أخبار السياسة المحلية

العقوبات الأمريكية.. هل تخمد حرب السودان أم تأججها؟ (تقرير)

- الولايات المتحدة فرضت عقوبات على رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو

واشنطن – صقر الجديان

للمرة الأولى تطول العقوبات الأمريكية رأس هرم السلطة في السودان رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقبلها بأيام، فرضت عقوبات على قائد “قوات الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

وجاءت العقوبات بعد أكثر من عام و9 أشهر منذ اندلاع الحرب بين الجيش و”قوات الدعم السريع”، وتزامنت مع احتدام الاشتباكات في ولايات سودانية عدة.

ويخوض الجيش و”الدعم السريع” منذ أبريل/ نيسان 2023، حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والخرطوم، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف.

ورأى محلل سياسي في حديث للأناضول، أن التأثير الأكبر للعقوبات سيكون على الشعب، وأنها ستطيل أمد الحرب وتزيد من تشبث البرهان وحميدتي برفضهما الجلوس إلى طاولة التفاوض، وتحد من الدور الأمريكي في الوساطة.

بينما قال آخر إنه رغم عدم وجود استراتيجية أمريكية حيال السودان، إلا العقوبات فعالة للغاية، وذات تأثير على مجريات الحرب، وسبق أن رأينا تأثيرها على نظام حكم الرئيس السابق عمر البشير (1989-2019).

** زعزعة الاستقرار

وفي 16 يناير/ كانون الثاني الجاري، قالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان، إن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها “فرض عقوبات على قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان”.

وصدرت العقوبات “بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098، لفرض عقوبات على أشخاص يزعزعون استقرار السودان ويقوضون هدف الانتقال الديمقراطي”.

وأرجعت فرض العقوبات على البرهان لكونه “عضوا في مجلس إدارة القوات المسلحة، وهي كيان شارك في أعمال أو سياسات تهدد السلام والأمن أو الاستقرار بالسودان”، وفق الأمر التنفيذي.

وزعم أن “القوات المسلحة بقيادة البرهان، شنت هجمات مميتة على المدنيين، بينها غارات جوية ضد البنية التحتية المحمية، بما في ذلك مدارس وأسواق ومستشفيات”، وهو ما نفاه الجيش في إعلانات سابقة.

وتقضي العقوبات بـ”حظر جميع الممتلكات والمصالح في الولايات المتحدة، وحظر أي كيانات مملوكة بشكل مباشر أو غير مباشر، بشكل فردي أو جماعي، بنسبة 50 بالمئة أو أكثر من قبل شخص أو أكثر من المحظورين”.

وفي أول رد فعل على العقوبات، قال البرهان في اليوم التالي خلال لقاء جماهيري بمدينة عطبرة (شمال): “مهما تآمرت وتكالبت علينا الدول والأعداء سننتصر في النهاية”.

وأعلنت الحكومة والجيش السودانيين رفضهما للعقوبات الأمريكية، واعتبرتها الخرطوم “استخفافا” بالشعب.

وسبق أن أعلنت الخزانة الأمريكية في 7 يناير الجاري، فرض عقوبات على حميدتي لـ”دوره في زعزعة الاستقرار وتقويض الانتقال الديمقراطي في السودان”، حسب بيان.

** رفض التفاوض

المحلل السياسي عثمان فضل الله قال إن “الولايات المتحدة كان لها دور رئيسي في تطورات السودان في السنوات الخمس الأخيرة عبر مبعوثيها”.

وأضاف فضل الله للأناضول أن المبعوثين الأمريكيين “ظلوا لفترة طويلة يعملون على أن يمارس الجيش دورا إيجابيا تجاه التحول المدني الديمقراطي، لذا لم تلجأ واشنطن لسلاح العقوبات”.

وتابع: “وحتى بعد اندلاع الحرب، استخدمت العقوبات تدريجيا وكأنها جرس إنذار”.

واعتبر أن “العقوبات الدولية، والأمريكية خاصة، ليست ذات تأثير على المعاقبين، وإنما تأثيرها الأكبر يكون على الشعب السوداني”.

فضل الله رجح أن “العقوبات بحق البرهان وحميدتي ستطيل أمد الحرب، وتزيد من تشبثهما برفض الجلوس إلى طاولة التفاوض”.

وتابع: “أيضا العقوبات ستحد من الدور الأمريكي في الوساطة لإنهاء الحرب؛ لأن واشنطن استبعدت الرجلين المؤثرين في قرار استمرار أو وقف الحرب من دائرة اتصالاتها المباشرة، وستتعامل مع مستويات أدنى منهما”.

ولنحو 20 عاما بين 1997 و2017، ظل السودان تحت عقوبات اقتصادية فرضتها الولايات المتحدة، وكانت بمثابة حمل ثقيل على كاهل الاقتصاد المحلي المتدهور للغاية.

وحرمت العقوبات الاقتصادية، بسبب ادعاءات إيواء السودان للإرهاب، مصارف البلاد من استقبال أو إرسال أي تحويلات خارجية، وفرضت عقوبات على المصارف المخالفة.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، شكرت الخرطوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتوقيعه أمرا تنفيذيا برفع اسم السودان من قائمة ما تعتبرها واشنطن “دول راعية للإرهاب”.

وأدرجت واشنطن السودان في القائمة عام 1993، لاستضافته زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 1991، قبل أن يغادر البلاد في 1996، تحت وطأة ضغوط أمريكية.

** غياب خطة للحل

وفق المحلل السياسي عباس إبراهيم فإن “العقوبات الأمريكية على الجيش والدعم السريع تسعى إلى تقليل قدرتهما على تمويل العمليات العسكرية، مما قد يحد من تصعيد الحرب”.

واستدرك إبراهيم: “ومع ذلك، فإن فعالية العقوبات تعتمد على مدى قدرة الأطراف المتحاربة على إيجاد مصادر تمويل بديلة، مثل تهريب الذهب والدعم الإقليمي غير الرسمي” .

وتابع: “وفي ظل غياب آلية واضحة لمراقبة تنفيذ العقوبات ومنع الالتفاف عليها، فقد لا تحقق النتائج المرجوة في وقف النزاع”.

أما سياسيا، “فيمكن أن تزيد العقوبات من عزلة القادة العسكريين، ما يدفعهم للبحث عن حلفاء جدد، مثل روسيا أو دول إقليمية أخرى، وهو ما قد يساهم في تعقيد الصراع بدلا من إنهائه”، حسب إبراهيم.

واستطرد: “كما أن فرض العقوبات دون مسار دبلوماسي واضح قد يدفع الأطراف المتحاربة إلى التصعيد الميداني لتعزيز موقفها التفاوضي، ما يزيد من معاناة المدنيين ويطيل أمد الحرب”.

واعتبر أن “العقوبات يمكن أن تكون أداة ضغط مهمة، لكنها ليست حلا كافيا لإنهاء الأزمة السودانية”.

ورأى وجوب أن “تترافق (العقوبات) مع جهود دبلوماسية فعالة وخطة شاملة للحل السياسي، تضمن وقف إطلاق النار، وتؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي”.

و”بدون ذلك، قد تؤدي العقوبات إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية دون تحقيق تقدم ملموس نحو السلام”، كما شدد إبراهيم.

** فعالة للغاية

أما المحلل السياسي يوسف حمد فرأى أن العقوبات الأمريكية على البرهان وحميدتي “جدية وفعالة للغاية وذات تأثير على مجريات الحرب”.

وأضاف حمد للأناضول أن “هذه العقوبات مثل غيرها من العقوبات (الأمريكية) التي رأيناها خلال العقود الثلاثة الماضية (على نظام حكم الرئيس السابق عمر البشير)”.

ورأى أنه “من الصعب الحديث عن استراتيجية أمريكية حيال السودان”.

واستدرك: “لكن يمكن الحديث دوما عن فاعلية وقوة العقوبات، وسبق أن رأينا تأثيرها على حكومة البشير” في إشارة العزلة السياسية والعقوبات الاقتصادية.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى