السودان.. “تصدعات” بالمجلس العسكري بعد عام على “الانقلاب”
الخرطوم – صقر الجديان
عند عودته إلى بلاده قادما من الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، نزل رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان من الطائرة في العاصمة الخرطوم.
وأمام سيل من الكاميرات، كان بانتظار البرهان نائبه وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي صافحه بحرارة وابتسامة عريضة.
كانت هذه لحظة مرتبة بين أقوى رجلين في السودان، لاستعراض الوحدة، وسط شائعات عن وجود فتنة.
فبعد مرور عام على شن الجنرالين انقلابا عسكريا، نسف الانتقال قصير الأجل للبلاد إلى الديمقراطية، فإن سعيهما إلى تحقيق المكاسب الفردية يهدد بمزيد من زعزعة استقرار البلاد، بحسب تقرير مطول نشرته “أسوشيتد برس”.
إلى ذلك، قال أمجد فريد، الخبير في شؤون السودان، المساعد السابق لرئيس وزراء البلاد المخلوع عبد الله حمدوك، “بالرغم من أن الخوف من حكومة مدنية جمع بين البرهان وحميدتي، لا تزال هناك انقسامات كثيرة بينهما”.
جعل الانقلاب، وعدم الانسجام بين قادته، مستقبل الحكم في السودان غير مؤكد على نحو متزايد، إذ ترك فراغا في السلطة، سمح للقوة شبه النظامية بقيادة دقلو، المعروفة باسم قوات الدعم السريع، بتولي دور متزايد.
وبصفتهما القائدين الرئيسيين للجيش السوداني، وأكبر قوة شبه نظامية، كان من المفترض أن يشرف البرهان ودقلو على الانتقال الديمقراطي، بعد الإطاحة بالديكتاتور السابق عمر البشير، الذي قضى ثلاثة عقود في السلطة،
ولكن في 25 أكتوبر من العام الماضي، وقبل أسابيع من تنحي البرهان عن رئاسة المجلس الانتقالي، قاد انقلابا عسكريا، وأطاح بالنصف المدني من مجلس السيادة الحاكم في السودان.
ودعمه في ذلك دقلو، الذي ساعدت قواته في اعتقال العشرات من المسؤولين المدنيين والسياسيين.
وعقب ذلك، جرى قمع المسيرات شبه الأسبوعية المؤيدة للديمقراطية، في حين تجددت الاشتباكات القبلية القاتلة في الأطراف المهملة من البلاد، والتي قتل فيها مئات الأشخاص في الأشهر الأخيرة.
وأغرق الانقلاب اقتصاد السودان، الذي يعاني بالفعل من التضخم، في خطر أعمق. فقد جفت المساعدات الدولية وأصبح نقص الخبز والوقود، الناجم جزئيا عن الحرب في أوكرانيا، أمرا روتينيا.
وفي غضون ذلك، بحسب “أسوشيتد برس”، تضاءل التأييد الشعبي للجيش، وفي ظل عدم وجود خيارات أخرى، تسعى قوات الدعم السريع، المعروفة بحملات الأرض المحروقة في نزاع دارفور، إلى تصوير نفسها على أنها قوات حفظ سلام بديلة ذات جيوب عميقة.
وفي السياق، قال سليمان بلدو، كبير المحللين والباحثين في الشأن السوداني بمشروع “إينف” (كفاية) – وهي منظمة تركز على تعزيز الحكم الرشيد في البلدان الأفريقية: “يعتقد معظم السودانيين الآن أن الجيش يفتقر إلى المصداقية أو الحلول لتحقيق الأمن والازدهار في السودان”.
ويحاول دقلو تصحيح الصورة العامة لقواته مستخدما وسائل التواصل الاجتماعي، لتقدم قواته نفسها الآن كوسيط في النزاعات القبلية، ومشارك في مشروعات التنمية،
ومع ذلك فإن الكثير من السودانيين لا يزالون يخشون “قوات الدعم السريع” بسبب أساليبها العنيفة.
وسبق أن تورطت قوات دقلو في مقتل أكثر من 100 محتج عندما فضت اعتصاما في يونيو 2019 بالعاصمة الخرطوم.
ومنذ ذلك الحين، فشل التحقيق بالواقعة في التوصل إلى أي استنتاجات.
وفي هذا الصدد، قال اثنان من العاملين الحقوقيين السودانيين، الذين يتتبعون القوات شبه النظامية إن حجم قوات الدعم السريع تضاعف خلال السنوات الثلاث الماضية إلى ما لا يقل عن مائة ألف مقاتل، وإنها اشترت أسلحة عالية التقنية.
وفي ظل هذه القدرات المتزايدة، يقول الباحثان الحقوقيان إن القوات شبه النظامية تمكنت من ترسيخ سيطرتها على الحدود الغربية والشمالية المليئة بالثغرات في السودان، مما سمح لها بالاستفادة من تهريب الأسلحة والمخدرات والمهاجرين مع تقلص نفوذ الجيش.
وتحدث الباحثان الحقوقيان، شريطة عدم الكشف عن هويتيهما، مخافة البطش، ليؤكدا أنهما حصلا على روايات مباشرة من داخل صفوفها.
وتتطابق تقديراتهما لحجم القوات مع تقديرات المحللين الآخرين، بينما لم يرد متحدث باسم قوات الدعم السريع على طلب للتعليق على دور القوات في الفترة الانتقالية والخطط المستقبلية.
كما أن هناك تساؤلات بشأن مصادر تمويل القوات شبه النظامية، بالإضافة إلى أموال الدولة التي تتلقاها.
“ثروات وفساد”
وإلى هذا، قال مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة للأبحاث، في تقرير صدر في يونيو، إن القوات جمعت” ثروة” من خلال الاستحواذ التدريجي على المؤسسات المالية السودانية واحتياطيات الذهب، بعضها تحت أسماء أقرباء دقلو.
وكان قد جرى نشر قوات الدعم السريع في اليمن للقتال نيابة عن التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب ضد المتمردين الحوثيين، وهي خطوة من المرجح أنه تم من خلالها تعويض القوات ماليا من قبل أحد أعضاء التحالف على الأقل، وهي دولة الإمارات.
و يخرج البرهان ودقلو إلى الساحة الدولية، فقد أجريا بشكل منفصل سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية المستقلة، في القاهرة والكرملين وأبوظبي، لكنهما يؤكدان أنه ليس لديهما اهتمام بالترشح في الانتخابات المستقبلية.
وفي ظل ضغط دولي هائل، أحرزت المحادثات الأخيرة بين الجيش والقوى المؤيدة للديمقراطية بعض التقدم، لكن هذا يمكن أن ينتكس في أي لحظة، إذ يحتفظ البرهان ودقلو بأدوار غامضة، لكنها مسيطرة.
وتفتقد تعهداتهما المنفصلة لتسهيل الديمقراطية إلى التفاصيل، وغالبا ما تتعارض في القضايا الرئيسية.
ومن بين أوجه عدم اليقين مدى الصلاحيات التي سيحتفظ بها القائدان العسكريان في ظل الحكم المدني، وما إذا كانت قوات الدعم السريع ستندمج مع الجيش السوداني، وهو شرط أساسي لاتفاق سلام أبرم عام 2020، كان يهدف إلى إنهاء عقود من القتال في دارفور.
وتكمن بداية الصراع على السلطة في إرث البشير، فقد شارك الجنرالان بشكل كبير في حملات البشير العسكرية في دارفور، التي أسفرت عن مقتل حوالي 300 ألف شخص خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك بحسب تقديرات منظمات حقوقية.
وعلى عكس البشير، لم تدن المحكمة الجنائية الدولية البرهان، ولا دقلو، بارتكاب جرائم حرب في ذلك الصراع.
“الحصيلة صفر”
وتدرب البرهان، وهو عسكري متمرس في القوات المسلحة السودانية، كضابط في مصر. بينما قاد دقلو، وهو تاجر جمال سابق في دارفور، ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة، وقاد هجمات ضد الجماعات المتمردة في دارفور في عام 2003.
وتتهم الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية مليشيات الجنجويد بالاغتصاب الجماعي وقتل المدنيين.
وفي محاولة لاحتواء القوات المقاتلة واستخدامها بشكل أفضل، جند البشير في النهاية الجنجويد في قوات الدعم السريع عام 2013، وقننها، ونصب دقلو عليها كقائد مستقل.
وقال فريد، المساعد السابق لرئيس وزراء السودان، إن “السبب الجذري للصراع الحالي بين حميدتي والبرهان هو استقلال قوات الدعم السريع”.
وفي الأشهر الأخيرة، وفي محاولة لكبح نفوذ قوات الدعم السريع، عمل البرهان على إعادة أنصاره، الذين كانوا في الغالب من الإسلاميين الذين شغلوا مناصب في عهد البشير، إلى الحكومة، وذلك بحسب المحلل بلدو وماهر أبو الجوخ، الموظف السابق في تلفزيون الدولة السوداني الذي اعتقل في الانقلاب ولكن أطلق سراحه لاحقا.
وفي الوقت الحالي، قد يكون الصدام المباشر غير وارد، لأنه لا يمكن لأي جنرال حشد الموارد الكافية للحكم بمفرده.
وقال بلدو إن “بقاء المجموعتين يعتمد على بقاء حميدتي والبرهان معا”.
وتعليقا على هذا، قال كاميرون هدسون، كبير الموظفين السابق للمبعوث الأميركي الخاص إلى السودان وزميل مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إن الجنرالين منخرطان في “لعبة كبيرة محصلتها صفر”.
إقرأ المزيد