الخرطوم وجوبا على طريق تجارة المليارات.. خبراء يكشفون التفاصيل
الخرطوم – صقر الجديان
بعد انقطاع دام لعقد من الزمان، بات وشيكا عودة التبادل التجاري بين السودان وجنوب السودان، إثر اتفاق الطرفين على فتح المعابر الحدودية.
تحولات إيجابية بدت في الآفاق عقب زيارة رفيعة أجراها رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك إلى جوبا، والتي خلصت إلى اتفاقيات وتفاهمات قادت لفتح الحدود الموصدة لسنوات، وطي الصفحة المظلمة في العلاقات الاقتصادية التي خلفها نظام الإخوان المعزول.
وتشكل هذه الخطوات وفق خبراء، أكبر اختراق يحدث في العلاقات الثنائية بين الخرطوم وجوبا، وسط توقعات بمردود اقتصادي كبير على البلدين يفوق ملياري دولار أمريكي لحجم التبادل التجاري بين الدولتين في العام.
ومع تفاؤلهم بإستثناف التبادل التجاري بين الخرطوم وجوبا، شدد الخبراء أن الخطوة لن تكون ذات جدوى كبيرة ما لم تُتبع بإجراءات أخرى تشجيعية كإلغاء الرسوم الجمركية وتسهيل حركة المواطنين بتطبيق بروتوكول الحريات الأربع، وتأسيس أسواق ومناطق حرة وفروع للمصارف بالبلدين على الحدود.
وتوقفت الحركة التجارية بين السودان والجنوب منذ إنفصالها في العام 2011، بعدما أغلقت الحدود من جانب نظام الإخوان برئاسة المعزول عمر البشير نتيجة لتوتر العلاقات بين البلدين، مما شجع عمليات تهريب السلع إلى جوبا التي تعتمد بشكل كلي على واردات الشمال.
وقبل الانفصال كان حجم التبادل التجاري بين شمال السودان والأقاليم الجنوبية في حدود 500 مليون دولار أمريكي، ولم تسجل أي إحصائية لحركة التجارة بين الخرطوم وجوبا بعدها نسبة لوصول البضائع والسلع إلى الدولتين عن طريق التهريب.
قرار صائب
ووصف الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير فتح المعابر واستئناف التبادل التجاري بين الخرطوم وجوبا بأنه قرار صائب وصحيح وسيصب إيجاباً في صالح اقتصاد البلدين، “فهو تأخر كثيراً وكان ينبغي إتخاذ الخطوة عقب الانفصال مباشرة”، بحسب قوله.
وتوقع الناير الذي تحدث لـ”العين الإخبارية” أن يصل حجم التبادل التجاري بين السودان وجنوب السودان ملياري دولار في السنة وقد تزيد، إذ كانت جوبا تستورد 70 سلعة من الخرطوم في السابق أهمها الذرة والمنتجات المحلية ويعتقد أنها بحاجة إليها كلها الآن.
وقال “فتح الحدود سيسهم في دعم الميزان التجاري للبلدين حيث سيتفيد السودان من إيجاد سوق لمنتجاته، بينما ستفيد جوبا وهي دولة مغلقة ليس لها حدود بحرية، من المواني البحرية للخرطوم او التنسيق معها لإستيراد سلع بتكلفة أقل بكثير عن المنافذ الأخرى”.
وشدد الناير أن قرار إستئناف التجارة بين الخرطوم وجوبا سينجح إذا تم إتباعه بإجراءات فورية تقضي بفتح المعابر وفروع للمصارف بالبلدين ونقاط جمركية على حدود الدولتين، وهذا من شأنه أن يحسن الميزان التجاري والأوضاع المعيشية للشعبين.
وجرى إغلاق الحدود السودانية الجنوبية بعد أشهر قليلة من الإنفصال نتيجة سياسات عدائية تبناها نظام الإخوان الإرهابي تجاه الدولة الوليدة وهو ما عطل النشاط التجاري والاقتصادي بين البلدين بإستثناء نفط جوبا الذي ظل متدفقاً عبر خطوط النقل السودانية وتصديره عبر مواني الخرطوم.
ويرى الخبير الاقتصادي كمال كرار أن استئناف العلاقات الإقتصادية بين الخرطوم وجوبا بمجرد سقوط نظام الإخوان نسبة لإنتفاء أسباب القطيعة الإقتصادية وذهابها مع حكم البشير الذي طالما عمد على معاداة جنوب السودان.
الحريات الأربع
ويقول كرار في حديثه لـ”العين الإخبارية” “يجب أن تمضي البلدين قدما لتعزيز التعاون الاقتصادي بتطبيق الحريات الأربع ووضع حوافز تشجيعية من الخرطوم وجوبا كوضع رسوم جمركية رمزية على وارداتها أو إلغاءها نهائياً بقرار من الدولتين”.
ويشير إلى أن تقليل تكلفة الاستيراد سيدفع جوبا إلى تفضيل السودان واختياره كمنفذ رئيسي لواردات من الخارج واستخدام موانيه بدلاً عن اللجوء الى بلدان شرق أفريقيا.
ويتفق معه الخبير الاقتصادي أحمد خليل، الذي ابدى تفاؤله الشديد بنتائج مذهلة سيجنيها البلدين من استئناف التبادل التجاري والذي توقع أن يفوق 3 مليارات دولار في العام، وهذا الرقم يعادل نحو 35% من حجم الميزان التجاري السوداني والبالغ نحو 9 مليارات دولار في العام.
وشدد خليل في حديثه لـ”العين الإخبارية” أن جنوب السودان يعتمد حالياً على 35 سلعة تأتيه من السودان عن طريق التهريب عبر الحدود، وعندما تفتح المعابر الرئيسية ستستفيد الخرطوم من هذه العائدات، فضلاً عن أن الخطوة تساهم في تنشيط الإنتاج بالخرطوم.
وقال الخبير “يجب أن يمضي البلدان قدما في تعزيز العلاقات فهما يضمان شعبا واحدا في دولتين تفصلها فقط حدود سياسية”.
وتعاني الخرطوم وجوبا من أوضاع مشابهة، فكلاهما مزقته نيران الحروب الأهلية الضارية، والتي خلفت تردي اقتصادي وأوضاع معيشية قاسية بالبلدين.