أخبار السياسة المحلية

الذكرى الثالثة لفض اعتصام القيادة.. الحادثة التي توجع السودانيين مرتين في العام

الخرطوم – صقر الجديان

من دون ضجيج وبعيدا عن الأضواء؛ تحضر لجان المقاومة في العديد من مدن السودان لإحياء الذكرى الثالثة لحادثة فض اعتصام القيادة العامة الذي يصادف 29 رمضان، الموافق للثالث من يونيو/حزيران 2019، حين اقتحمت قوات نظامية من تشكيلات عسكرية مختلفة مقر الاعتصام، واستخدمت العنف المفرط بحق المتظاهرين المطالبين بحكومة مدنية.

ولعلها الذكرى الأليمة الوحيدة التي يحييها السودانيون مرتين في العام، وبات “فض اعتصام القيادة” علامة فارقة في تاريخ السودان، حين تم فض الاعتصام بالقوة في وقت كان المعتصمون يتأهبون للاحتفال بالعيد. وقتل خلال أحداث الفض نحو 200 من المحتجين وعشرات الجرحى والمفقودين وفق تقارير غير رسمية، بينما قدرت إحصائية حكومية الضحايا بحوالي 85 شخصا.

ووثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” (Human Rights Watch) عملية فض الاعتصام قائلة في تقرير لها إن الاعتداءات على المتظاهرين كانت “مُبرمَجة وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية”، فيما تحدثت لجنة أطباء السودان المركزية (غير حكومية) عن أن مليشيات الدعم السريع رمت جثث المحتجين في النيل الأزرق، حيث تم العثور على 40 جثة طافية.

وتُظهر مقاطع فيديو يتم تسريبها على فترات -كان آخرها مطلع رمضان الحالي- قوات من الدعم السريع وهي تنكل بالمتظاهرين وتطاردهم في محيط القيادة، لكن قائد هذه القوات محمد حمدان دقلو “حميدتي” ظل ينفي على الدوام أي علاقة لشخصه بعملية الفض، بل أكد أنه كان يمنع قادة النظام السابق من التعرض للمعتصمين طوال 5 أيام التي سبقت الإطاحة بنظام البشير.

وقال حميدتي إن لديه ما يقوله من شهادة بخصوص هذه الحادثة، لكنه يتحين الوقت المناسب تاركا الأمر للجنة التحقيق التي تم تكوينها لهذا الخصوص.

وفي المقابل لم يقدم حميدتي توضيحا للوجود المكثف لقواته في ميدان الاعتصام، وهم يمارسون العنف وإهانة المتظاهرين وفق ما تُظهر مقاطع الفيديو.

ويقول شاهد عيان على المجزرة للجزيرة نت إن المعلومات اللاحقة للأحداث الأليمة أفادت بأن عبد الرحيم دقلو شقيق حميدتي كان وراء مخطط فض الاعتصام، كما يؤكد أن قوات كبيرة من الدعم السريع والشرطة عمدت لاستخدام الرصاص والهراوات وحصار المعتصمين في محيط القيادة وأن العديد من رفقائه في الميدان سقطوا حين لاحقهم عشرات الجنود، لكنه لم يتمكن من معرفة مصيرهم بعدها.

عراقيل أمام لجنة التحقيق
وبعد نحو 3 أعوام على مجزرة فض الاعتصام لم تتمكن لجنة التحقيق من تسليم خلاصة ما وصلت إليه للجهات ذات الصلة، حيث أعاقت الإجراءات التي نفذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 عمل اللجنة بعد إطاحته بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

وفي هذا السياق يؤكد رئيس اللجنة نبيل أديب وجود أسباب أخرى أعاقت الوصول لنتائج نهائية، بينها توقف العمل خلال تفشي جائحة كورونا، علاوة على عدم توفير تسهيلات لوجستية للجنة في الوقت المناسب وبالكيفية المطلوبة.

ويشرح أديب للجزيرة نت أكثر بالقول “نعني بالتسهيلات اللوجستية المتطلبات المادية التي تتمثل في المقر والأجهزة والمعدات، فقد بقيت اللجنة من دون مقر حوالي 6 أشهر، وكذلك التسهيلات الفنية والتي تتمثل في الفنيين الذين يتمتعون بالقدرة على فحص الأدلة المادية”.

ووفق تفويض لجنة التحقيق كان يفترض توفير تلك التسهيلات بواسطة الاتحاد الأفريقي، الذي اعتذر بعد أكثر من عام على طلبها منه كما يقول أديب، ويتابع قائلا “من ثم توفرت المتطلبات بواسطة مكتب رئيس الوزراء، إلا أن الإطاحة بالحكومة عرقلت عمل الخبراء في فحص الأدلة”.

ومن وجهة نظر حاتم عمر موسى عضو لجان المقاومة بمنطقة “أمبدة” فإن لجنة التحقيق لن تصل لأي نتيجة بشأن فض الاعتصام، ويتساءل في حديثه للجزيرة نت عن كيفية وصولها لنتائج حقيقية، والمسؤولون في هرم السلطة الآن هم جزء من جريمة فض الاعتصام. قائلا إن “الحاجة ما زالت ملحة لتكوين لجنة وطنية محايدة تتولى التحقيق”.

ويشار إلى أن لجنة التحقيق استمعت إلى أكثر من 3 آلاف شاهد على فض الاعتصام، وشملت التحقيقات جميع القادة العسكريين وقت وقوع الجريمة، من بينهم رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان (حميدتي) وشمس الدين كباشي وياسر العطا.

ويتحدث نبيل أديب عن تقديره لآلام ذوي الضحايا، لكنه يرفض الاتهامات التي تطال لجنته بالتماطل في التحقيق، ويقول “تحملنا كثير من الأذى من أجل الوصول إلى الحقيقة، وحتى نقدم قضية اتهام متماسكة ضد الضالعين في الجرائم بعملية فض الاعتصام”.

ويؤكد رئيس لجنة التحقيق استمرارهم في العمل بعد التمكن من استرداد المقر. لكنه يشير إلى أن عدم وجود الحكومة التنفيذية، وبالتحديد شغور منصب رئيس الوزراء، يؤثر سلبا، خاصة فيما يلي نشاط الخبراء الأجانب الذين يفحصون الأدلة المادية.

دعوة لقصر الجنرال
وبالتزامن مع التحضيرات لمليونية 29 رمضان التي تعكف عليها لجان المقاومة في الخرطوم والولايات، قدم رئيس مجلس السيادة دعوة لممثلي اللجان للإفطار بالقصر الرئاسي في ذات اليوم، ولبدء حوار لتقريب وجهات النظر وردم هوة الخلافات، لكن الخطوة لاقت رفضا مغلظا من لجان المقاومة، وقابلتها بسخرية بوصفها محاولة لطمس إحياء ذكرى فض الاعتصام.

وأعلنت لجان مقاومة أم درمان في بيان رفضها دعوة البرهان، ورأت فيها محاولة لتغييب ومسح هذه الذكرى الأليمة وإسقاطها من مفكرة الشعب.

وقالت لجان المقاومة بالخرطوم، إن إحياء ذكرى فض اعتصام القيادة العامة سيشهد موجة غضب وتصعيد ثوري كبير وواسع، وإنها ستحدد الوجهة قبل يوم من التصعيد الميداني.

وأوضح المتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم، عثمان سر الختم، أن الذكرى تأتي للمطالبة بتقديم المتورطين في أحداث المجزرة لمحاكمات عادلة، والتأكيد بأن الثوار لم ينسوا القصاص للشهداء وأنهم متمسكون بقضية العدالة ومحاكمة الجناة.

كما يؤكد عضو لجان المقاومة حاتم عمر للجزيرة نت إن الثوار بكل أنحاء السودان يعملون ليل نهار في التحضير لمواكب 29 رمضان.

ويبدي كل من محمد الجاك مرجان ومحمد حافظ عبد الله -وهما من لجان المقاومة- قناعة بأن الحراك الثوري لن يتوقف.

وينبه مرجان في حديثه للجزيرة نت لعدم وجود تغيير خلال الأعوام الثلاث الماضية، كما يشدد على أن لجنة التحقيق في فض الاعتصام ليست سوى صناعة حكومية، وبالتالي لن تصل لنتيجة، مشيرا إلى تعطيل ملف الضحايا والشهداء وطمس الملفات من دون قصاص منذ بدء الثورة في العام 2013.

بينما يدعو رفيقه محمد حافظ لإحالة ملف فض الاعتصام للمحكمة الجنائية الدولية بعد فقدان الثقة في البرهان والقادة العسكريين، واصفا ما حدث في القيادة بأنه أبشع مجزرة وأن التطورات السياسية اللاحقة تحتم على لجان المقاومة التمسك باللاءات الرافضة للتفاوض والشراكة ومنح الشرعية لأي جهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى