السودان بين فشل القيادة العسكرية واستمرار الانهيار… بقاء البرهان يعني بقاء الحرب
فشل سياسي يعمّق عزلة السودان
بورتسودان – صقر الجديان
تتعمق الأزمة السودانية يوماً بعد يوم، لتتحول من نزاع مسلح إلى أزمة وجودية تهدد بقاء الدولة نفسها. فشل القيادة العسكرية في إدارة البلاد على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية خلق حالة غير مسبوقة من الانهيار المؤسسي والمعيشي، فيما أصبح استمرار الفريق عبد الفتاح البرهان في المشهد السياسي مرادفاً لاستمرار الحرب، واستمرار الانهيار بلا أفق للحل.
فشل سياسي يعمّق عزلة السودان
منذ انقلاب أكتوبر 2021، دخل السودان مرحلة من العزلة السياسية الداخلية والخارجية. تحطمت كل الجسور التي كانت تربط القيادة العسكرية بالقوى المدنية، وتفككت التحالفات الوطنية، وتبددت الثقة بين السلطة والمجتمع.
لم تتمكن القيادة العسكرية من تقديم أي رؤية سياسية واضحة أو مشروع وطني جامع يحقق الاستقرار أو يمهّد لانتقال ديمقراطي حقيقي. وبدلاً من إدارة الدولة، انشغلت بإدارة الصراع على السلطة، ما جعل البلاد رهينة للأزمات المتتالية، وغارقة في عزلة دبلوماسية خانقة أدت إلى توقف المساعدات وتراجع الاستثمارات.
وبات من الواضح أن الخطاب الرسمي فقد شرعيته السياسية، وأن المؤسسات العسكرية الحاكمة لم تعد قادرة على إنتاج بديل حقيقي، مما جعل السودان في حالة انسداد سياسي شامل.
فشل عسكري واستراتيجي يهدد وجود الدولة
الحرب الحالية كشفت ضعف المؤسسة العسكرية وفقدانها للتماسك المهني والتنظيمي. فمع مرور الوقت، بات الجيش يخسر المدن والمواقع الاستراتيجية الواحدة تلو الأخرى، في وقت يعتمد فيه على مليشيات محلية وكتائب قبلية بدلاً من القوات النظامية.
تم تجنيد المدنيين والأطفال في معارك ميدانية، بينما فقدت القيادة السيطرة على الإمدادات والخطوط الحيوية.
تحولت الحرب إلى معركة استنزاف مفتوحة، تستهلك الأرواح والموارد دون تحقيق أي مكاسب ميدانية ملموسة. ومع كل يوم جديد، يزداد الانقسام الداخلي داخل المؤسسة العسكرية، ويضعف موقفها أمام الرأي العام المحلي والدولي الذي بدأ يرى فيها عبئاً على الدولة بدلاً من كونها حارسها.
الاقتصاد السوداني في حالة انهيار شامل
الانهيار الاقتصادي لم يعد مجرد أرقام على الورق، بل واقع يعيشه المواطن كل يوم:
تضخم تجاوز كل الحدود
توقف الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والصحة والتعليم
انهيار الجنيه السوداني إلى مستويات غير مسبوقة
شلل إداري شامل في المؤسسات الحكومية
غياب الرواتب، والوقود، والدواء، والسلع الضرورية
السودان اليوم يعيش أسوأ أزمة معيشية في تاريخه الحديث، حيث ارتفعت معدلات الفقر والجوع والنزوح لمستويات كارثية. ومع ذلك، تواصل القيادة العسكرية استخدام الموارد الاقتصادية كأداة حرب وليس كوسيلة إنقاذ وطني.
لا عدالة في ظل من ارتكبوا الانتهاكات
لا يمكن بناء دولة قانون حقيقية في ظل قيادة تلطخت أيديها بانتهاكات موثقة ضد المدنيين. تقارير المنظمات الدولية والحقوقية سجلت جرائم واسعة النطاق:
قصف أحياء سكنية بالطيران
اعتقالات تعسفية
تعذيب وإخفاء قسري
قتل جماعي واستهداف ممنهج للمدنيين
كل هذه الجرائم تستدعي المساءلة لا التغطية السياسية. العدالة ليست خياراً انتقائياً بل شرطاً لبناء دولة القانون. الإفلات من العقاب يعني استمرار الدائرة ذاتها من الفشل والعنف.
النتيجة الحتمية: استمرار البرهان يعني استمرار الانهيار
بقاء البرهان في السلطة اليوم يعني ببساطة استمرار الحرب، وتعميق الانهيار الاقتصادي، وتسريع تفكك الدولة ومؤسساتها. لقد أثبتت التجربة أن هذه القيادة العسكرية عاجزة عن إدارة دولة، فضلاً عن قيادة شعب نحو الاستقرار.
السودان بحاجة إلى مرحلة انتقال مدني حقيقية، قائمة على العدالة والمحاسبة، وإلى قيادة وطنية تحمل مشروع دولة لا مشروع سلطة. فالسلام والاستقرار لا يمكن أن يتحققا بوجود من كان سبباً في الحرب، بل عبر تغيير جذري يفتح الباب أمام بناء جديد لدولة القانون والمؤسسات.




