الصراع القبلي يكرس عدم الاستقرار في السودان
ارتفاع العنف القبلي يتزامن مع فترة الحكم الانتقالي في البلاد متخذا بعدا جديدا يتجاوز الصراع على الموارد إلى نزاع حول الهوية.
الخرطوم – صقر الجديان
اتخذت النزاعات القبلية في السودان منحى عنيفا في الآونة الأخيرة أدى إلى سقوط المئات من القتلى شرق البلاد وغربها وجنوبها. وساهمت في ذلك وفرة السلاح لدى القبائل بشكل واضح مقارنة بما كانت عليه ظروف الصراع القبلي في السنوات السابقة.
وينقسم السودان إلى 18 ولاية، تنتشر فيها المئات من القبائل والمجموعات العرقية التي تتحدث عدة لغات تتفرع منها المئات من اللهجات المحلية، بينما تسيطر العربية بوصفها لغة أولى في البلاد.
ويتزامن ارتفاع العنف القبلي مع فترة الحكم الانتقالي في البلاد، متخذا بعدا جديدا يتجاوز الصراع على الموارد إلى نزاع حول الهوية بين أصحاب الأرض الأصليين وآخرين وافدين.
ويرجع محللون ازدياد العنف القبلي في فترة ما بعد الثورات إلى الصراع على السلطة بين المكونات المجتمعية في البلاد، إضافة إلى العامل السياسي الذي أدى إلى تأجيج الصراع القبلي باعتبار تداخل الثروة والسلطة فيه.
ويرى المحلل السياسي خالد الفكي أن المشكلات “تعود إلى الصراع على الموارد بين الرعاة والمزارعين، وهي مشكلات قبلية تتفرع إلى أخرى اجتماعية أمنية، وتدخل السياسة العميقة بين القبائل. وكل قوة سياسية، أو جهة، تحاول التكسّب من الصراع”.
خالد الفكي: الحل يكمن في إصدار تشريعات تتعلق بالحكم اللامركزي
وقال “من أجل الحل لا بد من إصدار تشريعات تتعلق بالفيدرالية والحكم اللامركزي والإدارات الأهلية”.
وأضاف أن “الصراع الأمني الإثني يبدو أنه مهدد إستراتيجي تستفيد منه جهات ودول ومخابرات، سواء في ولايات النيل الأزرق أو دارفور أو الشرق أو كردفان”.
وأشار الفكي إلى أن “خطاب الكراهية بدأ الصعود بصورة لافتة للنظر، وهو ضد الأمن والسلام والاستقرار، ولا بد من خطاب إعلامي يدعو إلى السلام وتكوين دولة المواطنة والحقوق والحريات والأمن والسلام”.
وأردف أنه يتوجّب “على الدولة تحمُّل مسؤولياتها ونشْر الأجهزة الأمنية والعسكرية والفصل بين الأطراف المتصارعة وإجلاء الجرحى وتكوين لجان تحقيق في حوادث القتل وتقديم المتورطين إلى محاكم فورية وعادلة”.
ومن جانبه اعتبر الباحث والمحلل السياسي ناصف بشير الأمين أن ظاهرة العنف القبلي التي توسعت في الآونة الأخيرة هي “بفعل فاعل معروف وهو بقايا النظام السابق الذي لم يسقط بالكامل، خاصة في الأجهزة الأمنية”.
وأضاف الأمين أنه “لفهم أسباب ومحركات الاقتتال الأهلي الذي تصاعد مؤخرا في أنحاء السودان، يجب أن ننظر إلى ماذا فعل الانقلاب بعد 25 أكتوبر 2021”.
وفي هذا المجال لفت إلى أن “الانقلاب عمل على إعادة عناصر النظام السابق (نظام الرئيس عمر البشير 1989 – 2019)، خاصة في (مجال) القضاء والنيابة العامة والأجهزة الأمنية”. وتابع “يراهن أعضاء المؤتمر الوطني (حزب البشير) على الزعامات القبلية والدينية للعودة إلى السلطة، بعد أن لفظهم الشعب السوداني، لذلك يشعلون أوار الصراعات القبلية بفرضية فرّق تسُد”.
وأشار الأمين إلى أن “الغرض من إثارة الفتن القبلية وتوسيع نطاقها هو تخويف الشعب بأنهم قادرون على زعزعة الأمن، وجعل ذلك ذريعة لوجود العسكر في السلطة لأنهم يستطيعون فرض الأمن بالقوة”.
وأكمل أن “الفوضى الأمنية واقتتال الأهالي يمكن وضع حد لهما من خلال تحقيق مطالب الثورة السودانية بالحرية والسلام والأمن، وهيكلة وإصلاح القطاع الأمني بالكامل، وحصر السلاح في يد جيش واحد”.
◙ الفوضى الأمنية واقتتال الأهالي يمكن وضع حد لهما من خلال تحقيق مطالب الثورة السودانية بالحرية والسلام والأمن
وفي مايو 2020 أعلنت السلطات تخصيص قوة مشتركة لجمع السلاح في جميع الولايات الثماني عشرة، مكوّنة من الشرطة والجيش وقوات الدعم السريع والمخابرات.
ولا توجد تقديرات رسمية لحجم السلاح المنتشر في أيدي القبائل بدارفور وكردفان، فيما تذكر تقارير أن مئات الآلاف من القطع تملكها القبائل، منها أسلحة ثقيلة.
وبدوره يرى الباحث بمركز الخاتم عدلان للاستنارة أبوهريرة عبدالرحمن أن “جذور الصراعات القبلية في السودان تعود إلى عدة عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية متداخلة، أولها العنصرية الثقافية”. وقال “تعد العنصرية الثقافية محدّدا لمكانة الجماعة على حساب الجماعات الأخرى، وهو ما أنتج عنصريةً سياسيةً، تحتكر من خلالها المناصب”.
وتابع أنه “عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021 استدعى الانقلابيون أصوات المكونات القبلية والجهوية والعشائرية لشرعنة ودعم الانقلاب، عبر دعم تحركاتها باعتبار أن الانقلابيين وهذه المكونات إطارين منافسين لمواجهة قوى الحرية والتغيير، وللتكوينات المدنية الأخرى المناهضة للانقلاب”.
وأشار عبدالرحمن إلى عامل مهم آخر في النزاع القبلي هو “ضعف أجهزة الدولة ومؤسسات الخدمة المدنية، مع العجز عن إصلاح أجهزة الدولة بما في ذلك أجهزة الأمن وإنفاذ القانون”.
واعتبر أن “غياب الاستقرار السياسي واحتداد الصراع على السلطة والقصور العام في أداء الدولة وعدم كفاءة النسق السياسي في الضبط وتحقيق الرضا، كلها عوامل سمحت بتمدّد العنف القبلي الذي يتمظهر أحيانا في شكل تحركات جهوية وقبلية”.
إقرأ المزيد