السودان.. وصفة “حميدتي” تبحث عمن يصرفها (تقرير)
- الجيش السوداني التزم الصمت وبدا زاهدا في الحوار مع قائد قوات "الدعم السريع"، وفيما لم تعلن قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا) موقفا واضحا، كشف تحالف سياسي عن رفض صريح لتلك الرؤية..
الخرطوم – صقر الجديان
خرج قائد قوات “الدعم السريع” في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) برؤية لحل سياسي شامل للأزمة في ظل حرب متواصلة بين قواته والجيش منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي.
هذا الطرح جاء في ظل عدم تحقيق أي من الطرفين لمكاسب عسكرية واضحة في حرب تقترب من شهرها الخامس، وخلّفت أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وما يزيد عن 4 ملايين نازح ولاجئ داخل وخارج إحدى أفقر دول العالم..
ولم تخرج رؤية “الدعم السريع” عن مبادرة وخطط طُرحت سابقا وشددت على ضرورة معالجة جذور الأزمة السودانية.
ومساء الأحد الماضي، طرح حميدتي موقف قواته من الحل الشامل غبر رؤية لبناء “دولة سودانية على أسس جديدة”.
واعتبر أن “النظام الفيدرالي غير التماثلي، الذي تتفاوت فيه طبيعة ونوع السلطات التي تتمتع بها الوحدات المكونة للاتحاد الفدرالي، هو الأنسب لحكم السودان”.
حميدتي دعا إلى بناء “سودان جديد” قائم على الديمقراطية والاعتراف بالتنوع والتسامح والسلام الحقيقي، معتبرا أن هذا النظام الجديد لا يمكن تحقيقه إلا من خلال “العدالة الاجتماعية”.
وأكد أن المدخل الصحيح لتحقيق السلام المستدام هو “إنهاء وإيقاف العنف البنيوي، الذي تمارسه الدولة ضد قطاعات واسعة من السودانيين، لا سيما في أطراف السودان”.
وبالنسبة للحرب الدائرة في السودان، اعتبر أنها “انعكاس أو مظهر من مظاهر الأزمة السودانية الطويلة، والتي يتطلب إنهائها البحث عن اتفاق لوقف إطلاق نار طويل الأمد، مقرونا بمبادئ الحل السياسي الشامل، الذي يعالج الأسباب الجذرية لحروب السودان”.
رفض من البرهان
ولم تجد رؤية حميدتي أي ردود أفعال من القوى الرئيسية وقاعدتها في البلاد، وعلى رأسهم رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان.
فخلال مخاطبته قوات الجيش في قاعدة فلمينغو العسكرية بولاية البحر (شرق) الإثنين الماضي، بدا البرهان زاهدا في الحوار بقوله: “لا نتفق مع الخونة أو أي جهة ثانية خانت الشعب السوداني”.
وتابع: “الحرب بدأت بكذبة، ادعوا (يقصد “الدعم السريع”) أنهم يقاتلون الفلول والكيزان (أنصار الرئيس المعزول عمر البشير 1989-2019)، لكن نحن جيش وسنقاتل إلى النهاية. وإذا الحرب كملتنا (قضت علينا) فهذه البلاد بخيتة وسعيدة عليهم (مبروكة عليهم)”.
البرهان أردف: “نحن على حق ولم نبدأ هذه الحرب ولم نسع إليها، هم (“الدعم السريع”) من بدأوها وسيُهزمون شر هزيمة”.
كما لم تبد قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، وهو الائتلاف الحاكم سابقا، أي تجاوب واضح مع رؤية حميدتي، ، فيما التزمت الصمت قوى سياسية أخرى، بينها الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في 2020 والمشاركة في السلطة حاليا.
بينما جاء الموقف الواضح من تحالف قوي التغيير الجذري، بقيادة تجمع المهنيين والحزب الشيوعي، إذ أعلن هذه التحالف رفضه لرؤية حميدتي.
ووصف التحالف، في بيان الثلاثاء الماضي، قوات “الدعم السريع” بـ”المليشيا”، مطالبا بحلها ومحاكمة قادتها على جرائمهم في إقليم دارفور (غرب) وفي الحرب التي تشهدها البلاد.
إنهاء الأزمة
القيادي في قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا) محمد عبد الحكم قال للأناضول إن “أي أطروحات سياسية لإنهاء الحرب مرحب بها، لوقف نزيف الدم ومنع دمار ما تبقى من منازل وبنى تحتية في البلاد”.
وأضاف عبد الحكم: “نعتقد في قوى الحرية والتغيير أن الأولوية الوطنية القصوى الآن هي انتهاج المسار التفاوضي لوقف إطلاق النار وفتح مسارات إنسانية فورية لإسناد المواطنين الذين يعانون ويلات هذه الحرب”.
وفي 6 مايو/ أيار الماضي، بدأت السعودية والولايات المتحدة برعاية محادثات في مدينة جدة السعودية بين الجيش السوداني و”الدعم السريع”، أسفرت عن اتفاق لحماية المدنيين، بالإضافة إلى أكثر من هدنة جرى خرقها؛ مما دفع البلدان إلى تعليق المفاوضات في أوائل يونيو/ حزيران الماضي.
ولفت إلى أن قوى الحرية والتغيير طرحت رؤية سياسية متكاملة لإنهاء الحرب وإعادة الإعمار وجبر الضرر (دفع تعويضات) واستعادة التحول المدني الديمقراطي
عبد الحكم تابع: “ونسعى حاليا إلى التشاور مع القوى المدنية الأخرى المناهضة للحرب والداعمة لاستعادة المسار المدني الكامل، والجيش القومي المهني الموحد، ونأى العسكر عن السياسة”.
وحين كان متحالفا مع حميدتي، فرض البرهان في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إجراءات استثنائية يعتبرها الرافضون “انقلابا عسكريا”، بينما قال هو إنها هدفت إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، ووعد بتسليم السلطة للمدنيين عبر انتخابات أو توافق وطني.
وأكد عبد الحكم أن “الطريق لإنهاء الحرب يتم بدمج كامل لحركات الكفاح المسلح وقوات الدعم السريع في الجيش بمصفوفة موضوعية متفق عليها، خاصة بين طرفي الاقتتال الحاليين”.
وزاد بأن “اقتراب توحد جل القوى المدنية المناهضة للحرب سيشكل قوة دفع إضافية لحث المتحاربين على وقف الحرب، ومن ثم ترتيب وضعهم العسكري الداخلي بعمليات دمج متفق حولها، والذهاب إلى الثكنات بعد محاسبة كل من ارتكب جرما في حق البلاد وإنسانها”.
لا جديد
أما الكاتب والمحلل السياسي عثمان فضل الله فقال إن “النقاط التي طرحها الدعم السريع كرؤية كلية لحلحلة الأزمة لم تأت جديد”.
وأضاف أن “معظم النقاط في الرؤية هي ما ظلت ترددها النخب السياسية كعناوين لحل الأزمة خلال السنوات الماضية”.
ومنتقدا إحدى فقرات رؤية حميدتي، قال فضل الله: “فقرة تشكيل جيش جديد يقوم على المحاصصات الإثنية من الممكن أن تثير جدلا واسعا”.
وأوضح أن “الجيش في أدب السياسة السودانية هو مؤسسة قومية يتوجب أن يكون الولاء لها والوطن فقط، وإدخال المحاصصة القبيلة فيه سيذهب بهذه الميزة حتى وإن كانت الآن نظرية”.
ورؤية حميدتي تدعو إلى بناء مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة تنأى عن السياسة و”تعكس تنوع السودان في قيادتها وقاعدتها وفقا للثقل السكاني، وتقوم بمهام حماية الدستور والنظام الديمقراطي، وتحترم المبدأ الثابت في المجتمع الديمقراطي القاضي بخضوع المؤسسة العسكرية للسيطرة والإشراف المدنيين”.
ويتبادل الجيش و”الدعم السريع” اتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال وارتكاب انتهاكات خلال الهدنات المتتالية، وبين حميدتي والبرهان خلافات أبرزها بشأن المدى الزمني لتنفيذ مقترح لدمج “الدعم السريع” في الجيش، وهو بند رئيسي في اتفاق كان مأمولا لإعادة السلطة في المرحلة الانتقالية إلى المدنيين.