السودان يعيد التركيز على البذور الأصلية لتعزيز إنتاجية المحاصيل
مساع حكومية لتعزيز إنتاجية المحاصيل وتجاوز موجة الجفاف.
الخرطوم – صقر الجديان
شرع المسؤولون السودانيون في تنسيق جهودهم لإعادة التركيز على استخدام البذور الأصلية، في مسعى لتعزيز إنتاجية المحاصيل وتجاوز موجة الجفاف التي تضرب البلاد منذ سنوات وجعلت الزراعة من أضعف القطاعات مردودية.
ويقول المختصون إن الفرق الواضح الذي يمكن ملاحظته هو جودة المنتج والقيم الغذائية العالية التي تحملها البذور الطبيعية، كما أنها تتمتع بقدرة أكبر على مقاومة الآفات والتأقلم مع الرطوبة، واستهلاكها للمياه أقل مقارنة بالبذور الأخرى.
وبدأت الكثير من الحكومات العربية في الفترة الأخيرة تسير في هذا الاتجاه من أجل مقاومة التحديات والصعوبات التي تواجه توفير الغذاء لسكان بلدانها.
ويعد استخدام البذور الأصلية، أو كما يطلق عليها في السودان ومصر اسم “التقاوي”، ذات الجودة العالية من أهم المدخلات الزراعية ويشكل تكوينها الوراثي سقفا للإنتاجية التي تسهم في تحقيقها المدخلات الأخرى.
عمر البشري: نعمل على تطوير رصيدنا من الأصناف ذات الجودة العالية
وحظي القطاع العام في الفترة الماضية بدعم مادي وفني من جهات خارجية مما ساعد على تطوير البنية التحتية لإنتاج التقاوي الجيدة واعتمادها، بالإضافة إلى تأهيل وتدريب عدد من الكوادر في هذا المجال.
ولتأكيد جدوى هذا الأمر نظم المجلس القومي للتقاوي في وزارة الزراعة والغابات السودانية ورشة عمل بالخرطوم مؤخرا لتدشين السياسة الوطنية للتقاوي بالتعاون مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد).
وكان إيفاد قد طرح في العام 2014 فكرة تمويل مشروع إنتاج البذور الأصلية في السودان، لكن من الواضح أن الخطة تعثرت مرارا بسبب ما عاشه البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية ومالية حادة من أزمات مركبة نتيجة سوء إدارة الحكومات المتعاقبة لملف الاقتصاد.
واعتبر وزير الزراعة المكلف عمر البشري أن التعاون مع القطاع الخاص أمر مهم باعتباره شريكا للخروج من الأزمة عبر تطوير رصيد من البذور التي يمكن الاستفادة منها مستقبلا في زيادة إنتاجية المحاصيل، سواء منها الحبوب أو الخضروات.
ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى البشري قوله إن “الوزارة بدأت بالفعل في إدخال أصناف من المحاصيل واعتماد التقاوي بالشراكة مع القطاع الخاص بسياسات ضامنة تسهم في تطوير المحاصيل الجيدة”.
وتشمل استراتيجية وزارة الزراعة ترقية واستنباط أصناف عالية الإنتاجية والنوعية من البذور الأصلية مع توفيرها كميات كافية لكل المناطق وتطوير نظم ضبط ومراقبة توزيعها.
كما تركز السلطات على التشريعات التي ستدعم سياسة استخدام البذور الأصلية من حيث الإنتاج والتسويق عبر المجلس القومي للتقاوي ولجنة إجازة الأصناف والإدارة العامة للتقاوي.
وتقرر تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في التقاوي التي واجهت في الفترات السابقة تحديات ومعوقات عندما تقرر إسناد هذا النشاط إلى المستثمرين في عام 1995، ولكن لم يحدث فارق على ما يبدو حيث لم تحصن الخرطوم نفسها أمام الأزمات.
وقبل عام كانت الحكومة تروج للإمكانيات الزراعية الهائلة غير المستغلة بين المستثمرين مع بدء الانفتاح الاقتصادي في 2019، لكن هذا توقف فجأة في أواخر العام الماضي.
استراتيجية وزارة الزراعة تشمل ترقية واستنباط أصناف عالية الإنتاجية والنوعية من البذور الأصلية مع توفيرها كميات كافية لكل المناطق
ويتوقع برنامج الأغذية العالمي أن يتضاعف عدد الذين يواجهون أزمات أو مستويات حرجة من الجوع، وهما من المراحل السابقة للمجاعة، هذا العام ليبلغ 18 مليونا من سكان البلد البالغ عددهم 46 مليون نسمة.
وحتى مع ارتفاع أسعار القمح العالمية تظهر بيانات البنك المركزي أن السودان استورد 818 ألف طن في الربع الأول من 2022، أي ثلاثة أمثال ما استورده قبل عام.
ويملك السودان مقومات الاستثمار في القطاع مع وفرة الأراضي الصالحة للزراعة بمساحات شاسعة غير مستغلة، لكنه غير قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من حاجته إلى المواد الغذائية الاستهلاكية في ظل نقص الدعم الحكومي والتغير المناخي.
وتفتقر البلاد إلى البنى التحتية، كما أنها تكافح للاستفادة من ملايين الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة بعد أن خسرت عائدات النفط إثر انفصال جنوب السودان، ما جعلها تعاني من أزمة اقتصادية شديدة ومعدل تضخم سنوي بلغت نسبته أكثر من 260 في المئة.
وتشير البيانات الرسمية إلى أنه رغم أن المساحات الصالحة للزراعة تبلغ 175 مليون فدان فإن المزروع منها، بشقيه المعتمد على الأمطار وعلى الري، ظل في حدود 41 مليون فدان.
وكان البنك المركزي قد رفع في أبريل الماضي سقف تمويل المزارعين بغية تشجيع العاملين في القطاع على النشاط ومواجهة التحديات الكثيرة التي تؤثر على عمليات الإنتاج في كامل مناطق البلد المأزوم ماليا واقتصاديا واجتماعيا.
إقرأ المزيد