أخبار السياسة المحلية

البراغماتية تدفع البرهان لتسليم عناصر إخوانية إلى مصر

الخرطوم تتنصل من دعم الإخوان المسلمين وتهيئ الأجواء لعودة فلول البشير.

الخرطوم – صقر الجديان

بعث رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان برسالة مغازلة إلى القاهرة من خلال تسليمها عددا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المطلوبين للعدالة. وجاءت خطوة البرهان عقب انفتاح القاهرة على المكون المدني ما يضعف موقعه.

وجد مجلس السيادة السوداني في تسليم القاهرة عددا من العناصر الإسلامية المتورطة في عمليات عنف وإرهاب فرصةً جيدة ليضمن علاقة وطيدة مع مصر التي بدأت تنفتح على قوى مدنية وتخفف دعمها المباشر للمؤسسة العسكرية، ويرسل من خلال عملية التسليم إشارات إلى جهات دولية تفيد بأنه لا يتستر على متطرفين وحركيين إسلاميين ولا يسعى إلى تهيئة الأجواء لعودة فلول النظام السابق إلى السلطة.

وتجلت براغماتية مجلس السيادة في توظيف ورقة الإخوان والاستجابة لمطالب مصرية سابقة في وقت يعاني فيه من شكوك كبيرة في نواياه بعد أن أفرج عن قيادات بحزب المؤتمر الوطني الحاكم في عهد عمر البشير، وقام بتعطيل لجنة إزالة التمكين المعنية بتقويض أجنحة النظام السابق في الدولة وإنهاء مشروع الإخوان، ثم السماح لعناصر من إخوان السودان بالنشاط السياسي علنا.

وكشفت مصادر سودانية أخيرا أن الخرطوم سلّمت القاهرة أكثر من 30 عنصرا إخوانيا ممن كانوا يقيمون على الأراضي السودانية بلا مضايقات أمنية أو سياسية خلال فترة حكم البشير، وعقب سقوطه ظلت السلطة محافظة على عدم الاقتراب منهم أو تهديدهم بتسليمهم لمصر، ما منحهم فرصة للاطمئنان على بقائهم في البلاد.

وأكدت منصات تابعة لجماعة الإخوان الأيام الماضية أن الخرطوم سلّمت الأحد 21 مصريا من عناصر الجماعة، من بينهم أكرم عبدالبديع أحمد محمود، وعصام عبدالمجيد دياب سيد،‏ ومنى سعيد جادالله، ومحمد إبراهيم وابناه ويوسف ‏وإبراهيم.

وأشار ناشطون إخوان على مواقع التواصل الاجتماعي في مارس الماضي إلى أن الشاب وضاح هشام نورالدين عبدالله المقيم في السودان اختفى أثناء ذهابه إلى قسم شؤون الأجانب في الخرطوم لإنهاء إجراءات سفره إلى تركيا، ما أوحى أيضا بأنه اعتقل وجرى تسليمه للقاهرة في ذلك الوقت.

محمد نورالدين: التعاون الأمني مع السودان لا يزال متذبذبا

وأشرف وفد أمني مصري رفيع المستوى على عملية التسليم التي تمت في الخرطوم بعد اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية لضمان سرية العملية، والتي لم تتكشف معلومات عنها سوى بعد مرور أسابيع للتأكيد على تطور التعاون الأمني.

واحتجزت السلطات السودانية العشرات من المنتمين إلى الجماعة الإسلامية في مصر، وعددا من المحسوبين على حركتي “حسم و”لواء الثورة” وهما من أهم الأذرع المسلحة التي استخدمتها جماعة الإخوان في القيام بعمليات عنف وإرهاب في مصر عقب سقوط نظام الرئيس الإخواني محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013.

ومن المتوقع أن يزيد عدد العناصر التي يعتزم السودان تسليمها للسلطات المصرية خلال الفترة المقبلة، بعد أن تحول وجود هؤلاء إلى عبء سياسي وأمني على كاهل مجلس السيادة الحاكم في الخرطوم.

وعاد شبح ملف احتضان المتطرفين يطل برأسه على الخرطوم، حيث حذرت الولايات المتحدة من العلاقة المتنافية بين السلطة الحاكمة والحركة الإسلامية السودانية.

وبدأت قوى إقليمية ودولية تبدي مخاوف من استمرار السيولة السياسية في البلاد، حيث تؤدي الأزمة الراهنة بين المكونين العسكري والمدني إلى إمكانية توظيفها من جانب فلول البشير، وإغراء المتشددين بالخروج من جحورهم في السودان.

وتعتبر قوى مدنية سودانية وجود الإخوان والمتشددين والصمت حيال عودة الحركة الإسلامية إلى نشاطها احتضانا رسميا وردّة وتراجعا عن أهداف الثورة، ومؤشرا واضحا على عدم استبعاد أن تقفز فلول البشير إلى سدة الحكم من خلال تفاهمات خفية مع قيادات نافذة في المؤسسة العسكرية السودانية.

وأدت مشاركة عدد من عناصر الإخوان المصرية في اشتباكات ضد قوات الأمن في منطقة جبرة بالعاصمة الخرطوم في سبتمبر الماضي، وراح ضحيتها خمسة من الضباط السودانيين، إلى فتح هذا الملف الذي راوغ مجلس السيادة أحيانا في مناقشته مع مسؤولين أمنيين مصريين في لقاءات كثيرة عقدت في القاهرة والخرطوم.

ولم يتجاوب السودان عمليا مع المطالب الأمنية المصرية الخاصة بملف الإخوان إلا في حالات نادرة خلال الفترة الماضية، على الرغم من أن القاهرة قدمت لائحة بأسماء محددة لعناصر شاركت في عمليات إرهابية داخل مصر.

وتشير عملية التسليم الجديدة إلى تخلي السودان عن مناوراته السابقة في التهرب، واستعداده للتعاون مع السلطات المصرية وتسليم العشرات من المطلوبين أمنيا، في محاولة لتخفيف بعض الضغوط الواقعة على الخرطوم بعد التلويح بأنها تتستر عليهم.

وألقت السلطات السودانية القبض على أكثر من 70 عنصرا من المنتمين إلى الإخوان والجماعة الإسلامية عقب سقوط نظام البشير، حيث أراد وقتها النظام الجديد إثبات حسن نيته في الانفتاح على القاهرة، وتم تسليم عدد منهم ثم تباطأ التعاون.

 قوى مدنية سودانية تعتبر وجود الإخوان والمتشددين والصمت حيال عودة الحركة الإسلامية إلى نشاطها احتضانا رسميا وردّة وتراجعا عن أهداف الثورة

وتكشفت أبعاد حيلة أمنية أدت إلى تمكن القاهرة من القبض على القيادي بحركة “حسم” حسام سلام المنوفي في مطار الأقصر بجنوب مصر خلال توقف اضطراري لطائرة كانت تقله من الخرطوم في طريقها إلى إسطنبول في يناير الماضي.

وقال مساعد وزير الداخلية المصري سابقا اللواء محمد نورالدين إن التعاون الأمني مع السودان متذبذب؛ فهو يتصاعد حينا ويتراجع حينا آخر، وإن الوصول إلى مرحلة تسليم عدد من المتهمين -من المنتمين إلى تنظيم الإخوان الذي مازال يحافظ على حضوره في السودان- يشير إلى وجود تطورات على مستوى التنسيق الأمني.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “القائمة الأخيرة تشمل عناصر شديدة الخطورة، بعضها صدرت في حقه أحكام قضائية غيابية بالإعدام، ومن المتوقع أن يعيد القضاء المصري محاكمتهم مرة أخرى، وهي إجراءات تفتح الباب أمام تسليم المزيد من المطلوبين في ظل تزايد التعاون الاستخباراتي بين القاهرة والخرطوم”.

وأشار إلى أن هناك تحركات يقودها جهاز المخابرات المصري على مستوى تبادل المعلومات مع الجانب السوداني لتحقيق المزيد من الأمن والاستقرار على الحدود المشتركة وتأمين الظهير الجنوبي لمصر الذي قد يتعرض للتهديد إذا تصاعدت حدة الاضطرابات الأمنية في الأراضي السودانية.

إقرأ المزيد

«الأمة القومي»: اتفقنا مع مجموعة «الميثاق الوطني» على إنهاء الانقلاب

«منسقية اللاجئين»: إصابة شخصين برصاص مليشيات «الجنجويد» بغرب دارفور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى