أخبار السياسة المحلية

المتطوعون السودانيون في مواجهة القتل والاعتقال

الخرطوم – صقر الجديان

تُصنف الحرب المستمرة في السودان منذ 15 أبريل 2023 كواحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية عالمياً. ومن أوجه وحشيتها الصارخة، استهداف المتطوعين والمتطوعات الذين يخاطرون بحياتهم لمساعدة المدنيين في مناطق القتال على توفير ضرورات الحياة من ماء وطعام وعلاج، وذلك في ظروف بالغة الخطورة والتعقيد. هؤلاء المتطوعون، العاملون في غرف الطوارئ الأهلية والتكايا والمطابخ الخيرية، يمثلون الأمل الوحيد للنجاة من الجوع والمرض للفقراء والضعفاء الذين أجبرهم عوزهم على البقاء في مناطق الحرب. ومع ذلك، يتعرضون للقتل العمد والاعتقال والتعذيب بسبب اشتباه الأطراف المسلحة فيهم، بالإضافة إلى المخاطر المعتادة للحرب مثل الموت بالرصاص الطائش أو القصف الجوي والمدفعي.

خلال شهر مارس 2025 الماضي، لقي ثلاثة متطوعين مصرعهم في منطقتي الخرطوم وأم درمان. الأول قُتل برصاصة في منطقة الجريف غرب، والثاني قضى نحبه إثر سقوط قذيفة على مسجد، بينما استُشهدت الثالثة متأثرة بإصابتها بشظايا طائرة مسيّرة في مدينة أم درمان.

“الحاجة فاطمة”.. رمز للعطاء:

توفيت المتطوعة فاطمة عبد الله، عضو غرفة طوارئ الجريف غرب، متأثرة بإصابتها بشظايا طائرة مسيّرة استهدفت منطقة محطة صابرين بأم درمان.

ووفقاً لبيان غرفة الطوارئ، كانت الحاجة فاطمة من رائدات المجتمع، نشأت وترعرعت على ضفاف النيلين الأزرق والأبيض. وقد أورثت حب العمل الخيري لأفراد أسرتها؛ فهي والدة لخمس متطوعات هن: إسراء، أبرار، إيناس، أساور، وآلاء.

لم تغب فاطمة يوماً عن المطبخ المشترك بدار الإيواء التي كانت تعمل بها، واعتادت أن تحضر إلى المدرسة (المستخدمة كمركز إيواء) حاملة سلة مليئة بخيرات جروف الجريف من الخضروات كالـملوخية والباذنجان والقرع والكوسة والطماطم وغيرها. كما شاركت الفقيدة بنشاط دائم في نظافة المدرسة ومحيطها، رغم كبر سنها ومسؤولياتها الأسرية.

وصفها بيان غرفة الطوارئ بأنها كانت “كريمة خدومة، عطوفة على سجيتها وفطرتها، لم تغرها الدنيا بألوانها الزاهية، اختارت الآخرة، راضية مرضية”.

متطوعون آخرون يقتلون غدراً:

كما كشفت غرفة طوارئ الجريف غرب عن مقتل المتطوع نادر محمد علي يس برصاصة غادرة. وكان الفقيد متطوعاً نشطاً منذ الأيام الأولى للحرب، وعُرف بحسن الخلق، وطيبة المعشر، ومحبته بين الناس، وكرم النفس.

ونعت الغرفة أيضاً المتطوع حسين حامد أحمد، الذي قُتل إثر سقوط قذيفة على المسجد العتيق بالجريف غرب.

استهداف ممنهج ومخاطر مستمرة:

تتكرر مأساة فقدان المتطوعين، فعلى الرغم من عملهم الإنساني النبيل وسط نيران الحرب، يلقى بعضهم حتفهم داخل المستشفيات أو دور الإيواء جراء القصف العشوائي، بينما يواجه آخرون اعتقالات تعسفية ومضايقات من الأجهزة الأمنية لطرفي النزاع.

وخلال الفترة الماضية، تواترت الأخبار عن وفيات متطوعين ومتطوعات، سواء بسبب قصف الطيران أو مدفعية قوات الدعم السريع، أو حتى بسبب الوفاة الطبيعية نتيجة انعدام الدواء والرعاية في مناطق الحرب.

وقد فقدت التكايا والمطابخ الخيرية والمستشفيات مؤخراً عدداً من المتطوعين بسبب الاعتقال أو الوفاة، مما أدى إلى تناقص أعدادهم، الأمر الذي يفاقم الأزمة في ظل غياب الكوادر الطبية والصحية عن المستشفيات، وإحجام كثير من الشباب عن الانخراط في العمل الخيري بسبب المضايقات الأمنية والخوف من الاستهداف.

ومن الأمثلة الأخرى على ضحايا الاستهداف: في مستشفى النو بأم درمان، استُشهد المتطوع الصادق حيدر (حديدة) مطلع العام الحالي، وفقاً لما نشره المستشفى. فارق الحياة الشاب عبد الرحمن الفاتح (جدو) برصاص جنود يتبعون لقوات الدعم السريع.

في فبراير الماضي، توفيت المتطوعة سعدية بمعسكر النيم للنازحين بمدينة الضعين غربي السودان. ونعاها زملاؤها واصفين إياها بأنها كانت “رمزاً للإنسانية، سباقة في تقديم المساعدة، حاضرة في كل لحظة إنسانية، لا تألو جهداً في سبيل الآخرين”.

جذور التضييق:

تجدر الإشارة إلى أن التضييق على العمل المدني والتطوعي لم يبدأ مع الحرب الحالية. فمنذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، وما تلاه من قرارات بحل لجان المقاومة ولجان التسيير والخدمات التي تشكلت خلال الحكومة الانتقالية، لم يسلم المتطوعون في العمل الخيري من التضييق الأمني، والذي تصاعد بعد اندلاع الحرب ليصل إلى حد القتل والاعتقال الممنهج.

هذه المادة من إعداد صحفية التغيير الالكترونية، وقد تم نشرها عبر مؤسسات منتدى الإعلام السوداني بهدف تسليط الضوء، عبر تغطية صحفية جادة، على الأوضاع السائدة في البلاد التي تشهد حرباً منذ عامين. لنقف مع السودان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى