العطا أداة البرهان السياسية لاستفزاز القوى المدنية السودانية
الخرطوم – صقر الجديان
أثارت تصريحات مساعد قائد الجيش السوداني الفريق ياسر العطا، حول رفض تسليم السلطة استفزاز القوى المدنية في السودان، معتبرةً أن تصريحات العطا، تكشف عن السبب الأساسي لاندلاع الحرب وهو حفاظ الجيش على موقعه ضمن المعادلة السياسية.
الخرطوم- تعاملت قوى مدنية سودانية مع تصريحات الفريق ياسر العطا، مساعد قائد الجيش السوداني بشأن عدم تسليم السلطة لحكومة مدنية واستمرار قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان، على رأس السلطة، باهتمام كبير، حيث اعتبرتها إشارة من ذراع البرهان السياسية “الحركة الإسلامية” على عدم وجود تغير في طريقة التعامل مع الأوضاع في البلاد، وأن الحرب وتداعياتها القاسية لم تستطع إحداث تحول ملموس في رؤية الجيش.
وكرّس العطا، دوره كأداة في يد البرهان، يقوم من خلالها بتوجيه رسائل مثيرة للداخل والخارج أحياناً، وتحول خطابه إلى وسيلة للبطش بجهات تشكك في قدرة الجيش على حسم الموقف عسكرياً مع قوات الدعم السريع ودفعه إلى المفاوضات وتقديم تنازلات.
وعلّقت قوى مدنية عديدة على كلام العطا، وتعامل بعضها معه على أنه تحصيل حاصل لمجمل مواقف المؤسسة العسكرية المُصرة على الاستمرار في الحكم بأي ثمن، ورآه آخرون يصب في مصلحة قوات الدعم السريع ويعزز علاقتها بالقوى المدنية، فقد جرى تبرير الصدام مع الجيش منذ البداية بأنه دفاع عن مدنية الدولة في السودان.
وخاطب ياسر العطا قادة تنسيقية القوى الوطنية التي يرأسها نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار، في أم درمان، السبت، قائلا “الجيش لن يسلم السلطة لقوى سياسية مدنية دون انتخابات، أما فترة الانتقال فإن رأس الدولة فيها سيكون قائد القوات المسلحة”.
ولم تشك دوائر سياسية متابعة للتطورات السودانية في رغبة الجنرال البرهان في الاستمرار في السلطة منذ تدبير الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية في أكتوبر 2021، لكنها اعتقدت أن تجربة الحرب وروافدها يمكن أن تغير في هذه المعادلة، وهو ما دحضه العطا الذي اعترف بوجود عناصر إسلامية تقاتل في صفوف الجيش.
وأشار العطا إلى وجود 12 كتيبة من المقاومة الشعبية تقاتل ضد الدعم السريع في أم درمان من مختلف القوى السياسية، بما فيها عناصر إسلامية تنتمي إلى جماعة الإخوان.
ولم يعد السودانيون بحاجة إلى تأكيد وجود عناصر إسلامية تساند الجيش تحت مسميات مثل المقاومة الشعبية وكتائب الظل، فهناك مؤشرات عدة دلّت على انتشار قيادات وكوادر إسلامية في مناطق متباينة لدعم المؤسسة العسكرية.
وأراد مساعد قائد الجيش إضفاء إثارة على تصريحاته والتشكيك في مصداقية قوى الحرية والتغيير، وربما تقويض دورها الذي بدأ يتزايد خارجيا مع التحركات التي تقوم بها تنسيقية القوى الديمقرطية (تقدم) برئاسة عبدالله حمدوك، ومنع تمددها داخلياً.
وتوعد العطا بمحاسبة “أي عميل وأي خائن”، في إشارة إلى جناح المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير، والذي اتهم بأنه وفّر دعماً سياسياً لقوات الدعم السريع قبل الحرب وبعدها، وهو ما تم نفيه أكثر من مرة، لكن هذه الفكرة لم تبرح ذهن بعض القيادات العسكرية التي تريد التقليل من أهمية تحركات “تقدم” الأخيرة.
ينطوي التمليح السلبي للقوى المدنية على رغبة في تحييد القيادات التي تسعى لوقف الحرب وحث الجيش على تسليم السلطة إلى حكومة مدنية لاحقاً، وإجهاض مساعيها باتجاه المجتمع الدولي الذي يتمسك بفكرة التحول الديمقراطي في السودان.
وأثار حديث ياسر العطا، عن التمسك بالسلطة ردود فعل غاضبة داخل قوى الحرية والتغيير، التي أكدت في مجملها أن مساعد البرهان، كشف عن الباعث الحقيقي للحرب وهو استمرار سيطرة الجيش على السلطة وقطع الطريق على عملية التحول الديمقراطي، وعزل القوى المطالبة بتسليم السلطة لحكومة مدنية.
ويقول مراقبون إن الرسالة التي أراد توصيلها العطا، لمن يهمهم الأمر في السودان تكمن في الثقة التي تحدث بها هذه المرة، وأن الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش في مدينة أم درمان توحي بأنها بداية لاستعادة الكثير من المناطق الأخرى، مستفيداً من تصريحات حادة أطلقت منذ أيام، وتؤكد على مواصلة الحرب ورفض القبول بالتهدئة في رمضان، والتي شدد عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2724.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن تجاوب قوات الدعم السريع مع التهدئة والمفاوضات، منح الجيش ذريعة لتثبيت إنجازاته العسكرية مؤخراً، وتشبثه بمواصلة الحرب إلى حين تحقيق تفوق كامل، ورفض نداءات وقفها من قوى داخلية وخارجية، ما يشير إلى صعوبة المعارك بين الطرفين المتصارعين، لأن حسمها لصالح أحدهما أو استمرارها يعني الدخول في دوامات سياسية جديدة، أراد العطا تحديد بوصلتها مبكرا.