السودان.. “خطة” لشرعنة الانقلاب وسط استمرار الاحتجاجات ضد العسكر
الخرطوم – صقر الجديان
تستمر الاضطرابات السياسية في السودان، حيث يخرج آلاف من المتظاهرين باستمرار إلى الشوارع احتجاجا على الانقلاب، وسقط حتى الآن عشرات القتلى ومئات الجرحى بإيدي قوات الجيش والشرطة، وفق أرقام غير رسمية.
وفي تطور جديد، قالت وكالة رويترز إن فصائل متحالفة مع الجيش السوداني أعدت اتفاقا لتشكيل حكومة انتقالية من شأنها تعزيز سيطرة العسكر، وهو ما لم يتم تأكيده بشكل رسمي حتى الآن.
وقال مجلس العلاقات العلاقات الخارجية الأميركي، في تقرير الجمعة، إن “لدى المجلس العسكري والمواطنون في السودان رؤى مختلفة جذريا لمستقبل البلاد”.
وأشار التقرير إلى تقارير عن خطة من شأنها إضفاء الطابع الرسمي على حكم الجيش وحلفائه، ولكنها توفر فقط واجهة مدنية لإقناع المجتمع الدولي باستئناف الدعم الاقتصادي.
وبحسب الأمم المتحدة فقدت السودان المساعدات الدولية التي كانت تمثل قرابة 40 في المئة من إيراداتها، وأوقفت المدفوعات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والجهات المانحة الرئيسية الأخرى مؤقتا.
وفي السابع من مارس الماضي، أعلن البنك المركزي تعويم العملة، وقد أدى ذلك إلى انهيار فوري في قيمة الجنيه السوداني بأكثر من 35 في المئة مقابل الدولار الأميركي، وارتفعت الأسعار بشكل كبير، خاصة أسعار الخبز والوقود والكهرباء والدواء والرعاية الصحية وأجرة وسائل النقل العام.
ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في أكتوبر 2021، لا توجد حكومة في البلاد تؤدي وظائفها، فيما بلغت حصيلة قتلى التظاهرات 94 قتيلا، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية المناهضة للحكم العسكري.
رئيس بعثة الأمم المتحدة للسودان، فولكر بيرتس كان قد حذر في إحاطة لمجلس الأمن نهاية مارس الماضي من “أن الوقت ليس في صالح السودان.. السودانيون قلقون على استقرار وبقاء بلدهم”.
وتتزامن الاحتجاجات التي تجددت، الأربعاء، مع الذكرى السنوية الثالثة لبدء اعتصام السودانيين أمام مقر قيادة الجيش بوسط العاصمة في 2019 للمطالبة بإنهاء حكم البشير، وبالتزامن أيضا مع ذكرى الانتفاضة الشعبية عام 1985 التي أطاحت بالرئيس العسكري جعفر نميري.
جمود سياسي
الصحفي السوداني، سنهوري عيسى قال إن السودان في حالة “انسداد أو جمود سياسي”، إذ لا توجد مبادرات أو خطوات عملية لحل الأزمة.
وأوضح في حديث لموقع “الحرة” أن ما يتم “تداوله عن وجود اتفاق سياسي جديد، غير صحيح، والفرصة متاحة وقائمة لجميع الأطراف السياسية من أجل الحوار، وإيجاد سبيل لإعادة البلاد على مسار المرحلة الانتقالية”.
ويرى المحلل السياسي السوداني، فريد زين، أن من الواضح أن “المجلس العسكري دخل في مرحلة اليأس من عدم قبول القوى المدنية للشراكة والدخول معهم في تشكيل حكومة لإدارة شؤون البلاد، بالطريقة التي يريدها البرهان”.
وأضاف زين المقيم في الولايات المتحدة لموقع “الحرة” أن المجلس العسكري يجري تواصلا مع قوى مدنية كانت داعمة لنظام البشير بهدف إضفاء صورة شرعية على حكمه بوجود شراكة مع المدنيين، وذلك بهدف “خداع المجتمع الدولي”.
ويذهب الناشط السوداني، أيمن تابر، إلى أن السودان في “مرحلة انزلاق عن المسار الانتقالي الديمقراطي منذ أكتوبر 2021 عندما استحوذ المجلس العسكري على السلطة، وتخلى عن الشراكة مع المدنيين”.
ويؤكد تابر في رد على استفسارات “الحرة” أن الشارع السوداني “ما زال يتطلع إلى حكومة مدنية تدير أمور البلاد إلى حين إجراء الانتخابات”، ولكن المجلس العسكري يريد الاستئثار بالسلطة، ويقوم بقمع التظاهرات التي تخرج بشكل متكرر في السودان رفضا للانقلاب العسكري.
ويشير تقرير المجلس العسكري الأميركي إلى أن الهدف من الخطة الجديدة، كما يبدو، هو اتفاق يمكن أن يؤكد نهاية الأزمة التي اجتاحت البلاد منذ انقلاب أكتوبر الماضي، على أن يحتفظ، بموجبه، العسكر بالسلطة العليا، ويكونون قادرين على إملاء الشروط والنتائج المحتملة لأي عملية انتخابية، ويحمون مصالحهم الاقتصادية والسياسية من إمكانات الشفافية الحقيقية أو المساءلة.
وكان ممثل الأمم المتحدة بيرتس قد قال أواخر مارس الماضي “إن تطلعات السودانيين نساء ورجالا، إلى مستقبل ديمقراطي مزدهر بقيادة مدنية معرضة للخطر. ما لم يتم تصحيح المسار الحالي، ستتجه البلاد نحو انهيار اقتصادي وأمني ومعاناة إنسانية كبيرة”.
وأكد “أن الاحتجاجات على الحكم العسكري مستمرة، ويستمر حصد أرواح المحتجين أو إصابتهم بجراح بأعيرة حية”. وأضاف أنه منذ أواخر ديسمبر، زادت الاعتقالات التي تستهدف قادة الاحتجاجات وأعضاء لجان المقاومة وقادة سياسيين. وكثيرون منهم حرموا من الوصول إلى محامين أو الاتصال بعائلاتهم”.
العودة للمسار الديمقراطي
ويرى الصحفي عيسى أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، فولكر بيرتس، يمكنه طرح مبادرة بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي تتجاوز “فتح باب الحوار” من أجل خروج البلاد من الأزمة الحالية.
وأشار إلى أن المجلس العسكري حتى الآن لم يطرح مبادرة لحل الأزمة، الأمر الذي يترك فرصة سانحة للأمم المتحدة لتقديم رؤية للحل بعيدا عن إحجام بعض القوى السياسية عن الحوار.
ويتخوف الناشط تابر من استمرار تصعيد المجلس العسكري تجاه المتظاهرين والذي قد يعني مزيدا من القتلى بين المدنيين، الذين يريدون العودة للمسار الديمقراطي بأي ثمن، ولن يتم التخلي عن هذا الأمر على الإطلاق، وفق قوله.
من جانبه يؤكد المحلل السياسي زين أن “الشارع السوداني سيستمر في التظاهرات إلى حين سقوط النظام العسكري الذي عاد لحكم البلاد، إلى حين إعادة البلاد للمسار الديمقراطي الذي يريده الشعب”.
وأوضح تقرير “CFR” أن هناك جهات فاعلة خارجية لديها نفوذ حقيقي في السودان، أكانت الولايات المتحدة أو أعضاء آخرون في المجتمع الدولي، وهم يملكون مفاتيح تخفيف عبء الديون والدعم المالي للبلاد التي تعاني من اقتصاد متعثر.
ويلفت إلى أن المجتمع الدولي يضع قدرا كبيرا من الثقة في العملية التشاورية التي يقودها بيتس لإيجاد طريق لاستئناف العملية الانتقالية التي تعثرت وأنهت مرحلة تقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين.
وبعد استقالة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في الثاني من يناير، اضطلعت بعثة الأمم المتحدة في مشاورات سياسية مكثفة في السودان، على مدار خمسة أسابيع، استمعت خلالها إلى آراء السودانيين بشأن الخروج من الأزمة واستعادة الانتقال الديمقراطي، حيث أجري أكثر من 110 اجتماعات تشاورية مع أكثر من 800 مشارك، وتلقت أكثر من 80 تقريرا مكتوبا.
ووفق بيان للأمم المتحدة فإن “الآراء كانت واضحة بشأن العديد من القضايا، ومنها: الحاجة إلى إنهاء العنف، وحكومة تكنوقراط، والحاجة إلى مجلس تشريعي انتقالي ليكون بمثابة هيئة رقابية ويتبنى تشريعات مهمة”.
جعفر حسن، المتحدث باسم ائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، قال في تصريحات صحفية، الثلاثاء الماضي، إن حل الأزمة يكمن في “مركز موحد” يضم قوى الائتلاف والأحزاب المعارضة للانقلاب ولجان المقاومة.
وأضاف أن “المخرج من الأزمة السودانية ليس بتجربة ما جربناه.. المرة الماضية جربنا الشراكة مع المكون العسكري وفشلت وانتهت بفض الشراكة وإعلان حالة الانقلاب الحالية.. يجب ألا نعود إلى هذه الحالة مرة أخرى”.
وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والسلع الأساسية بشكل كبير منذ الانقلاب.
وحذر برنامج الأغذية العالمي في مارس الماضي من أن عدد السودانيين الذين يواجهون الجوع الحاد سيتضاعف إلى أكثر من 18 مليون شخص بحلول سبتمبر 2022.