السودان في معركة تهدئة الأسعار على جبهة الوقود
تراجع أسعار الوقود في السودان يأتي في سياق المحاولات لامتصاص الغضب الشعبي.
الخرطوم – صقر الجديان
اعتبر خبراء أن مساعي السودان لتهدئة أسعار الوقود ستمنح المواطنين والشركات والقطاعات الأخرى التي تعتمد في نشاطها على مشتقات النفط فرصة لالتقاط الأنفاس في طريق استكمال المعركة للسيطرة على التضخم، لكنها قد تتعرض إلى عثرة إذا قفزت الأسواق العالمية مرة أخرى.
سمح انحسار أسعار النفط في الأسواق العالمية بشكل طفيف خلال الآونة الماضية للحكومة السودانية بخفض بعض أسعار المحروقات، وهي إحدى الخطوات النادرة التي تتخذها منذ أن بدأت في تحريرها قبل أكثر من عامين.
وسيلحظ السودانيون مع بدء سريان قرار وزارة الطاقة والنفط الجمعة تغييرا نزوليا في أسعار المنتجات البترولية، وهو الثاني هذا العام، في إطار سياستها بالمراجعة الشهرية حسب الأسعار العالمية.
وأوضحت الوزارة أن سعر بيع البنزين سيكون 520 جنيها للتر (0.92 دولار)، أي بنسبة انخفاض تبلغ 4.9 في المئة عن الشهر السابق. أما سعر الغازولين (الديزل) فسيصبح 600 جنيه للتر (أكثر من دولار) بنسبة انخفاض قدرها 4.5 في المئة.
وأشارت في بيان نشرته وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى أن هذه الأسعار بالعاصمة الخرطوم، حيث هناك السعر المرجعي لكل الولايات، “لا تشمل الرسوم البالغة 8 جنيهات للتر”. ولم تتطرق الوزارة إلى أنواع الوقود الأخرى مثل غاز الطهو.
الأسعار الجديدة
1 دولار قيمة لتر الديزل بخفض قدره 4.5 في المئة
0.92 دولار قيمة لتر البنزين بخفض قدره 4.9 في المئة
وتخضع عملية التسعير عادة، وفقا لقرار إلغاء الدعم، إلى كلفة الاستيراد التي تشكّل ما بين 71 و75 في المئة من سعر الوقود، حسب تقديرات منصة طاقة لتتبع البيانات.
وتنضاف إلى ذلك تكاليف النقل ورسوم الموانئ وضريبة القيمة المضافة وهامش ربح شركات التوزيع، وهذه التكاليف تشكّل مجتمعة ما بين 25 و29 في المئة من سعر البيع للمستهلك.
وكانت الحكومة قد أعلنت في العام الماضي رفع الدعم نهائيا عن المحروقات ضمن إصلاحات اقتصادية متفق عليها مع صندوق النقد الدولي، شملت تحرير العملة المحلية.
ويأتي خفض أسعار الوقود لشهر مارس الجاري بعد أن سجلت أسعار النفط الخام تراجعا خلال فبراير الماضي مقارنة بمستوياتها في يناير.
وأنهت العقود الآجلة لخامي برنت وغرب تكساس الوسيط في فبرابر الماضي على وقع خسائر شهرية بنحو 0.7 في المئة و2.3 في المئة على التوالي.
ومنذ انفصال جنوب السودان في عام 2011، تراجع إنتاج السودان من النفط، الأمر الذي يدفعه إلى استيراد أكثر من 60 في المئة من حاجته إلى الوقود.
ويغطي الاستيراد نحو 46.7 في المئة من فجوة البنزين المنتج محليا، إذ يبلغ حجم الإنتاج 2400 طن يوميا ويبلغ الاستهلاك المحلي 4500، فيما يغطي استيراد الديزل حوالي 47 في المئة بإنتاج 4700 طن يوميا واستهلاك 10 آلاف طن.
وزارة الطاقة والنفط: السعر المرجعي لا يشمل الرسوم البالغة 8 جنيهات
ويقول محللون إن تراجع أسعار الوقود في السودان يأتي في سياق المحاولات لامتصاص الغضب الشعبي، بعد أن واجهت البلاد خلال الأسبوعين الماضيين أزمة كبيرة في نقص المشتقات النفطية في غالبية محطات الوقود بالبلاد.
وأدت مشكلة شح الوقود التي ضربت أنحاء البلاد خلال الفترة الأخيرة إلى شلل شبه تام في حركة النقل والمواصلات، وظهرت طوابير من السيارات في مختلف الولايات (المحافظات) حول محطات الخدمة من أجل الحصول على الوقود.
وانحصرت هذه الأزمة في السابق بشكل رئيسي في عدم توفر موارد كافية من النقد الأجنبي لتغطية فجوة الإنتاج المحلي من خلال الاستيراد من الخارج، أو بدخول مصفاة الخرطوم للصيانة الدورية وتعطل الإنتاج المحلي.
وعملت الخرطوم منذ شهر يونيو 2021 على تحرير أسعار الوقود بصورة كاملة، مع تولّي الشركات المستوردة للمشتقات النفطية تحديد السعر من حين إلى آخر.
وأدى انهيار أسعار صرف العملة المحلية، وشح إمدادات السلع والنقد الأجنبي، إلى قفزة في أسعار السلع والخدمات بالسوق المحلية، فيما تحاول السلطات معالجة عجز الإيرادات بفرض رسوم وضرائب.
ويعاني السودان من أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهو، نتيجة ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه في الأسواق الموازية، بالإضافة إلى التوترات السياسية.
والبلد كغيره من دول العالم تعرض لمحَنٍ متتالية، فبينما كان يحاول تعديل البوصلة بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، باغتته الأزمة الصحية العالمية ثم تداعيات الحرب في شرق أوروبا لتزداد أوجاعه.
السودانيون سيلحظون مع بدء سريان قرار وزارة الطاقة والنفط الجمعة تغييرا نزوليا في أسعار المنتجات البترولية
ومع ذلك لاحظ خبراء تسجيل الاقتصاد السوداني مؤشرات إيجابية في ظل التراجع المستمر لمعدلات التضخم، ولكن الركود مازال يشل حركة الأنشطة التجارية وقطاع الأعمال عموما كما أنه يزيد من معاناة المستهلكين.
وفي أحدث أرقام جهاز الإحصاء الحكومي، انخفض معدل التضخم السنوي في ديسمبر الماضي ليبلغ 83 في المئة بنهاية يناير الماضي مقارنة مع 87.3 في المئة في الشهر السابق. ولكن هذا الرقم مازال يعد من بين الأعلى على مستوى العالم.
غير أن مشكلة العجز المالي ستظل جاثمة على الحكومة لبعض الوقت، حيث أنها تتوقع أن يصل هذا العام إلى 1.4 مليار دولار من ميزانية حجمها 26.8 مليار دولار، وهي تعد من بين الأضعف في المنطقة العربية، ببلد يضم أكثر من 40 مليون نسمة.
وأشار خبراء البنك الدولي في تقرير “الآفاق الاقتصادية العالمية”، الذي تم إصداره مؤخرا، إلى أنه “يمكن أن تؤدي الديون وعدم اليقين بشأن السياسات والعنف والصراع إلى إبقاء وتيرة التعافي والنمو منخفضة وبطيئة”.
وتوقعوا أن يحقق الاقتصاد السوداني نموا في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام ليبلغ نحو اثنين في المئة بعد ثلاث سنوات من الانكماش، على أن يبلغ العام المقبل نحو 2.5 في المئة.
ولكنهم أكدوا أيضا أن أي تباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي قد يمثل تحديا هائلا للتنمية في بلد محاصر بقلة الفرص الاستثمارية وخمول في الأعمال ونسبة بطالة مرتفعة.
وذكر تقرير البنك “يمكن أن تزيد العوائد بنسبة 1.2 في المئة فقط في المتوسط خلال 2023 و2024، لكنه معدل أبطأ بكثير مقارنة بما هو مطلوب للحفاظ على التقدم في الحد من الفقر وعكس خسائر الدخل التي تكبدتها البلاد بسبب جائحة كورونا وغيرها”.