القاهرة تستكشف خيوط وقف الحرب السودانية من بوابة دارفور
القاهرة – صقر الجديان
رغم تقلص سيطرته الميدانية بشدة وتكبده خسائر فادحة، لا يزال الجيش السوداني يشلّ كل مبادرات حلّ الأزمة إما عبر وضع شروط مسبقة أو التغيّب عن ورش المفاوضات.
تنشّط ورشة استضافتها القاهرة من الثلاثاء إلى الخميس لمناقشة الأوضاع الإنسانية في إقليم دارفور ووقف العدائيات، التحركات المصرية بحثًا عن اختراق سياسي للأزمة السودانية، وسط توقعات أن تدفع نتائج الورشة التي تشرف عليها منظمة “برومديشن” الفرنسية بالتعاون مع وزارتي الخارجية في كل من مصر وفرنسا لاستكشاف خيوط جديدة لوقف الحرب.
وكان لافتا حضور ممثل عن قوات الدعم السريع في ورشة القاهرة، التي شارك فيها عدد من الحركات المسلحة بإقليم دارفور، وغاب ممثل عن الجيش الذي أصدر بياناً نفى فيه تلقي دعوة رسمية تتعلق بالفعالية، ولم يسمع بها إلا عبر الوسائط المختلفة.
وقال مصدر سوداني يشارك في المؤتمر، إن غياب ممثل عن الجيش أمر مستغرب لأن الدعوة وجهت له فعلا، وكان من المهم تواجده للتنسيق بشأن وصول المساعدات الإنسانية من شرق السودان إلى ولايات دارفور التي تعاني شُحًا في وصول الإمدادات كعقاب للسكان بعد سيطرة قوات الدعم السريع على أربع ولايات في الإقليم.
واعتاد الجيش السوداني عدم مواجهة التحديات التي تواجهها البلاد، وإفشال أية مقاربة إقليمية أو دولية تهدف لوقف إطلاق النار، وتقديم مبررات واهية لتنصله منها، وغيابه عن ورشة القاهرة قد يكون أول أزمة معلنة سيواجهها الجيش مع مصر، والتي أصبحت أكثر انفتاحا للحوار مع قيادة قوات الدعم السريع.
أماني الطويل: القاهرة دخلت بشكل أكثر فاعلية على خط الأزمة السودانية
وأضاف المصدر ذاته في تصريح لـ”العرب” أن الورشة شارك فيها عضو وفد الدعم السريع المفاوض محمد المختار، وممثلون من حركات جيش تحرير السودان، جناح منى أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة سليمان صندل، وممثل عن حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وممثل عن تجمع قوى تحرير السودان بزعامة الطاهر حجر، وعدد من قادة الحركات المسلحة الصغيرة في دارفور.
وكشفت حركة تحرير السودان، جناح منى أركو مناوي، الأربعاء، أنها فارقت الحياد في الحرب، “ولن يكون لديها أي تنسيق خارج مخرجات مفاوضات جدة”. وسعت اجتماعات القاهرة لمناقشة الأوضاع الأمنية في دارفور والتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار وخفض التوتر في الإقليم، والتعرف على كيفية التنسيق بين أطراف الصراع والقوة المشتركة لحماية القوافل والعاملين في المجال الإنساني في مناطق سيطرة الأطراف المتحاربة وإيجاد طرق بديلة لإيصال المساعدات من دول الجوار.
وجعلت توترات دارفور وانعكاسها على وحدة السودان وتهديد الدول المجاورة، من الورشة بوابة مهمة للتعرف على فرص الوصول لتهدئة بين الأطراف المتصارعة.
وبدا تركيز الضغوط من جانب فرنسا التي تخشى على مصالحها في المنطقة مدخلا لإمكانية الوصول إلى تفاهمات من شأنها عدم تجاوز نقطة اللاعودة، خاصة أن الأوضاع الأمنية الهشة تشكل تهديداً تخشى منه مصر وبعض الدول الأفريقية أن يفضي لتنشيط عناصر إرهابية يمكن أن تتحرك عبر حدود دارفور الشاسعة.
وقالت مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أماني الطويل إن الغرض من التحرك المصري – الفرنسي يتعلق بدارفور، ما يفسر حضور ممثلين لحركات مسلحة وقوات الدعم السريع، وتعبر هذه الجهود عن مصلحة فرنسية كبيرة، لأن تفاعلات الإقليم تؤثر على تشاد التي باتت نقطة ارتكاز مهمة لها.
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن المشاركة المصرية جاءت من باب التوقف على رؤية الدعم السريع في هذه المرحلة وتأكيد أن القاهرة منفتحة على كل الأطراف، وأن الهدف الذي تسعى إليه القاهرة إذا قررت الدخول بشكل أكثر فاعلية على خط الأزمة هو التباحث مع قوات الدعم السريع بشأن آليات وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل الماضي.
ويقول مراقبون إن لدى القاهرة مصلحة كبيرة في تخفيف حدة التوتر بين الجيش والدعم السريع، حيث قاد الصراع بينهما إلى تمدده في ولايات سودانية عدة، وتحاول مصر منع انفلات الصراع كي لا تجد نفسها أمام دولة مفككة أخرى على حدودها.
وتكمن أهمية ورشة القاهرة، التي جاءت بعد أسابيع من نقاشات جرت تحت رعاية المنظمة الفرنسية في أديس أبابا وحضرتها حركات مسلحة وقوات الدعم السريع وقيادات سابقة من دارفور، في تزامنها مع مخاوف من اندلاع اشتباكات مسلحة في مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور التي تشهد تحشيدا من حركات مسلحة متحالفة مع الجيش، تحاصرها قوات الدعم السريع.
جبريل آدم بلال: اجتماعات القاهرة ناقشت سبل إنهاء العدائيات في دارفور
وتسيطر الدعم السريع على أربع من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، بعد أن قادت معارك ضارية في شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين ضد الجيش، وتمكنت من وضع يديها على قواعد تابعة له في كل من جنوب ووسط وشرق وغرب دارفور، فيما لا تزال قوات الجيش تحتفظ بوجودها في بعض مناطق ولاية شمال دارفور.
وأكد جبريل آدم بلال نائب رئيس حركة العدل والمساواة بقيادة سليمان صندل أن اجتماعات القاهرة ناقشت إمكانية التوافق على سبل وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات في دارفور، وتشكيل آليات مشتركة بين الجيش وقوات الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح بهدف المساعدة في عملية تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الإقليم، فضلا عن التعرف على الاحتياجات الإنسانية لولايات دارفور.
وذكر في تصريح خاص لـ”العرب” أن الاجتماعات إيجابية من جهة التعرف على رؤى الحركات وقوات الدعم السريع بشأن كيفية تنظيم مسألة وصول المساعدات الإنسانية، وظهرت إشارات جيدة حول الرغبة الكبيرة في إنهاء القتال.
ولفت إلى أن ولايات دارفور تعاني من أوضاع إنسانية صعبة، ومنذ سيطرة قوات الدعم السريع على الجزء الأكبر من الإقليم منعت الحكومة في بورتسودان وصول المساعدات، وجرى حجزها لما يزيد عن ثلاثة أشهر، وصنف الجيش هذه المناطق كمناطق نفوذ للدعم السريع، ما أوجد كارثة إنسانية في الإقليم.
وشدد جبريل آدم بلال في حديثه لـ”العرب” على أن الجيش السوداني رفض حضور الورشة، وهي مسألة مؤسفة، وكان هناك أمل في انعقادها مع تواجد ممثل عن الجيش، بما يخدم التعرف على موقفه من التعامل مع الأزمات الإنسانية.
وكانت حركة العدل والمساواة جناح جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان جناح مصطفى تمبور، وهما من المؤيدين للجيش قد أعلنتا مقاطعتهما لورشة القاهرة، على الرغم من تلقيهما دعوات رسمية للمشاركة، احتجاجا على وجود ممثل للدعم السريع.