السودان في خطر… نقص حاد في الغذاء يهدّد 15 مليوناً
الخرطوم – صقر الجديان
وسط توقّعات تشير إلى نقص في الغذاء بالسودان، صدرت تحذيرات عدّة من فجوة غذائية حادة في البلاد، وذلك في أكثر من مرّة ومن أكثر من جهة، سواء أكانت منظمات مجتمع مدني وطنية أو منظمات دولية، فيما يُسَدّ أيّ أفق نحو حلول أو حتى استعدادات لمقابلة الأزمة.
وكانت الظروف السياسية الأخيرة عقب انقلاب قائد الجيش الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان قد تسبّبت في تعقيدات معيشية أدّت إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية بأضعاف ما كانت عليه، وإلى انخفاض قيمة الجنيه السوداني في مقابل العملات الأجنبية، وإلى حدوث كساد واسع في الأسواق. كذلك علّقت دول ومؤسسات تمويل دولية مساعدات اقتصادية كثيرة، فيما أوقف البنك الدولي تمويل مشروع “ثمرات” وهو واحد من مشروعات الحكومة السابقة لتقديم دعم نقدي إلى 80 في المائة من السودانيين لمقابلة آثار الإصلاحات الاقتصادية التي نفّذتها الحكومة.
ومن بين الجهات التي دقّت جرس الإنذار المبكر، برنامج الأغذية العالمي الذي ذكر في تقاريره الأخيرة أنّ 15 مليون سوداني، أي ثلث السكان، يواجهون خطر النقص الحاد في الغذاء، وذلك نتيجة النزاعات والحروب والظروف المناخية والأزمات الاقتصادية والسياسية وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي. وقد رجّحت التقارير تفاقم الأوضاع ابتدء من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.
لعلّ أحد أبرز أسباب الأزمة الغذائية المتوقّعة النقص المسجّل في المحاصيل الضرورية في الموسم الزراعي الماضي وتباطؤ الاستعدادات للموسم الصيفي الحالي. وبحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي، فإنّ السودان لم ينتج إلا 5.1 ملايين طنّ من الحبوب، وهذا لن يكفي إلا ثلثَي السكان فيما سوف يواجه الثلث المتبقي صعوبات جمّة في توفير غذائه، ومردّ ذلك فشل الموسم الزراعي في كثير من المشروعات الزراعية التي تعتمد على الريّ وعلى الأمطار.
ويؤكّد رئيس تجمّع مزارعي مشروع “الجزيرة” الذي يُعَدّ أكبر المشاريع الزراعية في السودان، طارق أحمد الحاج، ما صدر عن برنامج الأغذية العالمي، ويوضح لـ”العربي الجديد” أنّ “الموسم الزراعي الصيفي الحالي هو أفشل المواسم التي مرّت على السودان منذ سنوات طويلة”. ويشير الحاج إلى أنّ “الفشل مردّه عدم تشجيع الدولة على اللزراعة وتدنّي أسعار المحاصيل المُنتَجة في العام الماضي، في مقدّمتها القمح. وتلك الأسعار لم تشجّع المزارعين على الزراعة من جديد نظراً إلى عدم توفّر الإمكانيات المالية وعدم إقدام الحكومة على توفير التقاوي (البذور) والأسمدة ومياه الريّ، بالتالي تكون النتيجة الطبيعية حدوث فجوة غذائية ونزوح المزارعين إلى المدن الكبرى حيث يشتغلون في أعمال هامشية، إلى زيادة أرقام العاطلين من العمل وما يُخلّفه ذلك من آثار اجتماعية”.
ويحمّل الحاج المسؤولية كاملة للحكومة السودانية التي “لم تضع ملفّ الزراعة في قائمة أولوياتها ونكست بكلّ وعودها الخاصة بشراء المحاصيل من المزارعين بأسعار تشجيعية”، مشيراً إلى أنّ “إنتاج القمح في السودان لا يكفي إلا لنحو 30 في المائة فقط من السكان، ولا مجال إلا بالاستيراد في ظلّ أوضاع معقّدة خلّفتها الحرب في أوكرانيا. وحتى لو حصل الاستيراد، فلا مجال أمام المواطن البسيط لشراء القمح، إذ هو عاجز عن توفير قوته”.
أزمات سياسية ونزاعات قبلية
ولا يُعَدّ فشل الموسم الزراعي وحده السبب في الفجوة الغذائية التي تلوح في الأفق، إذ أدّت الأزمة السياسية في السودان، خصوصاً بعد انقلاب البرهان، دوراً محورياً لا سيّما بعد قرار المؤسسات الدولية والدول والحكومات وقف كلّ المساعدات والتسهيلات التي بدأت تقدّمها في خلال الحكم المدني ما بين عامَي 2019 و2021.
كذلك تؤثّر النزاعات القبلية في البلاد على الإنتاج الزراعي كما الحيواني كمصدرَين أساسيَّين للغذاء في السودان، لا سيّما أنّ تلك النزاعات تدور في أغلب الأحيان بأكثر المناطق إنتاجاً للمحاصيل والحبوب الغذائية. ولعلّ آخر النزاعات القبلية ظهرت في إقليم النيل الأزرق، جنوب شرقي البلاد، وأدّت إلى مقتل أكثر من 100 شخص ونزوح أكثر من 45 ألفاً، علماً أنّ 95 في المائة من هؤلاء السكان يعملون في الزراعة وقد هجروا مزارعهم هذه الأيام التي تصادف فصل الخريف، أهمّ الفصول للإنتاج الزراعي ويُعتمَد عليه بشكل أساسي لريّ مساحات واسعة.
ويرى عبد العزيز النور وهو من القيادات المحلية في إقليم النيل الأزرق أنّ “20 في المائة من الإنتاج الغذائي للسودانيين تُنتَج في المنطقة مثل الذرة والسمسم والدخن، وللاقتتال القبلي آثاره السلبية ليس على إقليم النيل الأزرق فحسب، بل على كلّ السودان”. ويوضح النور لـ”العربي الجديد” أنّ “الصدمة النفسية التي أصابت المزارعين النازحين تمنعهم من العودة مجدداً إلى الحقول ما لم تُوفَّر لهم ضمانات أمنية كافية تحميهم من الهجمات، وتمكّنهم من العودة مرّة أخرى لدائرة الإنتاج، الأمر الذي يخفّف من احتمالات وقوع أزمات غذائية في البلاد أو بالأصحّ الحدّ من آثارها في كلّ السودان. وحذّر النور في الوقت ذاته من استمرار المهددات الأمنية في البلاد، بما يتضمّن العنف القبلي لأنّها تزيد القلق من وقوع مجاعة بدت ملامحها في كلّ الأنحاء في الفترة الأخيرة.
العامل المناخي
وبعيداً عن الاقتتال القبلي، ووفقاً لتقارير برنامج الأغذية العالمي، تساهم الصدمات المناخية، بما في ذلك الجفاف والفيضانات، وسوء الحصاد في الموسم الزراعي الماضي في زيادة التوقعات بحدوث أزمة غذاء في الأشهر المقبلة، عدا عن انعكاسات حرب أوكرانيا التي أدّت وسوف تؤدّي إلى زيادة أسعار الغذاء والوقود في السودان الذي يعتمد على الواردات التي توفّر الغذاء، إذ يأتي أكثر من نصف واردات القمح من منطقة البحر الأسود، وفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأغذية العالمي.
وأكثر المناطق تضرّراً من أزمة الغذاء في السودان سوف تكون في إقليم دارفور بولاياته الخمس، وأكثر الناس تضرّراً هناك هم ملايين النازحين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية والزراعة في مساحات محدودة في غير مناطقهم الأصلية.
يقول المتحدّث الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين في دارفور دم رحال لـ”العربي الجديد” إنّ “واحداً من أبرز مؤشّرات الجوع وسط النازحين خصوصاً بين الأطفال والنساء المرضعات والحوامل هو زيادة أعداد المصابين بأمراض مرتبطة بسوء التغذية في المخيمات. وقد بلغ عددهم في مخيّم واحد، مثل كلمة بولاية جنوب دارفور، نحو ألف مصاب”. ويعيد رحال ذلك إلى “توقّف المساعدات الإنسانية وضعف الدعم النقدي للأفراد الذي لا يتجاوز أربعة آلاف جنيه سوداني (نحو ثمانية دولارت أميركية) في الشهر للفرد الواحد، وهو مبلغ لا يتناسب مع الغلاء الفاحش وارتفاع معدّلات التضخم، الأمر الذي يدفع عائلات كثيرة إلى الاكتفاء بوجبة واحدة طوال اليوم”.
يضيف رحال أنّ “الأوضاع في خارج مخيمات النزوح لا تقلّ سوءاً، تحديداً في المناطق المتأثّرة بالحرب”، محذّراً من أنّ “تفاقم الأزمات الغذائية سوف يجعل النازحين عرضة للموت البطيء وانتشار الأمراض، ما لم يتداركه العالم من خلال زيادة المساعدات الإنسانية المخصّصة للإقليم، تحديداً للنازحين فيه، وللمتأثّرين بالحرب عموماً”.
نداءات للمساعدة
وكانت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي قد وجّها نداءات لدعم وتمويل برامجهما في السودان من أجل اتّخاذ إجراءات عاجلة، بما في ذلك زيادة التمويل بهدف إنقاذ الأرواح ودرء خطر أزمة جوع في البلاد تلوح في الأفق. وتشدّد المنظمتان على أنّ هدف برامجها هو إنقاذ حياة الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد مع معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي، مشيرتَين إلى أنّهما أعدّتا مشاريع لإنشاء شبكة أمان اجتماعي محدَّدة الأهداف في السودان، ومعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي من خلال دعم الفئات الأكثر ضعفاً، بهدف تحمّل الصدمات وبناء سبل عيش أكثر مرونة على المدى الطويل. وفي هذا الإطار، حثّت المنظمتان الدول المانحة على توفير 266 مليون دولار إضافية على الأقلّ بحلول نهاية عام 2022 للوصول إلى أكثر من 10 ملايين شخص ضعيف بحسب ما كان مخططاً له في بداية العام.
لكنّ مدير إدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة السودانية عمار حسن بشير يستبعد تماماً حدوث مجاعة في البلاد، ويقول لـ”العربي الجديد” إنّ “ما يصدر من تقارير دولية في هذا الشأن غير واقعي وله أغراضه الخاصة”. وينبّه بشير إلى “ثغرات تتحمّل مسؤوليتها جهات عدّة”، لافتاً إلى “عدم توفّر مخزون استراتيجي وقد تمّ التصرّف بما كان متوفّراً من مخزون في الأشهر الماضية”. وينتقد بشير “عدم خروج الجهات المسؤولة عن المخزون الاستراتيجي إلى العلن لنفي تلك المعلومات أو إثباتها”.
ويتحدّث بشير عن “أربعة أسباب تنفي فرضية وقوع مجاعة أو نقص حاد في الغذاء”، مفصّلاً “فائض حصاد من الموسم الزراعي الماضي، في مقدّمته القمح وبنسب كبيرة، مع توفّر الإنتاج الحالي بنسبة كبيرة جداً، ووفرة المياه في خريف هذا العام، الأمر الذي يتيح الفرصة لريّ مساحات واسعة من المشاريع الزراعية الذي تعتمد على مياه الأمطار، خصوصاً في الجنوب والجنوب الشرقي والغرب، بالإضافة إلى توفّر المعينات اللوجستية للزراعة، وكذلك اتّجاه السودان نحو الإنتاح الزراعي على الرغم من كلّ العوائق”. ويبدي بشير أسفه لـ”نشر المنظمات الدولية تقاريرها من دون أن تحدّد بطريقة قاطعة الأسباب التي يمكن أن تُحدث مجاعة في بلد مثل السودان الغني بالموارد”، متابعاً أنّ “ما أشار إليه برنامج الغذاء العالمي هو جزئيات صغيرة للتبشير بالمجاعة من دون مراعاة العوامل الأبرز والواقعية”.
وفي حال صحّت التوقعات ووقعت المجاعة أو النقص الحاد في الغذاء، يقول الخبير في مجالات العون الإنساني عباس فضل إنّه يراهن على “المساعدات الدولية الإنسانية وعلى منظمات المجتمع المدني والخيّرين في السودان للتقليل والحدّ من آثارها”. ويبيّن فضل لـ”العربي الجديد” أنّ العالم لا يربط دعمه الإنساني مطلقاً بالأوضاع السياسية في البلاد، وسوف يقدّم للمتضرّرين نسبة كبيرة من المساعدات المنقذة للحياة”.
ويشير فضل إلى أنّ “تركيبة المجتمع السوداني تقوم على التراحم والتكافل في اللحظات الحرجة مثلما حدث في حالة النقص في الغذاء التي شهدتها البلاد في العامَين 1984 و1985 وحالات أخرى”، مشدّداً على أنّ “الحكومة بسياساتها الخرقاء تتحمّل مسئولية عدم تشجيع الإنتاج بزيادة أسعار الوقود وأسعار الكهرباء في المشاريع التي تعتمد على الإمداد الكهربائي، بالتالي تكون النتيجة ضعف الإنتاج ونقص الغذاء”.
إقرأ المزيد