الانتخابات الصومالية المرتقبة تسير في حقل ألغام قطري
الدوحة في وصلة جديدة لاستمالة مقديشو ضمن سياسة المحاور الإقليمية.
مقديشو – صقر الجديان
تحاول قطر تحويل الأنظار عن أزمتها المتراكمة بالتركيز على نقطة سياسة المحاور الإقليمية في المنطقة العربية والتأثير على المشهد السياسي، عبر محاولة تكريس نفوذها في القرن الأفريقي من بوابة الصومال دون الكثير من الضجيج الإعلامي.
ويؤكد المراقبون السياسيون أن النظام القطري لعب دورا رئيسيا ومحوريا في التحركات السياسية والعسكرية في الصومال طيلة السنوات الماضية، من خلال تجنيد عملاء استخباراتيين للتجسس على حكومة مقديشو ومراقبة تحركاتها حتى تتوافق مع سياسة الدوحة، وبالتالي ضرب مصالح الدولة التي تحاول النهوض من مشاكلها.
وتعطي الوعود القطرية بتقديم كل أشكال الدعم انطباعا للمراقبين بأن لدى الدوحة اهتماما بتأهيل البنية التحتية والطرقات وبناء المستشفيات والمدارس، فضلا عن الاهتمام بالجانب التعليمي، لكن الأمر على العكس من ذلك، وقد ظهرت العديد من الدلائل على هذا المنحى.
وفي مؤشر على ذلك، ذكرت مصادر إعلامية صومالية أن مدير المخابرات الصومالي فهد ياسين، وهو صحافي سابق في قناة الجزيرة عقد الأسبوع الماضي في الدوحة اجتماعات مع كبار المسؤولين القطريين، من أجل النظر في كيفية التأثير على الانتخابات التشريعية المقررة في نهاية هذا العام والانتخابات الرئاسية المقرر العام المقبل.
وتنتقد دوائر سياسية صومالية انسياق حكومة الرئيس محمد عبدالله فرماجو في سياسة المحاور الإقليمية، محذّرة من الدور القطري التركي في تخريب علاقات حيوية للبلد بدول عربية وازنة تقوم بدور كبير في مساعدة الصومال على تجاوز فترة عدم الاستقرار التي شهدها طوال ما يقارب الثلاثة عقود.
ويأتي ذلك بينما يشعر مراقبون للشأن السياسي الصومالي بالقلق حيال مآلات الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، إذ لا يزال المشهد السياسي ضبابيا في ما يتعلق بالآلية التي ستجرى بها الانتخابات، وسط سجال دائر يزداد سخونة بين الحكومة والمعارضة وبين الأقاليم التي تعد عنصرا مهما في معادلة بسط الاستقرار ومكافحة الإرهاب.
إثارة التوتر
تبقى مسألة الدعم المالي مجرد عملية ترويجية، بحسب البعض، إذ ليس للدوحة أي خطط لدعم الصومال ماديا، خاصة وأنها تعاني من أزمة خانقة بسبب المقاطعة الخليجية من السعودية والامارات والبحرين ومصر والتي فاقمتها أزمة كورونا.
ولكن ورغم ذلك يعد التدخل القطري في الصومال مدعاة تشاؤم لدى شرائح واسعة من الطبقة السياسية في البلد استنادا إلى أنّ الدوحة من الدول المصنّفة داعمة للإرهاب الدولي على نطاق واسع، ومثّلت تدخّلاتها في عدد من الساحات مثار اضطراب كبير لم يهدأ بعدُ على غرار ما يجري بليبيا.
وقالت مصادر سياسية صومالية إن الدوحة مستمرة بتنفيذ رغباتها وأجندتها ومحاولاتها الحثيثة لتحديد نتيجة الانتخابات في الصومال عن طريق عدة أساليب إلى جانب الدولارات والأموال المهربة والرشاوى.
وتعمل قطر في الخفاء على تقويض الضوابط والتوازنات السياسية في مقديشو من خلال تهميش مجلس الشيوخ، حيث كان الدعم المالي تحت غطاء إنساني السبب في الإطاحة برئيس مجلس الشعب السابق محمد شيخ عثمان جواري.
وحتى تحقق غاياتها فعّلت قطر ذراعها الإعلامي الجزيرة من أجل تأجيج الوضع عبر منظار الحمدين الخاص، عن طريق إنشاء صفحة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف استراتيجي وهو التأثير على الانتخابات القادمة وزرع الفتنة في الصومال.
ولم يكتف النظام القطري بذلك بل سخر رئيس جهاز المخابرات الصومالية وحركة الشباب الموالية لتنظيم لقاعدة، التي أطلقت دعاية إعلامية جديدة مغايرة تختلف عن نشر الرعب والإرهاب، وتعويضها بالحديث عن رغبتها في التغيير بالبلاد، عبر خطاب عاطفي لكسب تأييد الصوماليين.
وتشير المعلومات أن حركة الشباب وبتوجيهات من قطر وياسين نشرت مجموعة من التقارير بعضها لمرتزقة، بعدما كان الحديث عن هذه الجماعة المتشددة مقتصراً على إظهار هجماتها أو تشويه سمعة الحكومة الصومالية أو بقية الدول باستثناء قطر وتركيا، ووصل الأمر إلى تقديم الحركة نفسها بديلاً شرعياً في الصومال.
وكان عبدالله محمد علي المدير السابق لوكالة الاستخبارات والأمن القومي الصومالية والسفير السابق لدى تركيا والمملكة المتحدة قد وجه قبل أشهر في مقال نشره في مجلة “ناشيونال انترست” الأميركية اتهامات إلى الدوحة حمّلها المسؤولية عن المشاكل السياسية والأمنية في الصومال.
وأشار إلى أن الصوماليين كانوا متفائلين عند انتخاب محمد عبد الله فرماجو رئيسا للجمهورية في فبراير 2017 معتقدين أنه إصلاحي لكنه تبين فيما بعد أن ذلك التفاؤل كان في غير محله وأن الوضع في البلاد أصبح أسوأ بكثير مما كان عليه قبل توليه الرئاسة، بسبب انهيار الاقتصاد وتوتر العلاقة مع الولايات الفيدرلية واضطراب السياسة الخارجية وإصابة مؤسسات الدولة بالشلل وإغلاق العاصمة بسبب التهديدات الإرهابية المتزايدة.
تدخل مرفوض
يرى مراقبون أن قطر بذلت جهودا لإعادة سيطرة شخصيات موالية لسياساتها على السلطة في الصومال وقد أدى ذلك إلى تحفيز المعارضة العنيفة وزادت من تجنيد حركة الشباب، كما أن حملاتها السياسية تحت عنوان المساعدة أدت إلى تدمير أرض الصومال وضرب استقرارها.
وقبل أن تفكر الدوحة في الصومال بعد المقاطعة الخليجية كانت الحكومات السابقة تعمل على فرض سياسة الاستقرار والتعايش السلمي رغم الخلافات مع إدارة أرض الصومال التي كانت ملاذا لضحايا العنف من أماكن أخرى من الصومال.
وتثير التحركات القطرية حفيظة المعارضة الصومالية التي قالت إن زيارة ياسين في هذا التوقيت بالذات إلى الدوحة لا يمكن أن تنفصل عن الإشكالات التي افتعلتها حكومة فرماجو مع دولة الإمارات قبل ثلاث سنوات التي كانت سبّاقة لدعم الصومال ومساعدته على تجاوز مرحلته الحرجة اقتصاديا وتنمويا وأمنيا.
وبعد أن قامت الإمارات بدور كبير في عملية مكافحة القرصنة البحرية التي تحوّلت الأراضي والمياه الصومالية خلال السنوات الماضية مركزا لها، ثم انخرطت في المساعدة بالمال والخبرات العسكرية على إعادة تشكيل القوات المسلّحة الصومالية ولكن بفعل المواقف السلبية والتصرفات الخارجة عن الأعراف الدبلوماسية من طرف حكومة مقديشو أنهت مشاركتها العسكرية والمالية في مهمة إعادة بناء القوات الصومالية.
ويرجح المتابعون أن يكلف انجرار الحكومة المركزية الصومالية صوب سياسة المحاور الإقليمية، الصومال الساعي للخروج من مرحلة الاضطراب الطويلة، خسارة علاقات حيوية مع قوى معتدلة وذات مقدّرات مادية كبيرة وخبرات تنموية ثرية، دون أن يحقق أي مكاسب من وراء التقارب مع بلدان أخرى أثبتت الوقائع أنّ تدخّلها في أي من الساحات لا يخلّف سوى التوتر وعدم الاستقرار.
وهذه الأزمة التي فجرتها حكومة مقديشو بدفع من تركيا وقطر، تسببت بالمزيد من التدهور للصومال عبر زيادة هجمات الجماعات المتشددة بين الفينة والأخرى، في ظل وضع أمني مشتعل بالفعل على جانبي خليج عدن حيث تنفذ جماعات متشددة هجمات مستمرة.
ولذلك لطالما شكك خبراء عسكريون في قدرة قطر على تعويض الدور الإماراتي في الصومال، منبهين إلى أنّ الوضع في البلد وتربّص الجماعات المتشدّدة به لا يسمحان بالانتظار ريثما يكتسب الصوماليون الخبرة والقدرة على تكوين قوّاتهم ذاتيا، فيما لا يمكن لكلّ من قطر وتركيا أن تتوليا المهمّة بدلا عن الإمارات نظرا إلى كون أنقرة والدوحة غير معنيتين أصلا بمحاربة الإرهاب والتطرف، بل هما على العكس من ذلك مهتمّتان بالتمكين لجماعاته.