مقالات الرأي

الرشيد بدوي .. ما يصيبك إلا خير

 

يا لروعة تلك الأيام يا لطعمها الجميل وذكرياتها التي لا ولن تنمحي عن الذاكرة، بداية الخطى وارتقاء أولى سلالم الشهرة الحماس والعزيمة وروح الإصرار الوثابة “وفجأة السنين الفاتو جن وأيام زمان إتلملن” ليتها تعود من جديد لنغتسل من درن هذه السنين اللعينة التي كادت أن تنسينا ادميتنا وتحولنا لوحوش.. نسال الله الرحيم العدل الجبار أن يخرج الوطن من حفرته المظلمة ونخرج جميعٱ من غابة التوحش ونرجع تاني للكلمة الرحيمة شأن هنانا وشان منانا وشان عيون أطفالنا ما تضوق الهزيمة.

يا لروعة ذاك الزمان ونحن كما التلاميذ ننتظم بصالة تحرير “عالم النجوم” عروس الصحف الرياضية الصالة التي جمعت أفضل مشاهير الصحافة في ذلك الزمان شيخ النقاد ميرغني البكري، عبد الباقي خالد عبيد، صديق أبو نبيل، محمد الشيخ عيسى، وهيثم السيد، ابراهيم عبدالله، ناصر فوراوي, نادر الحلفاوي، منى عوض ومشاعر عبد الكريم بجانب الكبار الرشيد علي عمر ، حسن عبد الرحيم، معاوية صابر والحبيب عاطف الجمصي، وما أن نهم في بداية كتابة المحتوى يدخل علينا الأستاذ الرشيد بدوي عبيد بقامته ووسامته وهيبته وروحه الجميلة المرحة يطالبنا في البداية أن نحب بعض ليضفي نوعاً من الاريحية التي تعطر الأجواء وتحرضنا على تقديم أفضل ما عندنا تمامٱ كما كان يفعل قيثارة الطرب هيثم مصطفى والساحر الفلتة فيصل العجب يقول الرشيد بصوته القوي المألوف لكل أهل السودان ” اليوم عاوزين محتوى جاذب محتوى يكسر الدنيا يشبهكم وانتو كلكم نجوم” كان يكلف كل منا بما يرى أنه يتناسب ومقدراته حوار، تقرير، تحقيق وكثيراً ما كان يثقل علي بكتابة صفحتي الوسط أو ما يطلق عليه “البرش” يا شيبة ورينا ابداعك إنت اليوم رأس حربتنا.. وهنا لا أملك إلا الاستسلام دون أن أبدي أي إعتراض أو رفض فالتمرد على توجيهات الرشيد فيه تطاول وعدم إحترام وخروج عن الأدب.
وما أن أنتهي من الكتابة حتى اعرضها عليه، كان يحفزني مثل بقية زملائى بإشادات تجعلني اشعر وكان قامتي توازي النخيل، ده الشغل الصحفي المطلوب ده عمل جبار زي ما بقول الكتاب ولا ينسى أن يداعبني باسم منطقتي على طريقة زيدان ابراهيم مع جلال الصحافة “أهو الهبيكة كبرت وبقت امرأة واتزوجت كمان وجابت ليها ولد طلع نجم” كنت أقول له أنت لا تعرف الهبيكة وقيمتها وما قدمته للناس والوطن فيقول ربنا يطول في عمرنا ونمشي معاك عشان نشوف المدينة الفاضلة هل هي حقيقة أم أنها توهمات في خيالك.

كثيراً ما كنت أقول لأستاذ الرشيد أن منطقتنا بها أماجد عظماء أنا لا أساوي تراب نعلهم وأحكي له عن نماذج من أولئك الذين علمونا حب الخير وصناعة الحياة جدي عمر ود معاك الذي أعاد إلى الأذهان ما رواه التاريخ عن حاتم الطائي في الكرم والشجاعة والذي ينطبق عليه وصف الخنساء وهي تتحدث عن اخاها صخر “وإن صخرٱ لمقدام إذا ركبوا وإن صخرٱ إذا جاعوا لنحار وإن صخرٱ لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار” أحكي له عن الشيخ صديق أحمد حمدون ومن من أهل السودان لا يعرف صديق حمدون؟ احكي عن إبراهيم العوض ومحمد عكود وعمر الدوخ وعوض الكريم صديق وعبد الله عمر ابو إدريس وعثمان تنقو وعباس علي عمر ومحمد مصطفى جبير ومحمد الطيب عبد العاطي ورضوان محمد رضوان وعبد العزيز رحمة الله وعبد الله القاضي ومحمد عبدالرحيم البلول وسيف الدين العوض وعبدو محمد العوض وصلاح احمد آدم وعبدالمجيد عبد الغني مشاعل النور الذين حاربوا الجهل والأمية بربوع وطننا وامتد عطائهم حتى الخليج واليمن احكي له عن البروفيسور العوض الطيب أحد مفاخر السودان بالخليح والبروفيسور أحمد العوض الركن الركين في كلية الزراعة بشمبات والباشمهندس الصافي أحمد آدم الوزير الذي شهدت في عهده البني التحتية تطورٱ كبيرٱ قبل أن يسلط الله على بلادنا من لا يخاف الله فيها والشعب أحكي لها عن الخالة ميمونة عبدالوهاب أحدي رائدات التعليم بالسودان والخالة آسيا عبد الوهاب المرأة الحديدية والتي في عهدها كانت مدرسة رفاعة الثانوية للبنات تتربع على عرش الزعامة كرقم من الاستحالة الوصول اليه أحكي له عن الخال الصديق عبد الغني وبصمته الكبيرة في التعليم وعن دكتور طلعت محمد احمد ودكتور النيل مصطفى ودكتور نهى محمد مصطفى ودكتور مصطفى صديق ودكتور عمر محمد عبد الباقي ودكتور عبدالمنعم يوسف وغيرهم من ملائكة الرحمة الهائمون في الخليج وشتى بقاع المعمورة يسعفون المرضى وينعشون آمالهم ويهبوهم الحياة.. كان استاذي الرشيد يستمتع برواية الهبيكة ويقول “ياأخي دي مش مجرد قرية أو حتى مدينة دي قارة”.

الرشيد بالنسبة لي يعد بمثابة الأب والمعلم والصديق ومن حسن حظي أنني تتلمذت على يديه ولا زلت أقول أن من لم يعمل مع الرشيد بدوي عبيد لم يتذوق طعم العمل الصحفي الرشيد كان دائماً ما يطالبنا بالتركيز على اللاعب واللعبة والبعد عن الإداريين واستعراض تفاصيلهم التي لا تهم القارئ كان مدرسة قائمة بذاتها وما وجدت شخص يحب الوطن مثل حب الرشيد الذي لا يعرف الغالبية حتى الآن لونه الرياضي فقد كان لا يفرق بين الهلال والمريخ في المواجهات الخارجية يتأثر حد البكاء عندما يتعرض إحداهما للهزيمة ويفرح كما الطفل ويتمنى لو يطير بجناحين عند الانتصارات والمقربون منه يقولون أن حبه النبيل الصادق للسودان جلب له السكري والضغط وتداعيات ما يعاني منه الآن وقمة الوطنية أن يعود الرجل إلى السودان في هذا التوقيت الحريق ويقرر البقاء رغم ظرفه الصحي وقد المني جدٱ خبر بتر أحد ساقيه منتصف الأسبوع الماضي بمستشفى النو بأم درمان وكل من يعرف هذا الشامخ العظيم تأثر له، ومعرفتنا به تجعلنا نؤكد أنه أقوى مما تعرض له من ابتلاءات وبإذن الله سيتجاوز المحنة ويعود قويٱ ليزرع في الناس المحبة والخير والأمل .. وإن شاء الله يا نبع المشاعر ما يصببك إلا خير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى