الانشغال الدولي بالحرب الأوكرانية يخدم سطوة الجيش في السودان
تراجع الضغوط الدولية على المكون العسكري لتسليم السلطة يدفع إلى المزيد من الإجراءات التي تدعم تمرير مخططه لعبور الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات.
الخرطوم – صقر الجديان
ضاعف المكون العسكري في السودان من تحركاته بما يخدم تثبيت سلطة الأمر الواقع التي تشكلت عقب انقلاب أكتوبر الماضي، واستفاد من الانشغال الدولي بالحرب في أوكرانيا وتراجع زخم الاهتمام بالتطورات في السودان، ما شجعه على الانقضاض على لجنة التحقيق في أحداث فض اعتصام المناهضين للحكم العسكري.
وقال رئيس لجنة التحقيق في أحداث فض الاعتصام نبيل أديب إن اللجنة توقفت عن العمل بعد استيلاء قوات أمنية على مقرها، متهما قوات الأمن بـ”منع العاملين من الدخول واستلام أي معدات خاصة باللجنة”.
وأكد أن اللجنة لن تمارس عملها إلا بعد إخلاء المقر من الذين اقتحموه والتأكد من أنه لم يتم العبث بالمستندات أو وجود أدوات يمكن استخدامها لكشف أسرار التحقيق.
نورالدين صلاح الدين: الحرب الأوكرانية لها تأثيرات سلبية على الأزمة السودانية
ولم تتمكن اللجنة منذ تشكيلها في نهاية العام 2019 بعد أشهر قليلة من أحداث فض الاعتصام التي أسفرت عن مقتل 128 شخصا من الخروج بنتائج نهائية لسير التحقيقات، وفي مرات عدة أعلنت أنها قاربت على الانتهاء من إجراءاتها وتنتظر التأكد من شهادات العسكريين، ملمحة لتعنت جهات حكومية في تسهيل مهمة عملها.
وتجنبت اللجنة الدخول في الصراع السياسي القائم في البلاد، فمهمتها القضائية كلجنة مستقلة بعيدة عن أي خلافات سياسية، ومنذ أكتوبر الماضي لم تصدر بيانات أو تقم بإجراءات تشير إلى وجود تطور على مستوى إنجاز مهمتها.
ويعتبر معارضون للمكون العسكري أن الانقضاض على لجنة التحقيق كان أحد أهدافه من فض الشراكة مع المدنيين وخلق سلطة تقوض عملها وسط مخاوف من تورط عناصر من الدعم السريع في عملية الفض.
ويرى هؤلاء أن تراجع الضغوط على المكون العسكري لتسليم السلطة يدفع إلى المزيد من الإجراءات التي تدعم تمرير مخططه لعبور الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات.
وقال القيادي بحزب المؤتمر السوداني نورالدين صلاح الدين لـ”العرب” إن الانقلاب على السلطة هدف للتهرب من التهم الموجهة لقادة عسكريين في الأحداث التي شهدتها البلاد منذ اندلاع المظاهرات ضد الرئيس السابق عمر البشير وبعد رحيله.
وأضاف أن قرارات المكون العسكري السابقة التي استهدفت لجنة إزالة التمكين إلى جانب تجميد القضايا التي يحاكم فيها أعضاء النظام السابق وعودة عناصر الإخوان إلى أجهزة الدولة العدلية والمدنية وداخل المؤسسات الاقتصادية تصب في هذا الاتجاه.
وذكر أن الحرب الروسية لها تأثيرات سلبية على الأزمة السودانية لأن الدول الفاعلة ينصب تركيزها على تطورات الصراع في أوروبا، وهو ما يضعف الاهتمام بالانتقال الديمقراطي ودعم القوى المدنية، لكن إرادة السودانيين لمحو الانقلاب ستكون حاسمة.
وتبرهن قوى مدنية سودانية على ثانوية التأثير الخارجي في الأزمة السودانية بشأن ما حدث في اتفاق الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، والذي حظي بدعم دولي وإقليمي من الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي ودول الاتحاد الأوروبي ولم يصمد في النهاية لأنه جاء مخالفا لرغبات السودانيين.
ويدفع تراجع زخم المبادرات الأممية التي شهدت حراكا قبل أن تفشل في توحيد المدنيين والجيش للجلوس على مائدة تفاوض، المكون العسكري إلى استخدام أدواته التي تساعده على بقائه في السلطة لحين إجراء الانتخابات.
ولم تتفاعل العديد من القوى مع تأسيس البعثة الأممية في السودان (يونتيامس) والاتحاد الأفريقي الاثنين آلية تنسيق تقود الحوار السوداني الهادف لإنهاء الأزمة في البلاد، وبدا أن كل طرف يعول على تفاعلات الأوضاع الداخلية بعيدا عن الأدوار الخارجية.
وعبر ارتكان الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأفريقي لتشكيل الآلية عن تراجع الدعم الدولي وحاجة البعثة الأممية إلى دعم إقليمي يساعدها في حل شفرة قضايا الانتقال.
وينظر المكون العسكري إلى تمرير جلسة الدورة التاسعة والأربعين من مجلس حقوق الإنسان والاكتفاء بإدانات التراجع الحاد على المستوى الحقوقي على أنه مؤشر للمضي قدما في اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تضيق الخناق على حراك المعارضة.
خالد المبارك: المعارضة بدأت تتنبه للأخطاء التي وقعت بعد أن ركزت على المظاهرات دون تنسيق سياسي بينها
وأعربت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت في إحاطة أمام الدورة التاسعة والأربعين الاثنين عن انزعاجها الشديد من التراجع الحاد في حقوق الإنسان عقب الانقلاب العسكري في السودان، واستنكرت عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفية الواسعة النطاق.
وشدد المحلل السياسي خالد المبارك على أن تراجع الاهتمام الدولي بتطورات الأوضاع في السودان قد يكون صحيحا، لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن المقاومة الشعبية لم تتوقف وهناك عجز حكومي في التعامل مع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وأن تأثيرات الحرب الأوكرانية تقتصر على حرمان المعارضة من الاهتمام في وسائل الإعلام الدولية الفترة الماضية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المعارضة بدأت تتنبه للأخطاء التي وقعت بعد أن ركزت على المظاهرات دون تنسيق سياسي بينها، والآن هناك وثيقة سياسية طرحتها لجان المقاومة ويجري التباحث بشأن التوافق حولها من كافة المكونات.
وشارك الآلاف في مظاهرات “مليونية المرأة” الثلاثاء التي توجهت إلى القصر الرئاسي وسط العاصمة الخرطوم للمطالبة بـ”حكم مدني”، ودعت إليها أحزاب مدنية عديدة وقادها تجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة.
وهناك خيارات عديدة أمام القوى المدنية للتعامل مع تراجع الاهتمام الدولي بتطورات الأزمة السودانية، أهمها التحرك بين القوى السياسية والشارع وفق أهداف محددة تتركز على إنهاء الانقلاب سواء أكان ذلك عبر الحلول السياسية أو الثورية مع التوافق والالتفاف حول وضعية جديدة للقوات المسلحة كجزء من مؤسسات الدولة المنخرطة في العملية السياسية مع استمرار الأدوات السلمية لمناهضة هيمنة الجيش.
وترى أطراف معارضة أن استمرار عمليات القمع والاعتقال يعبر عن ضعف السلطة الحالية لأنها لا تستطيع تشكيل حكومة مستقرة وتعيين رئيس وزراء لديهما صلاحيات كاملة لإدارة المرحلة الانتقالية والاستعداد للانتخابات بحسب خطتها، إلى جانب أنها لا تستطيع إخماد ثورة الشارع الذي لديه ثقة بأنه سيحقق أهدافه ولو بعد حين.