المعارضة السودانية.. البحث عن وحدة تحقق أهداف الشارع (تقرير)
مر أكثر من شهرين على الاحتجاجات المستمرة في السودان ضد استيلاء قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على السلطة بالبلاد، في 25 أكتوبر / تشرين الأول الماضي.
الخرطوم – صقر الجديان
مر أكثر من شهرين على الاحتجاجات المستمرة في السودان ضد استيلاء قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على السلطة بالبلاد، في 25 أكتوبر / تشرين الأول الماضي.
وقد زادت وتيرة الاحتجاجات، مع بداية العام الجديد بواقع مظاهرات مركزية كل يومين تتجه إلى القصر الرئاسي وسط الخرطوم، للمطالبة بمدنية الدولة.
ومن المرجح ازدياد المظاهرات، خاصة عقب استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الأحد، فقد كان الممثل المدني الوحيد في السلطة الانتقالية عقب توقيعه اتفاق مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 21نوفمبر تشرين أول.
رغم هذا التطورات لم تتشكل بعد رؤية موحدة بين القوى السياسية والمجتمعية التي تقود الحراك الشعبي ضد البرهان، وهي “تجمع المهنيين”، و”قوى الحرية والتغيير”، والحزب “الشيوعي”، فضلا عن “لجان المقاومة” (لجان تنظم الاحتجاجات).
ولازال الجدل قائما بين هذه القوى حول ميثاق أو إعلان سياسي، تتفق عليه للمرحلة المقبلة، وذلك ما زاد من المخاوف حول مستقبل الاحتجاجات.
ووفق مراقبين، فإن وحدة القوى المعارضة هي هدف لمناهضي “الحكم العسكري”، والمطلوب وحدة حول إعلان سياسي، وما يلي ذلك من برنامج وخطوات تقود إلى تأسيس سلطة مدنية كاملة.
وخلال الأيام الماضية ومع تزايد الاحتجاجات الشعبية في البلاد، طُرح أكثر من إعلان وميثاق وطني للقوى السياسية والنقابية والمدنية للتوافق بين قوى الثورة لإسقاط “الانقلاب” وتأسيس الحكم المدني.
وطرح تجمع المهنيين إعلان سياسي، وتبع ذلك إعلان الحزب الشيوعي تجديده لمسودة ميثاق للقوى الثورية تحت عنوان ” السودان الأزمة وطريق استرداد الثورة”.
كما طرحت قوى إعلان الحرية والتغيير، رؤية لـ”هزيمة الانقلاب” وتأسيس الدولة المدنية، وشملت دعوة لتكوين جبهة عريضة من القوى الثورية.
ومنذ 25 أكتوبر الماضي، يشهد السودان احتجاجات ردا على اتخاذ إجراءات استثنائية أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، عقب اعتقال قيادات حزبية ومسؤولين، وهو ما اعتبرته قوى سياسية ومدنية “انقلابا عسكريا” مقابل نفي من الجيش.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقع البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، اتفاقا سياسيا يتضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين،وتعهد الطرفين بالعمل سويا لاستكمال المسار الديمقراطي.
إلا أن هذا الاتفاق لم يصمد كثيرا فقد استقال عبد الله حمدوك، الأحد، مؤكدا على أن الثورة ماضية إلى غاياتها.
والأحد، أعلن حمدوك استقالته من رئاسة الحكومة الانتقالية، في ظل احتجاجات شعبية رافضة لاتفاق سياسي وقعه مع البرهان ومطالبة بـ”حكم مدني كامل”.
** غياب الرؤية الموحدة
رغم اتفاق القوى الفاعلة في الشارع على مواصلة الاحتجاجات السلمية ضد “الانقلاب”، إلا أنها لم توحد مواقفها ورؤيتها حول كيفية القيام بذلك، وهو ما يجعل الحراك الجماهيري يتجه نحو نقطة الصفر.
وذلك باعتبار أن “إسقاط الانقلاب” وتكوين السلطة المدنية الكاملة، يجب أن يتبعه طرح بديل، حيث تسعى القوى السياسية إلى تحقيقه عبر التوحد في إعلان سياسي جامع.
وتبدو القوى السياسية والنقابية غير متفقة حتى الآن، وهي ذاتها التي تواثقت على إعلان الحرية والتغيير لإسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير في يناير/كانون الثاني 2019، وقادت العمل الجماهيري حتى تحقق لها ذلك.
إلا أن المحلل السياسي أمير بابكر يرى أن القوى النقابية ممثلة في تجمع المهنيين و القومي المجتمعية ممثلة في لجان المقاومة أقرب للتوحد، على خلاف القوى السياسية التي تبدو مختلفة.
ويضيف في حديثه للأناضول ” القوى السياسية بما فيها قوى الحرية والتغيير ظلت طوال الفترة الماضية مختلفة فيما بينها، وقد يستمر هذا الخلاف، ولذلك المنوط بها الاتفاق حاليا فيما بينها ومع قوى الثورة”.
ويشير إلى أن استقالة حمدوك لن تكون ذو تأثير في معسكر المعارضة ومحاولتها للوحدة في الوقت الراهن.
** تباعد المواقف
يعتبر المحلل السياسي عثمان فضل الله، أن تحقيق وحدة بين إعلان الحرية والتغيير والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين وكذلك لجان المقاومة في الوقت الراهن صعب لتباعد الموافق بين هذه الأجسام.
وأضاف المتحدث للأناضول: “كونها خاضت تجربة الوحدة سابقا، وكل طرف منها لديه تحفظات على الآخر”.
وأوضح أن موقف تجمع المهنيين ولجان المقاومة أقرب إلى الحزب الشيوعي حيث ترى جميعها أن الحل في الشارع والاحتجاج السلمي، بينما هناك من في قوى الحرية والتغيير، يسعى إلى حوار سياسي لكل أطراف الأزمة بما فيهم المؤسسة العسكرية، مثل حزب “الأمة القومي”.
وتواثقت القوى السياسية والمدنية والنقابية في يناير 2019، عقب اندلاع احتجاجات في نهاية عام 2018، على إعلان سياسي ضم ” تجمع المهنيين”، و”تحالف قوى الإجماع الوطني”، و”نداء السودان” و”التجمع الاتحادي”، و”الجبهة الثورية”، فضلا عن القوى المدنية.
وتمت صياغة الإعلان تحت مسمى” إعلان الحرية والتغيير” حيث دعا إلى إقالة عمر البشير من السلطة آنذاك وهو ما تحقق في أبريل/نيسان 2019.
لكن خلال العامين الماضيين، شهدت القوى المكونة لإعلان الحرية والتغيير انسحابات وانقسامات، فخرج الحزب الشيوعي و تجمع المهنيين من الائتلاف، كما انقسمت بعض أطراف الجبهة الثورية وأسست “قوى الحرية والتغيير – الميثاق الوطني”.
** حتمية الوحدة
ترى المحللة السياسية درة قمبو، أن “وحدة القوى السياسية والمدنية والنقابية المناهضة للانقلاب العسكري في الوقت الراهن هي ضرورة حتمية على كل المستويات”.
وأردفت للأناضول: “أولا على مستوى وجودها كقوى سياسية و مدنية وفئوية، وثانيا على مستوى الوطن ووجوده من عدمه، وأخيرا على مستوى العمل الجماعي، لذلك ضرورة الوحدة حتمية حاليا”.
واعتبرت أن الأحزاب السياسية والكتل النقابية والقوى المدنية جميعها تدرك أهمية الوحدة، وهي مواجهة بعامل الزمن.
وتابعت: “المشهد السوداني أصبح معقدا، ويشهد تطورات على مدار الساعة لذلك لامجال للتأخير في تحقيق الوحدة بين كل هذه القوى”.
وأوضحت أن “الاشتراطات الحزبية أو الشخصية لا مكان لها في الوقت الراهن من أجل وحدة سياسية تحقق تطلعات الشعب في الإطاحة بالسلطة القائمة”.
وختمت بالقول: “كثرة الإعلانات السياسية المطروحة قد تؤخر الاتفاق، لكن من السهل التوافق على حد أدنى للخروج بصيغة موحدة تختصر المسافات وتحقق المطلوب”.