السودان.. ناجون من “مجزرة دارفور” يعيشون ظروفا إنسانية مؤلمة
الخرطوم – صقر الجديان
قبل أشهر قليلة، احتفت حواء إسماعيل مع جيرانها وأفراد أسرتها بإعادة بناء بيت صغير من المواد المحلية البسيطة، في موقع بيتها القديم الذي أحرقته مليشيات مسلحة منتصف العام الماضي، بإقليم دارفور.
لكنها لم تهنأ ببيتها الجديد كثيرا، فقد تعرض للحرق مرة أخرى بكل ما يحتويه من متاع بسيط، وقدر قليل من حبوب الذرة التي كانت تعتمد عليها في سد رمق أسرتها.
إلا أن هذه ليست كل مأساة حواء الحامل في شهرها الثامن، فقد قتل طفلها الوحيد البالغ من العمر أقل من 3 سنوات ضمن أكثر من 200 شخص في الهجمات الدامية التي طالت الأحد منطقة كرينك بإقليم دارفور المنهك بالحروب.
ويعيش الآلاف من سكان المنطقة أوضاعا إنسانية بالغة الصعوبة في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي يواجهونها، ووفقا لخالد بوش، أحد الشباب الناشطين في المنطقة الذين يعملون على مساعدة النساء والأطفال والشيوخ على الحصول على المأوى والقليل من الطعام والدواء، فإن الأوضاع الإنسانية تتدهور بشكل مريع.
وقال بوش لموقع “سكاي نيوز عربية” عبر الهاتف من كرينك، إن الكثير من السكان البالغ عددهم نحو 40 ألفا يعانون كثيرا في الحصول على لقمة عيش تسد رمقهم، بعد أن أحرقت المؤن الغذائية المخزنة في البيوت، وانقطعت طرق الوصول إلى المدن القريبة.
وأضاف: “رأيت أطفالا دون السادسة يبحثون عن بقايا طعام في ركام الحريق الذي طال حتى المتاجر الصغيرة”.
وتتزايد الماساة أكثر في ظل الأضرار البالغة التي شهدتها المنشآت الصحية والخدمية القليلة المتوافرة في المنطقة.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية في بيان، الإثنين، إنه “منذ اندلاع أحداث مدينة كرينك الأحد، تعرض المستشفى الرئيسي في مدينة الجنينة على بعد 80 كيلومترا من كرينك لهجمات واعتداءات على الأطباء والكوادر الصحية، مما عرض حياة المرضى للخطر، وأعاق عمليات علاج المصابين في تلك الأحداث”.
وأدت الأحداث إلى فرار أكثر من 20 ألفا من سكان المنطقة والاحتماء بالحبال والمناطق القريبة الأقل خطورة، لكن حتى هؤلاء يعيشون رعبا مستمرا بسبب اتساع رقعة الهجمات وانعدام الغذاء والماوى في منطقة صعبة التضاريس، تنتشر فيها الزواحف والحشرات الضارة.
وفيما دان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عمليات قتل المدنيين وطالب بوقف العنف وإجراء تحقيق شفاف تنشر نتائجه علنا، عبرت هيئات ومنظمات محلية عن خيبة أملها مما سمته “تقاعس” المجتمع الدولي وعدم اهتمامه بالمجازر الجارية في دارفور حاليا.
وقال محمد يوسف أحمد رئيس الحركة الشعبية شمال – مناطق سيطرة الحكومة – إن “عمليات القتل والإبادة والحرق والاغتصاب التي جرت خلال الساعات الماضية تشكل استهانة بكرامة الإنسان السوداني”.
وتعتبر الأحداث الأخيرة التي اندلعت في الساعات الاولى من صباح الأحد، واحدة من سلسلة أحداث ظل يعيشها إقليم دارفور منذ اندلاع الحرب فيه عام 2003، التي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف قتيل وشرد بسببها نحو 2.5 ملايين معظمهم من الأطفال والنساء، ويعيشون حاليا في معسكرات تفتقد لأبسط مقومات الحياة.
وشهدت الحرب انتهاكات واسعة شملت عمليات اغتصاب وحرق، مما دعا المحكمة الجنائية الدولية لاستصدار أوامر قبض على عدد من قادة النظام السابق، وأولهم الرئيس المعزول عمر البشير.
وبعد توقيع اتفاق السلام في أكتوبر 2020 مع عدد من الحركات الدارفورية المسلحة، تعهدت الحكومة السودانية بتعزيز الأمن في كافة مناطق الإقليم، لكن بند الترتيبات الأمنية الذي يعتبر أهم بنود الاتفاق لا يزال يواجه صعوبات كبيرة، في ظل تواجد معظم قادة تلك الحركات في الخرطوم، ومشاركتهم في السلطة المركزية القائمة حاليا.