ما يقارب 120 مليون دولار أمريكي خلال الخمس سنوات الماضية.
وأشارت إلى أن دولة الإمارات سيّرت خلال الأشهر الماضية، جسراً جوياً من الإمدادات الطبية والإنسانية، شملت تقديم الآلاف من المعدات والأدوات الطبية للتخفيف من معاناة اللبنانيين المصابين، ودعم الخطوط الأمامية في القطاع الصحي، بالإضافة إلى المساهمة الطبية في دعم جهود مواجهة جائحة كورونا.
وفي ١٧ مايو /آيار الماضي، شاركت الإمارات أيضا في “المؤتمر الدولي لدعم السودان” الذي استضافته باريس وشارك فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي والدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء.
وأكد خليفة شاهين المرر وزير الدولة الإماراتي في كلمة بلاده أمام المؤتمر أن دولة الإمارات تلتزم بمواصلة دعم السودان وشعبه الشقيق لإنجاح الفترة الانتقالية.
وأضاف:” سنعمل بالتعاون مع المؤسسات الدولية وشركائنا على دعم السودان في التغلب على التحديات التي يواجهها في هذا الوقت العصيب”، مشددا على أهمية دور السودان في تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة.
و أوضح المرر أن دولة الإمارات قدمت للسودان دعما قدره 3.3 مليار دولار أمريكي خلال السنوات الخمس الماضية.
ونوه إلى أنها التزمت في العام 2019 بتقديم 1.5 مليار دولار تحت إدارة صندوق أبوظبي للتنمية إلى جانب إيداع 250 مليون دولار في بنك السودان المركزي.
و أضاف إنه في إطار جهود الاستجابة لخطط مواجهة و مكافحة جائحة كورونا أرسلت دولة الإمارات 100 طن من الإمدادات الطبية والمعدات وأجهزة اختبار PCR إلى السودان، فضلا عن إنشاء مستشفى ميداني كامل التجهيز في شرق دارفور.
مكافحة الإرهاب.. جهود نوعية
يحتل موضوع مكافحة آفة الإرهاب أولوية مشتركة في إطار الشراكة الاستراتيجية بين فرنسا والإمارات العربية المتحدة، ويقوم البلدين بجهود نوعية على أكثر من صعيد.
وسبق أن أكد ولي عهد أبوظبي أن الإمارات وفرنسا شريكتان في الحرب على التطرف والإرهاب ودعم قيم التسامح وتعزيز الحوار والتفاعل والتعايش بين الشعوب والحضارات والثقافات ونبذ التعصب والكراهية والعمل من أجل السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وأعلنت وزارة الدفاع الإماراتية في 25 أبريل / نيسان الماضي، بدء تسيير رحلات الدعم اللوجستي لجهود المجتمع الدولي بقيادة فرنسا في مكافحة الإرهاب في منطقة دول الساحل الأفريقي الهادفة لتحقيق الأمن والإستقرار.
وسبق أن أعلنت دولة الإمارات في ديسمبر /كانون الأول 2017 عن تقديم مساهمة بقيمة 30 مليون يورو لدعم القوة المشتركة لدول الساحل الافريقي لمحاربة ومكافحة الارهاب والتطرف والجريمة المنظمة.
جاء ذلك خلال مشاركة وفد إماراتي في المؤتمر الدولي لدعم القوة المشتركة لدول الساحل الخمس “مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا” في العاصمة باريس، بحضور ماكرون ورؤساء دول الساحل الأفريقي.
مبادرات دولية
الجهود الإماراتية الفرنسية لمكافحة الإرهاب، أخذت بعدا مؤسساتيا دوليا عبر مبادرات نوعية.
وأنشأت الإمارات عبر تعاونها مع فرنسا ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع “ألف”.
ويهدف التحالف إلى منع الجماعات الإرهابية من تدمير الممتلكات الثقافية والاتجار بها بشكل غير قانوني.
ويعتبر “ألف” الذي يتخذ من جنيف مقرا له وتقوده دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا هو المنظمة الدولية الوحيدة المكرسة لإنشاء صندوق دعم مالي لحماية التراث في مناطق النزاع المسلح.
ويسعى في إطار تنفيذ أهدافه إلى تمويل الإجراءات الوقائية، والتدخلات الطارئة والمشاريع التأهيلية الملموسة بعد انتهاء الصراعات، في مختلف أنحاء العالم إلى جانب تعزيز الصلح وبناء السلام والتنمية المحلية والتنوع الثقافي واستعادة التلاحم الاجتماعي من خلال جهودها لحماية التراث.
وانطلقت فكرة إنشاء التحالف خلال المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر الذي عقد بأبوظبي في ديسمبر/كانون الأول 2016.
وأصبحت المؤسسة حقيقة واقعة في شهر مارس/ آذار 2017، بمبادرة من فرنسا والإمارات، وتضم اليوم عددا من الدول، إلى جانب عدد من المؤسسات الهامة في المجتمع المدني، وشخصيات بارزة في مجال العمل الإنساني.
من أبوظبي أيضا، تأسس “التحالف الأمني الدولي” عام 2017 وتستضيف وزارة الداخلية الإماراتية أمانته العامة ويعد مجموعة عمل دولية لمواجهة الجريمة المنظمة العابرة للحدود والقارات و جرائم التطرف من خلال مشاريع تعاونية وعبر تبادل الخبرات في الممارسات المطبقة في هذه الدول.
ويضم التحالف كلا من دولة الإمارات العربية المتحدة، وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وسلوفاكيا والسنغال وسنغافورة ومملكة البحرين والمملكة المغربية إلى جانب إسرائيل التي انضمت نهاية العام الماضي رسميا لهذا التحالف الدولي.
واستضافت أبوظبي أحدث اجتماعاته الذي عقد عن بعد في 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بحضور الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.
وبين الشيخ سيف بن زايد آل نهيان أن التحالف يحمل على عاتقه مسؤوليات دولية وإنسانية لاتخاذ ما هو مناسب من قرارات وإجراءات ضمن اختصاص عمل التحالف تعود بالفائدة و الخير ليس على دول التحالف فقط، وإنما لتعم العالم أجمع.
توافق الرؤى
أيضا يوجد توافق في الرؤى بين الإمارات وفرنسا تجاه عدد من القضايا، فعلى صعيد نشر السلام، كانت فرنسا من أوائل الدول التي رحبت باتفاق السلام الذي تم توقيعه بين الإمارات وإسرائيل 15 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها آنذاك إن “القرار الذي اتخذته السلطات الإسرائيلية في هذا السياق بإيقاف ضم الأراضي الفلسطينية هو خطوة إيجابية يجب أن تتحول إلى إجراء نهائي”.
وأضافت أن الأجواء الجديدة التي أظهرها الاتفاق يجب أن تسمح الآن باستئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في سبيل إقامة دولتين في إطار القانون الدولي والمعايير المتفق عليها، وهو الخيار الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة.
كما تدعم الإمارات وفرنسا جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية باعتباره الحل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيها، ويرفضان التدخل التركي في الشأن الليبي الذي من شأنه أن يجهض جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سياسي للازمة.
مكافحة كورونا
أيضا تجلى تأثير الشراكة الإنسانية بين الإمارات وفرنسا على أكبر تحدٍ يواجه العالم في الفترة الراهنة في ظل انتشار جائحة كورونا.
وشاركت دولة الإمارات في منتدى باريس للسلام، الذي عقد “عن بعد ” عبر الاتصال المرئي خلال الفترة من 11 إلى 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وناقش المشاركون الاستجابة العالمية لوباء كورونا والجهود المبذولة لتعزيز الانتعاش المستدام، كما تضمن المنتدى العديد من الجلسات والندوات والمشاريع حول مجموعة مختارة من المبادرات الحكومية.
وسبق أن أشادت فرنسا بجهود الإمارات في مواجهة جائحة “كورونا”، مشيرة إلى أنها نجحت في إدارة أزمة جائحة “كورونا” بطريقة مثالية اتسمت بالشجاعة والحزم والفعالية.
وجسدت الإمارات مفهوم الأخوة الإنسانية ، في دعمها العالم لمواجهة جائحة كورونا “كوفيد – 19″، حيث قدمت ولا تزال تقدم الدعم والمساعدة للعديد من الدول لتجاوز تداعيات جائحة “كوفيد – 19″، حيث أرسلت نحو 2250 طناً من المساعدات الطبية إلى 136 دولة.