الفاشر السودانية.. حصار الحاضر يفتح جرح «مذابح» الماضي
الفاشر – صقر الجديان
معارك ضارية في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تفتح جرح ذكريات مذابح أدمت سكان الإقليم قبل عقدين من الزمن
فمع هجوم وشيك على مدينة محاصرة بالفعل بالمجاعة، يتخوف سكان الفاشر من تجدد المذابح العرقية في إقليم دارفور، والتي أسفرت في الماضي عن مقتل ما يصل إلى 300 ألف شخص.
وقالت مصادر عسكرية لـ”العين الإخبارية” إن قوات “الدعم السريع” أحكمت حصارها على العاصمة الفاشر، من أجل اجتياحها.
وأضافت المصادر ذاتها أن قوات “الدعم السريع” حشدت قوات كبيرة وعتادا عسكريا ضخما من أجل السيطرة على الفاشر.
في الوقت نفسه، عزز الجيش السوداني الإمدادات العسكرية بما في ذلك الإنزال الجوي لقاعدته في المدينة، بحسب مصادر تحدثت للعين الإخبارية.
وطبقا للمصادر ذاتها، فإن الجيش السوداني والحركات المسلحة الأخرى يحاولون السيطرة على الأوضاع وحماية الفاشر.
في هذه الأثناء، أفاد سكان محليون الـ”العين الإخبارية” بأن “الاشتباكات الحالية دمرت ما تبقى من الخدمات الضرورية في الكهرباء والمياه والمراكز الصحية”.
وتحدثوا عن آلاف من السكان يعانون الجوع بسبب النقص الحاد في الغذاء، وعدم وصول المساعدات الإنسانية إلى المدينة بسبب الاشتباكات العسكرية المستمرة.
“على شفا مذبحة”
وكان التنافس من أجل السيطرة على الفاشر، آخر مدينة تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية في دارفور، سببا في إطلاق تحذيرات دولية وإقليمية وأممية، تخشى أن تكون إراقة الدماء على نطاق واسع وشيكة.
وقالت ليندا توماس غرينفيلد، المبعوثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، للصحفيين يوم الإثنين، إن المدينة “على شفا مذبحة واسعة النطاق”.
وتعد الفاشر أحدث نقطة اشتعال في الحرب الأهلية المستمرة منذ عام بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”.
ويؤكد خبراء ومؤسسات دولية أن الصراع المستمر منذ منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي، دمّر إحدى أكبر الدول في أفريقيا وتسبب في أزمة إنسانية واسعة النطاق يقول مسؤولو الأمم المتحدة إنها واحدة من أكبر الأزمات منذ عقود.
ومنذ منتصف الشهر الجاري، تحاصر قوات “الدعم السريع”، مدينة الفاشر استعدادا لما وصفته الأمم المتحدة بـ “الهجوم الوشيك”.
ويبلغ عدد سكان الفاشر، العاصمة السابقة لمملكة دارفور قبل الاستعمار، حوالي 1.8 مليون نسمة، بما في ذلك مئات الآلاف الذين فروا من موجات القتال السابقة.
وفي الخريف الماضي، اقتحمت قوات الدعم السريع أنحاء دارفور، وتسيطر الآن على أربع من المدن الخمس الكبرى في المنطقة.
السيناريو المخيف
ومن شأن السيطرة على الفاشر أن تمنح “الدعم السريع” كتلة من الأراضي تغطي، إلى جانب المناطق المجاورة، حوالي ثلث السودان، ومن المرجح أن تعجل بحدوث تحول في مسار الحرب. بحسب محللين سودانيين تحدثت إليهم “العين الإخبارية”.
سيناريو حذر منه الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حمد، قائلا “بالطبع سيكون لسقوط الفاشر من يد الجيش السوداني تأثيره على مجريات النزاع، بل سيمتد التأثير ويخلق بالضرورة واقعا سياسيا جديدا”.
بيْد أن أحد السيناريوهات المخيفة، الذي ورد في تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، هو أن ينقسم السودان إلى إقطاعيات متنافسة كما حدث في ليبيا بعد مقتل العقيد معمر القذافي في عام 2011.
وخلال الأسابيع الماضية، قتل ما لا يقل عن 43 شخصا في الفاشر، بينهم نساء وأطفال، وفقا للأمم المتحدة، في اشتباكات وتفجيرات على أطراف المدينة يخشى السكان أن تكون مجرد عينة من أعمال العنف المقبلة.
وقال دوالبيت محمد، أحد سكان الفاشر الذي فر من المدينة العام الماضي: “الجميع يتوقع هجوما في أي لحظة”، مشيرا إلى أنه كان على اتصال دائم بوالديه وإخوته الذين تركهم هناك “يبدو أن الأمر لا مفر منه”.
في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كانت المذابح العرقية في دارفور محور الاهتمام العالمي، ارتكبت أسوأ الفظائع.
والإثنين، عقد مجلس الأمن الدولي، جلسة طارئة لبحث الأزمة خلف أبواب مغلقة.
وبعد الجلسة، حذرت توماس غرينفيلد، من أن “أزمة ذات أبعاد أسطورية تلوح في الأفق” في دارفور.
مضيفة “كما قلت من قبل، فإن التاريخ يعيد نفسه في دارفور بأسوأ طريقة ممكنة”.
والصراع الذي بدأ كنزاع على السلطة بين الجنرالين المتنافسين – قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان- تطور إلى صراع مترامي الأطراف اجتذب جماعات عرقية ودينية ومتمردة من كلا الجانبين.
ومع ذلك، كان السلام صامدا في الفاشر، بفضل هدنة محلية بين قوات الدعم السريع وجماعات مسلحة تحيط بالمدينة.
لكن هذا الاتفاق الهش انهار في الأسابيع الأخيرة، حيث أقنع الجيش السوداني الجماعات الدارفورية أو حثها على التخلي عن موقفها المحايد، مما دفع قوات الدعم السريع إلى القتال.
مخيمات النزوح
وتعج مدينة الفاشر الآن بمخيمات النزوح التي امتلأت بالفارين من نيران المعارك، أبرزها مخيمات (أبوشوك)، (زمزم)، و(السلام).
وأعلن مسؤول بحكومة ولاية شمال دارفور نزوح 90 ألف مواطن، إثر الاشتباكات التي اندلعت مؤخرا بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، في الفاشر والقرى المجاورة.
وأوضح المسؤول ذاته، لـ”العين الإخبارية”، أن مجموعة النازحين هربت إلى مخيمات النزوح التي تعاني نقص المياه وتدهور أوضاع البيئة والغذاء ومواد الإيواء والحماية.