العلماء يحلون أخيرا لغز الدوائر الغريبة في إفريقيا بعد عقود من ظهورها
كشفت دراسة جديدة أن الدوائر الغامضة في الأراضي العشبية في إفريقيا تتكون في الواقع من نبات يطلق عصارة سامة في التربة عندما يموت.
وهناك مئات الآلاف من هذه الدوائر بين جنوب أنغولا وشمال جنوب إفريقيا، يتراوح قطرها من سبعة إلى 50 قدما (2-15 مترا).
ويبدو أن الباحثين مقتنعون بأنهم حددوا أخيرا سبب ظهور البقع الدائرية المجردة، المنتشرة في جميع أنحاء الصحراء العشبية في ناميبيا والتي حيرت المجتمع العلمي لعقود.
وألقوا باللوم على أنواع نباتات الفربيون، المعروفة محليا باسم شجيرة الحليب، والتي تنتج العصارة البيضاء، الصمغية، السامة التي تتسرب من فروعها.
والفربيون عبارة عن نباتات عصارية، بمعنى أن لها أوراقا سميكة، وعادة ما تحتفظ بالمياه في المناخات القاحلة أو نوعية التربة، ويمكن أن تسبب العمى الدائم لدى البشر إذا لامست العصارة العينين.
وهناك نوعان من الفربيون، E. damarana، وE. gummifera، وربما أنواع أخرى مثل E. gregaria، والتي تطلق جميعها نسغا مقاوما للماء عند موتها، ما يثبط نمو النباتات العشبية الأخرى ويخلق دوائر قاحلة وخالية من الملامح.
ووفقا للخبراء، فإن موت الفربيون، وبالتالي إنشاء دوائر خرافية، يتفاقم بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وأجرى خبراء في جامعة بريتوريا، جنوب إفريقيا، وجامعة ITMO في سانت بطرسبرغ، روسيا، الدراسة المتميزة للدوائر الغريبة.
وقالت البروفيسورة ماريون ماير من قسم علوم النبات والتربة بجامعة بريتوريا: “هناك العديد من النظريات حول سبب الدوائر الخيالية. إنها متنوعة للغاية في الآلية لأنها ظاهرة يصعب إثباتها”.
وعملت ماير مع أربعة طلاب دراسات عليا على مدار عدة سنوات، حيث اقتربت من كيمياء التربة والسمية البيولوجية والزوايا الجغرافية.
وأوضحت: “إننا مقتنعون تماما بأن نباتات الفربيون تسببت في هذه الدوائر، وما تزال تسببها حتى اليوم”.
وتقتصر الدوائر الخيالية في الغالب على شريط ضيق، على بعد نحو 30 إلى 60 ميلا (50 إلى 100 كيلومتر) من المحيط الأطلسي، والذي يمتد من جنوب غرب أنغولا، عبر ناميبيا إلى شمال غرب جنوب إفريقيا.
وتم الإبلاغ في عام 2017 أن الدوائر ناتجة جزئيا عن “مهندسي النظام البيئي الجوفي” ، مثل النمل الأبيض أو القوارض.
وهناك تفسير آخر محتمل، يُعرف باسم “نظرية التنظيم الذاتي”، وهو أن التنافس على الماء يتسبب في وضع النباتات بطريقة تسمح للجذور بالوصول إلى تدفق الأمطار بشكل أفضل.
ونظرا لعدم وجود دليل علمي على النظريات السابقة، بدأت البروفيسورة ماير دراسة متعددة التخصصات في عام 2015 حول تأثير أنواع الفربيون على كيمياء التربة والمياه.
ويثبط نبات الفربيون الإنبات ويمتلك أيضا خصائص مضادة للميكروبات ضد البكتيريا في منطقة الجذور، وهو جزء من التربة الموجود بجوار الجذور.
واقترح الباحثون أن النبات استعمر السهول الرملية عندما كانت الظروف المناخية مواتية أكثر في الماضي.
ونظرا لأن التربة الرملية لديها قدرة منخفضة على الاحتفاظ بالمياه، فإن نبات الفربيون سيكون تحت ضغط توفير المياه والمغذيات.
وتدريجيا بمرور الوقت، مع ارتفاع درجات الحرارة، أدى نقص المياه والتنافس على العناصر الغذائية إلى زيادة المنافسة بين هذه النباتات وكان العديد قد تلف.
وارتفاع درجة الحرارة في ناميبيا خلال العقدين أو الثلاثة عقود الماضية يزيد بنحو ثلاثة أضعاف عن متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية المبلغ عنها في القرن العشرين.
ويبدو أن تحلل نباتات الفربيون الميتة وما ينتج عنها من مادة اللاتكس اللزجة التي تنضح وتشتت، تجعل التربة الرملية المحيطة بها مقاومة للماء أو “كارهة للماء”.
ولوحظ أن البذور تنبت داخل الدوائر الغريبة وأن الشتلات تظهر بعد هطول الأمطار بشكل جيد، ولكنها تعيش فقط لفترات قصيرة بعد المطر.
ومع ذلك، فإن الدوائر ليست دائمة، كما يقترح الفريق، حيث أنه في غضون عقود أو حتى قرون، مع هطول الأمطار في بعض الأحيان، سوف تتآكل ببطء السمية داخل الدوائر.
وهذا يعني أن الشتلات ستبقى على قيد الحياة لفترات أطول في الدوائر القديمة حتى يتم تأسيسها بالكامل في النهاية وتصل إلى مرحلة النضج، ولن تكون الدائرة مرئية بعد ذلك لأنها ستكون مغطاة بنمو جديد للنباتات.
وقدمت هذه الدراسة دليلا على أن الفربيون يمكن أن يفسر تشكيل دوائر خرافية في مواقع محددة عبر ناميبيا، حيث تتواجد هذه العصارة مع الدوائر الخيالية.
ويقول الباحثون إن المزيد من الأبحاث جار في مناطق بها العديد من الدوائر الغريبة، وستركز هذه الأبحاث على تحليلات الحمض النووي للتربة والعينات القديمة من حبوب اللقاح النباتية.
وتم نشر الدراسة كاملة في مجلة BMC Ecology.