أخبار السياسة العالمية

الملف الأسود لفهد ياسين.. مسار التطرف والعمالة

مقديشو – صقر الجديان

بيئة راديكالية عبدت الطريق لنشأة رئيس الاستخبارات الصومالية فهد ياسين، ورسمت مسارا مرتبكا لصحفي انتهك حياده وتسلق سلالم الدوحة.

تقرير جديد نشره موقع مجلة “واشنطن إكزامينر” الأمريكية، فتح ملف تاريخ ياسين مع الجماعات المتطرفة، ونشأته وصعوده إلى المشهد الإعلامي والسياسي، في سيرة حافلة بتطرف مبكر يلقي بظلاله اليوم على الصومال.

رجل “القاعدة”
التقرير أعده مسؤول سابق بوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” يدعى مايكل روبن، جاء فيه أن واشنطن “استثمرت كثيرا في الصومال وفي شخص (الرئيس) محمد عبدالله فرماجو”.

وأضاف التقرير، أن “فرماجو صاغ من نفسه نسخة من عمه الديكتاتور الراحل محمد سياد بري الذي حكم الصومال بالحديد والنار (1969-1991)، بعد اقتحامه الرئاسة الصومالية وأصبح رئيسا”.

واستدرك “روبن” ، خلال التقرير، قائلاً: “لكن أقوى رجل في الصومال هو فهد ياسين حاجي طاهر، رئيس وكالة الأمن والاستخبارات الصومالية، ويحاول فرماجو تجميع ائتلافات سياسية، لكن فهد هو الرجل الأساسي في جهود الصومال لهزيمة الإرهاب” .

واعتبر التقرير أنه “من ناحية نظرية، أصبح فهد ياسين ـ بحكم منصبه ـ نقطة الاتصال بين مختلف الأجهزة الأمنية التي تسعى لهزيمة الشباب الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، ما جعل واشنطن تجعله هدفا مباشرا لتلقي سخائها كما يتلقى أيضا أموالا من قطر وتركيا”.

ورأى روبن أنه لا ينبغي أن يتفاجأ المراقبون من أن الاستثمار الأمريكي لدحر الإرهاب في الصومال لم يؤت ثماره بسبب وجود فهد وأمثاله في خط الحرب.

كما يذهب إلى أن الغوص العميق في سيرة فهد ياسين يؤكد أنه رجل تنظيم القاعدة في الحكومة الصومالية.

نشأة متطرفة
تقول وثائق فهد ياسين، الصومالية والكينية التي يمتلك معد التقرير نسخا منها، إنه ولد في مدينة مانديرا في كينيا في يوليو/تموز 1978، على الجانب الآخر في الحدود مع الصومال، رغم أن عائلته تدعي أنه ولد في مدينة “بلد حاوه” بمحافظة “غدو” جنوبي الصومال.

ولد ياسين في عشيرة صغيرة تسمى “رير أو حسن”، وهي عشيرة فرعية من “كالوين” تتركز في عمقها السكاني بالإقليم الصومالي في إثيوبيا.

وفي الرابعة من عمره، انفصلت والدته حليمة سعيد طيري عن والده، وسافر مع والدته من غدو إلى مقديشو، واستقر في مديرية هولوداغ.

درس في عدد من المدارس أبرزها مدرسة معلم عبدالرحمن طيري، ومسجد التضامن الإسلامي، بيد أن تعليمه غير القرآني كان دراسة ذاتية وليست رسمية، ويصفه معارف طفولته بأنه انعزالي.

ويستعرض التقرير مسار فهد ياسين مع الفكر المتطرف، قائلا: “تزوجت أمه حليمة أواخر 1980 من رجل وصفه معارفه بـ”متعصب ديني” يدعى عبد القادر غرطيري”.

في بادئ الأمر، اتسمت علاقة فهد بزوج والدته بالتوتر، حيث كان عبدالقادر مصرا على تبني فهد أسلوب حياته المتطرف أو طرده إلى الشارع، وفي النهاية استسلم فهد للأمر الواقع، وسرعان ما بدأ عبد القادر بتلقين المراهق فهد بأفكار التطرف.

شبكة علاقات
في عام 1991، أي عند انهيار النظام العسكري في الصومال، هربت عائلة فهد إلى كينيا، لأنها كانت تعيش على صلة عشائرية برئيس النظام، والأخير كان هدفا للحركات المسلحة.

ووجدوا الملاذ الآمن في مخيم “أو تانجا” للاجئين قرب مومباسا، وأصبح “فهد إماما في مسجد يدعى أبودجانة، والتقى هناك عبدالشكور علي مري جمال محمد حسن” وكلاهما كانا متورطين في الاتحاد الإسلامي، وهي جماعة إرهابية مدرجة في قوائم واشنطن ومرتبطة بالقاعدة.

لم تنقطع علاقة الثلاثي حتى اليوم، بحسب التقرير، فجمال هو وزير التخطيط والتنمية الدولية الحالي في الصومال، ويتلقى المساعدات الدولية لمقديشو بحكم منصبه، وعبد الشكور نائب في البرلمان ومقرب من فهد ويدافع عنه في وسائل الإعلام.

لاحقا، انتقل فهد إلى نيروبي حيث درس في مسجد “الشارع السادس” في إيستليغ، بالقرب من المكان الذي اشترى فيه زوج والدته الذي انضم إلى الاتحاد الإسلامي، مطعمًا.

ومنتصف 1997، قتلت القوات الإثيوبية زوج أم فهد أثناء قتاله في مدينة بلد حاوه، وكانت تلك لحظة تكوينية، وفق التقرير، حيث تبلور عداء فهد للغرب، ويقول أصدقاؤه ومعارفه في ذلك الوقت إنه بدأ بعد ذلك في الخطابة عما وصفه بـ”الصليبيين الغربيين في شرق أفريقيا”.

الإعلام وأجندة قطر
مع انطلاق الإنترنت، استغل فهد التكنولوجيا الجديدة، وسرعان ما اكتسب أتباعًا لعمله على بوابة قومية راديكالية تسمى بـ”صومالي توك” حيث ناقش فيها السياسة من منظور إسلامي بالأساس.

بعض أصدقائه قالوا إنه سافر إلى اليمن لمواصلة دراسته الدينية، فيما يعتقد آخرون أنه ذهب إلى باكستان.

ويفصل التقرير عودته إلى الصومال، ويقول إنه بغض النظر عن البلد الذي نهل منه الأفكار الهدامة، التقى فهد بفارح شيخ عبد القادر، وهو سياسي بارز من عشيرته، تخرج من الجامعة الإسلامية الدولية في إسلام أباد.

وقام فارح تقديم فهد ياسين إلى وضاح خنفر، زميله الفلسطيني الذي كان يرأس تحرير قناة الجزيرة القطرية.

وبحسب التقرير نفسه، عمل فهد في البداية مدرسا دينيا لأطفال خنفر، لكن مع تقدم حركة الإسلام السياسي في الصومال أواخر 2005 أو أوائل 2006، عاد فهد إلى مقديشو كموفد لقناة الجزيرة.

برز على الفور من خلال الوصول إلى معسكر تدريب للإسلاميين في منطقة رأس كمبوني جنوب البلاد، حيث قام الشيخ حسن تركي، أحد قدامى المحاربين في الاتحاد الإسلامي ومن مؤسسي حركة الشباب، بجولة في المخيم شخصيًا.

كما أجرى مقابلات مع شخصيات من حركة الشباب كانوا في ذلك الوقت يأوون عناصر من القاعدة مطلوبين في هجمات عام 1998 على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا.

التقرير قال إن فهد أسر لأصدقائه أنه يعمل مخبرا للمخابرات القطرية، ومكنه جواز سفره الكيني من السفر على نطاق أوسع وتقديم التغطية والدعاية لحركة الشباب.

السياسة
ويعتقد معد التقرير أن دخول فهد عالم السياسة، في 2012 ، جاء عبر الأموال القطرية التي استخدمها لشراء الأصوات من أعضاء البرلمان الصومالي.

ووفق التقرير، استثمر ياسين حملة فرماجو الانتخابية، وفي عام 2016، بدأ بتوجيه الأموال القطرية لدعم حملة عبد الله فرماجو ، وهو استثمار أتى ثماره في العام التالي للرجلين، حيث أصبح فهد في نهاية المطاف رئيسا لاستخبارات فرماجو.

وعبث فهد بسمعة المخابرات، وتورط في صفقات مشبوهة مع الإرهابيين بدعم من فرماجو، وفق التقرير.

و”في هذا الدور، جلب فهد حلفاء يتبعون الإسلام السياسي وطرد مهنيي الحرس القديم، بعد أن نفذت حركة الشباب هجوماً في أكتوبر/تشرين الأول 2017 أدى إلى مقتل أكثر من 500 شخص”.

كما “أبرم صفقة مع حلفائه الإرهابيين بتقليل العمليات في العاصمة مقابل غض الطرف عن فرض ضرائب على الشركات والمواطنين”.

وظهرت علاقات فهد مع قطر والإرهاب في الصحافة في أعقاب مكالمة هاتفية مسربة تشير إلى أن الدوحة أمرت بشن هجوم إرهابي على بوصاصو، الميناء الرئيسي في بونتلاند.

وينتقد التقرير استمرار الخارجية الأمريكية والوكالات الحكومية الأخرى بضخ الأموال في منظمة حكومية اعتنق زعيمها التطرف في سن مبكرة، ويلقي اللوم على الغرب بموت زوج والدته، وله علاقات وثيقة مع المنتسبين للقاعدة.

ويوجه التقرير بقطع جميع المساعدات عن الصومال حتى يقيل فرماجو فهد ياسين، ويقوم المسؤولون بالتحقيق معه بشأن علاقاته الإرهابية وانتهاكاته للسلطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى