السودان يحاول تخفيف أزماته المالية بتوسيع مظلة الضرائب
تشوهات النظام وانتشار التهرب الجبائي يربكان عمليات التحصيل.
الخرطوم – صقر الجديان
فرضت الاختلالات المالية المزمنة على السلطات السودانية التفكير في توسيع مظلة الضرائب لجني أكبر قدر ممكن من الإيرادات لميزانية الدولة، في ظل إقرار المسؤولين استنادا على المؤشرات الدولية بأن بلدهم يعتبر الأضعف في تحصيل الجباية.
يواجه السودان تحديا مفصليا مهما هذه المرة في طريق تجسيد خطط الإصلاح الاقتصادي، والتي تأخرت كثيرا بسبب التقلبات السياسية، حيث تتعلق في جزء أساسي منها بالضرائب بعدما باتت أحد الملفات المستعجلة الموضوعة على الطاولة.
ويبحث المسؤولون في البلد الذي يمر بأزمة مالية خانقة بسبب العديد من العوامل الداخلية والخارجية، تعزيز إيرادات الخزينة العامة، وفي الوقت ذاته إحلال العدالة الجبائية ودون التأثير على المستثمرين وقطاع الأعمال وأيضا المستهلكين.
وأكد وزير المالية جبريل إبراهيم اهتمام الحكومة بالتوسع في التحصيل وتوسيع المظلة الضريبية لتحقيق العدالة في مجال تحصيل الضرائب والوصول إلى مكلفين جدد.
وتعطي المؤشرات الدولية صورة صادمة عن ضعف النظام الضريبي المعمول به حاليا والذي أدى إلى نشوء فجوة مع حجم الاقتصاد الكلي، في بلد يعاني من شح الموارد ويعتمد على المساعدات الخارجية.
جبريل إبراهيم: السودان ثاني أقل دول القارة في التحصيل بعد جنوب أفريقيا
ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى إبراهيم قوله خلال زيارته إلى الأمانة العامة لديوان الضرائب في وقت سابق هذا الأسبوع إن بلاده “تعتبر ثاني أقل دولة أفريقية في تحصيل الضرائب بعد دولة جنوب أفريقيا”.
وأضاف “يجب مضاعفة الجهود لتنفيذ التحول الرقمي لتعظيم الإيرادات الضريبية وتقليل الفاقد بما يسهم في تحقيق أهداف ميزانية 2023 وتلبية توقعاتها بمضاعفة الإيرادات”.
وقررت الحكومة في ميزانية هذا العام، التي تمت المصادقة عليها في أواخر يناير الماضي، الاعتماد على الإيرادات المحلية التي تتمثل في الضرائب والرسوم الحكومية وعائدات الذهب والنفط.
وحصر المجتمع الدولي دعمه للخرطوم في الشؤون الإنسانية فقط، بعد أن علق مساعدات وقروضا تبلغ مليارات من الدولارات عقب سيطرة الجيش في أكتوبر 2021 على السلطة، وشمل التعليق عملية إعفاء نحو 50 مليار دولار من ديون البلاد.
وتشير وثيقة الميزانية، التي تعتبر الأضعف بين العديد من الدول العربية، إلى أنها تتضمن عجزا بنسبة 1.4 في المئة، حيث من المتوقع أن تبلغ الإيرادات نحو 13 مليار دولار، بينما الإنفاق سيصل إلى 14.5 مليار دولار.
وتستهدف الحكومة جمع نحو 3.2 مليار دولار هذا العام من الضرائب، وهو المبلغ ذاته، الذي قامت بتحصيله في ميزانية العام الماضي.
وخلال الفترة الأخيرة، أصدرت الحكومة العديد من التعديلات على قوانين الضرائب دون مشاركة القطاع الخاص تضمنت قوانين وتعديلات على العديد من المجالات والقطاعات.
ووفق معطيات رسمية، تضمنت التعديلات الضريبة على الإنتاج الزراعي ومضاعفة وزيادة فئات الضرائب على الدخل وربط تقدير الضرائب بالتقدير الجمركي رغم علاقة ذلك بالتهرب الضريبي عبر اللجوء إلى استئجار السجلات وأثرها السلبي على الاقتصاد.
3.2
مليار دولار تتوقع الحكومة جمعها من إيرادات ميزانية 2023 التي تبلغ 13 مليار دولار
كما تمت مضاعفة ضريبة أرباح الأعمال لتصبح 30 في المئة، إلى جانب الطريقة التي يتم بها تقدير أرباح الأعمال للشركات وانعدام المرونة في تحديد المبلغ المطلوب لقبول الاستئنافات.
وتعتقد الشركات أن إعادة خفض ضرائب أرباح الأعمال إلى 15 في المئة أمر ضروري لتحريك نشاط القطاعات الإنتاجية استنادا إلى تجربة ناجحة سابقة ساهمت في توسيع المظلة الضريبية وزيادة الإيرادات.
وترى أن ذلك يجب أن يستهدف تعامل الأنشطة ذات الطابع المعتمد على عدد عمالة أكثر من 20 شخصا بضريبة خاصة الأنشطة الزراعية والصناعية والخدمية التي تعتمد على الميكنة وتحقيق العدالة الضريبية على الدخل ورأس المال للحد من التهرب الضريبي.
وتجمع الأوساط الاقتصادية على أن البلاد تخوض معركة صعبة لإغراء رجال الأعمال سواء أكانوا محليين أم أجانب بالاستثمار في البلاد نتيجة جمود الإصلاحات رغم جهود السلطات لتقديم صورة وردية لبيئة الأعمال وتأكيد أن الاقتصاد يتجه إلى الانتعاش.
وعانى الاقتصاد السوداني طيلة عقود من اختلال في توازن القطاع الخارجي وضعف في القطاع المصرفي بجانب المشكلات الهيكلية المتمثلة في ضعف الإنتاج والإنتاجية وتهالك وعدم كفاية البنى الأساسية.
محمد علي مصطفى: نعمل على ربط نظام الضرائب مع نظام التحصيل الإلكتروني
كما أن التدهور في البنية التحتية لقطاع الخدمات الاجتماعية وضعف الحوكمة المالية وضعف البيئة المحفزة للقطاع الخاص والتدهور في الخدمات الاجتماعية أحد أسباب الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة في البلاد.
ويرى محمد علي مصطفى الأمين العام لديوان الضرائب أن الضرورة تقتضي بذل المزيد من الجهود لتعتمد الدولة على ذاتها، وكشف عن جهود حساب الأداء بالديوان التي تشمل النظام الأساسي ونظام الفاتورة الإلكترونية.
وأشار إلى أن ثمة مشاريع قيد التنفيذ حاليا وأهمها مشروع ربط النظام الضريبي مع نظام التحصيل الإلكتروني التي يطلق عليه اسم “باورنيك 15”.
ويتطلع ديوان الضرائب إلى تحقيق ربط يتجاوز 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وذلك بتنفيذ الفاتورة الإلكترونية التي تضمن ضبط الإيرادات وشفافية الأداء وعدالة التحصيل.
ولا توجد إحصائيات دقيقة بشأن المتهربين ضريبيا، لكن الديوان يقول إن عدد التجار المسجلين في سجلاته والخاضعين للجباية يبلغ 192 ألف تاجر، يتمركز أكثر من 115 ألف منهم بالعاصمة الخرطوم.
وكان أكبر تجمع للأعمال بالبلاد قد انتقد قبل أشهر إقصاء القطاع الخاص من أي خطط أو برامج في مسار إصلاح النظام الضريبي.
ولدى الاتحاد قلق من أن تتأثر الشراكة بينه وديوان الضرائب القائمة على النقاش والتعاون مع الجهات المعنية والمتحدث باسم دافعي الضرائب والمكلفين الأمر الذي يتطلب إجراء حوار لبناء الثقة بين سلطات الضرائب والمكلفين تعزيزا لمبدأ متطلبات الالتزام الطوعي.
وأقر الاتحاد في ورقة عمل بعنوان “بناء الثقة وتعزيز الالتزام الطوعي” أن الواقع الذي يمر به السودان، والذي اجتاح كل مفاصل الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، يتطلب تضافر جهود مؤسسات الدولة لإدارة التغيير المطلوب.