أخبار الاقتصاد المحلية

السودان في قبضة التضخم: كيف قاد النهب وسوء الإدارة إلى انهيار الاقتصاد؟

الخرطوم – صقر الجديان

يعيش السودان اليوم واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية في تاريخه الحديث، حيث تلتهم نيران التضخم دخول المواطنين وتحوّل الحياة اليومية إلى معركة قاسية من أجل البقاء.

لم تأتِ هذه الكارثة من فراغ؛ بل هي نتيجة مباشرة لمسار طويل من الفساد المؤسسي، ونهب الموارد، وسوء الإدارة الذي اتبعته الحكومات المتعاقبة، وتفاقم بصورة كارثية مع حكم البرهان وحكومته.

النهب المنظم لموارد الدولة

يُعد النهب الممنهج للموارد السودانية، وعلى رأسها الذهب والنفط والأراضي الزراعية، السبب الأبرز وراء دخول البلاد في دوامة التضخم.

بدلاً من أن تُستثمر هذه الموارد في بناء اقتصاد متماسك، تحولت إلى مصدر إثراء لدوائر ضيقة مرتبطة بالسلطة العسكرية والسياسية.

ذهب السودان الذي يُقدَّر إنتاجه بعشرات الأطنان سنوياً يُهرَّب خارج البلاد عبر شبكات فساد متداخلة، بينما يُترك المواطن يواجه الغلاء بلا حماية ولا دعم.

لقد كان من الممكن لهذه الثروات أن تؤسس لبنية تحتية قوية، وتدعم الزراعة والصناعة، وتوفر الأمن الغذائي والدوائي. لكن بدلاً من ذلك، تحولت إلى أداة لشراء الولاءات وتمويل الصراعات، ما جعل الدولة عاجزة عن السيطرة على التضخم أو حتى توفير أبسط مقومات الحياة.

سوء الإدارة وغياب السياسات الاقتصادية الرشيدة

لا يقتصر الأمر على النهب فقط، بل يتجلى الفشل الأكبر في غياب رؤية اقتصادية واضحة لدى الحكومات المتعاقبة، وخصوصاً في ظل حكم البرهان.

القرارات المرتجلة، مثل التوسع في طباعة العملة لتمويل العجز، وغياب الرقابة على الأسواق، وترك سعر الصرف رهينة للمضاربات، كلها عوامل دفعت الجنيه السوداني نحو انهيار متواصل.

إلى جانب ذلك، تجاهلت الحكومة وضع سياسات جادة لمكافحة التضخم أو جذب الاستثمارات. انعدمت الشفافية، وفُضّلت المصالح الشخصية على المصلحة العامة، الأمر الذي جعل التضخم يتجاوز حدود الاقتصاد ليصبح أزمة اجتماعية وسياسية شاملة تهدد بقاء الدولة ذاتها.

إن التضخم الذي يعيشه السودان اليوم ليس أزمة اقتصادية عابرة، بل هو نتاج مباشر لنهج طويل من النهب وسوء الإدارة.

الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، مع انعدام التخطيط والإرادة السياسية للإصلاح، وضع السودان في دوامة يصعب الخروج منها دون تغيير جذري في القيادة والسياسات.

فالأزمة المعيشية التي تخنق المواطنين ليست إلا انعكاساً لفشل نظام حوّل ثروات البلاد إلى ملكية خاصة، وترك الشعب يدفع الثمن من قوته وصحته ومستقبله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى