أخبار السياسة المحلية

المجاعة تحاصر مخيم زمزم: أطفال يموتون جوعًا وسط اتهامات للدعم السريع بعرقلة الإغاثة

الفاشر – صقر الجديان

يعاني مخيم زمزم في شمال دارفور من أزمة إنسانية حادة نتيجة للنزاع والحصار المفروض عليه. يعيش النازحون في ظروف مزرية، حيث يفتقرون إلى الغذاء والدواء والمياه النظيفة، ويعانون من انعدام الأمن.

وقد أدى ذلك إلى تفشي المجاعة والأمراض، وارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال والنساء الحوامل.

تتهم قوات الدعم السريع بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية وتفاقم الأوضاع في المخيم.

أربعة نقاط مهمة تطرق لها النازحون:

1. انعدام الأمن الغذائي وارتفاع الأسعار: يعاني النازحون من نقص حاد في الغذاء وارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية، مما يجعلهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية.

2. نقص حاد في المياه الصالحة للشرب: جفاف معظم الآبار في المخيم دفع النازحين إلى الاعتماد على مياه ملوثة أو شراء المياه بأسعار باهظة، مما يهدد صحتهم ويزيد من معاناتهم.

3. تفشي الأمراض وسوء التغذية: بسبب نقص الغذاء والدواء، يعاني الأطفال بشكل خاص من سوء التغذية والأمراض، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات بينهم.

4. انعدام الأمن وخطر الاعتداءات: يشتكي النازحون من انعدام الأمن في محيط المخيم وخطر الاعتداءات، خاصة ضد النساء والفتيات من قبل قوات الدعم السريع، مما يزيد من معاناتهم ويقيد حركتهم.

في قلب مخيم زمزم قرب الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عاشت مريم عبد الله، وهي نازحة في المخيم، أيامًا مروعة وهي تشهد طفلها يذوي أمام عينيها جوعًا. عجزت أسرتها عن توفير الغذاء والدواء له، مما أدى إلى وفاته المفجعة.

تعكس مأساة مريم معاناة مئات الآلاف من العالقين وسط القصف والمعارك في الفاشر والمخيمات المجاورة. تتهم أطراف النزاع بعرقلة وصول الإغاثة والسلع، مما تسبب في نقص حاد في بعضها وارتفاع جنوني في أسعار المتوفر منها.

هذه الأسعار تفوق قدرة النازحين على الشراء، خاصة مع انعدام فرص العمل، بما في ذلك الأعمال البسيطة في الأسواق والزراعة.

تروي مريم عبد الله لـ “سودان تربيون” بحسرة فقدانها لطفلها بابكر محمد خاطر، البالغ من العمر ثلاث سنوات، بعد صراع طويل مع المرض الناجم عن سوء التغذية.

تقول: “كنت أنظر إليه وهو يموت بين يدايّ ونحن عاجزين عن توفير العلاج والغذاء له”.

كانت مريم تعمل في الأسواق لتوفير وجبة واحدة في اليوم لأطفالها، لكنها اضطرت للتوقف عن العمل بعد إغلاق الأسواق بسبب المعارك المستمرة. وجدت نفسها عالقة في المنزل دون أي دخل لشراء الطعام لأسرتها.

وتضيف: “طفلي صغير في السن، لم يتحمل الجوع فمات. هناك عدد كبير من أطفال جيراني توفوا، حيث يقول الأطباء إنهم ماتوا بسبب سوء التغذية والإسهالات الحادة”.

وتابعت: “لا نملك الذرة ولا أي شيء آخر … البلد محاصرة من الدعم السريع والمنظمات توقفت عن إمدادنا بالطعام ولا نملك قوت يومنا. يجب إنقاذ البقية حتى لا يموتوا كغيرهم”.

ورغم فقدان مريم عبد الله طفلها بسبب الجوع، إلا أنها لا تملك غير أن ترفع صوتها مطالبة بضرورة توفير الطعام والأدوية لإنقاذ أطفال مخيم زمزم لمنع موتهم من المجاعة المتفشية.

وفي 1 أغسطس الجاري، أعلن برنامج الأمم الإنمائي عن وقوع مجاعة في مخيم زمزم الذي يأوي نصف مليون نازح، لكن السُّلطات السودانية نفت وقوعها وأرجعت نقص الغذاء في مخيمات النزوح إلى الحصار المفروض من الدعم السريع على الفاشر.

ويقع مخيم زمزم على بعد 11 كيلو متر تقريبًا جنوب الفاشر، وهو مقسم على أربعة مراكز يُطلق عليها A.B. C.D، حيث يقيم في المربع A النازحين الذين فروا من مناطقهم في 2004 في ذورة حملة مكافحة النظام السابق للحركات المسلحة.

وفي العام 2009 نزح سكان من مناطق مهاجرية ولبدو وشعيرية وخزان جديد ودار السلام وابو دنقل جراء انعدام الأمن ليسقروا في القسم B في مخيم زمزم، فيما يقيم في القسم C نازحين من أبو دليك ومشروع ساق النعام وشنقل طوباي ودار السلام وعد البيضة حيث فروا من مناطقهم في 2013، أما نازحي شرق الجبل وأبو زريقة والملم فقد استقروا في القسم D خلال 2014.

أكل الحشائش

تصف النازحة علوية أبكر الوضع في مخيم زمزم بإنه في غاية الصعوبة، نظرًا لشح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها وانعدام الأمن.

وتقول لـ “سودان تربيون”، إن النازحين كانوا يعتمدون على الحصص الغذائية التي يوفرها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، لكنها توقفت منذ اندلاع الحرب.

وتجزم علوية أبكر بوقوع مجاعة في كل مناطق شمال دافور، في ظل عدم توفر حبوب الدخن والذرة الرفيعة وإنعدام فرص العمل وتعطل سُبل العيش.

وتشير إلى أن ارتفاع أسعار السلع وشحها الشديد، جعلها وآخرين كثر، يعتمدون في غذائهم على “المديدة” وهي وجبة تصنع من الذرة أو الدخن ويُضاف إليها الماء والملح وفي الأحيان السكر.

وتوضح علوية بأن عدم توفر “المديدة” على الدوام دفعهم إلى تناول الحشائش التي نمت بفعل الأمطار مثل “الملوخية” و”التمليكة”، رغم تحذيرات الأطباء من أن الإعتماد على طعام واحد وغير صحي يجعلهم أكثر عرضة للأمراض.

ووصل كيلو اللحم في مخيم زمزم إلى 10 آلاف جنيه، وهو مبلغ لا يتوفر عند معظم سكان المخيم الذي يفتقرون إلى الدواء أيضًا في ظل تفشي الأمراض الوبائية مثل الملاريا والإسهالات المائية.

وتقول علوية إن معدل وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية في مخيم زمزم تتراوح في اليوم الواحد بين 3 إلى 4 حالات.

بدورها، حملت الناشطة الحقوقية المقيمة في مخيم زمزم، نور الهدى حامد، قوات الدعم السريع مسؤولية تفاقم أوضاع نازحي المخيم.

وقالت لـ “سودان تربيون” إن الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر هو السبب وراء انتشار المجاعة في زمزم ومناطق أخرى.

ونوهت إلى أن القيود المفروضة على الغذاء والدواء أدت إلى انتشار الأمراض منها “الملاريا، الالتهابات، الحميات”، إضافة إلى التهابات العيون.

وحكت نور الهدى عن معاناة آلاف النساء أمام المركز الصحي الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود من أجل تلقي العلاج، قائلة: “المنظمة تقدم التغذية العلاجية للأطفال دون الخامسة والنساء الحوامل”.

وتحدثت عن زيادة عدد حالات الإصابة بسوء التغذية وسط الأطفال الأمر الذي ارتفعت معه معدل الوفيات وسط الأطفال والنساء الحوامل.

وخلافا لأزمة انعدام الغذاء والدواء، يشتكي سكان مخيم “زمزم” من انعدام الأمن في أطراف المعسكر بسبب الإنتشار الكبير لمليشيات القبائل العربية المساندة لقوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش والحركات المسلحة في مدينة الفاشر.

وتقول نور الهدى: “تتعرض الفتيات حال خروجهن من المعسكر للاغتصاب من قبل الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها. هناك عدد من حالات القتل والاغتصاب لنساء من قبل قوات الدعم السريع وحلفائها”.

وطالبت الأمم المتحدة بالعمل الفوري لوقف اعتداءات الدعم السريع في ولاية الفاشر وفتح الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية لمحاربة المجاعة خاصة في معسكر زمزم.

مياه ملوثة

ويقيم النازحين في مخيم زمزم في أكواخ بُنيت من الطوب اللين والمواد المحلية مثل القش ما يجعلها لا تصمد أمام الرياح الشديدة والأمطار التي تهطل بغزارة هذه الأيام، فيما يقيم آخرين في المدارس التي اكتظت مع فرار المزيد من الأسر من الفاشر.

ويقول الناشط في مخيم زمزم آدم موسى، إن المخيم استقبل المزيد من النازحين من الخرطوم ونيالا والضعين والجنينة وزالنجي والأبيض وولاية الجزيرة، حيث أقام بعضهم مع الأسر في الأكواخ والبقية استقروا في 14 مدرسة.

وشدد على أن الوضع المعيشي ازداد صعوبة بعد اندلاع النزاع وتفاقم بعد حصار قوات الدعم السريع للفاشر منذ أبريل المنصرم، حيث توقف عمل المنظمات الإنسانية تاركة النازحين دون غذاء وعلاج ومأوى.

ويشير موسى إلى أن النازحين توقفوا عن الزراعة قبل اندلاع النزاع بسبب نزع “الجنجويد” أراضيهم، قبل أن يسوء الأمر أكثر بموت الأطفال وكبار السن جوعًا.

وشكا من عدم توفر مياه الشرب، بعد جفاف 80% من الآبار في المخيم ما جعل ثلث سكانه على الأقل يعتمدون على المياه التي يجلبها بائعون من الفاشر حيث وصل سعر البرميل الواحد 6 آلاف جنيه نتيجة لارتفاع أسعار الوقود.

وأفاد موسى بأن النازحين أصبحوا يعتمدون على مياه الأمطار ومياه البرك والمستنقعات للشرب برغم عدم صلاحيتها وإمكانية أن تسبب لهم الاسهالات بسبب تلوث مياه الأمطار.

يشكل إستمرار النزاع والحصار على الفاشر أزمة وجود لعشرات الآلاف من النازحين الأشد ضعفًا، وسط مخاوف من أن يحصدهم الموت جوعًا واحدًا تلو الآخر.

ينشر هذا التقرير بالتزامن في منصات المؤسسات والمنظمات الإعلامية والصحفية الأعضاء بمنتدى الإعلام السوداني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى