أخبار السياسة المحلية

النازحون من سنار إلى القضارف… جوع وخوف ومطر!

القضارف – صقر الجديان

“اضطررنا لأكل بليلة الفيتريتة، وهي غير متوفرة حاليًا، وظل طفلي طريح الفراش في مستشفى الطنيدبة المجاور لمنطقة أبو رخم لمدة تسعة أيام بسبب سوء التغذية. والدته أوقفت رضاعته بسبب عدم توفر الغذاء.

الوضع الآن يفوق الكارثة”، يقول النازح محمد أحمد من مركز إيواء قرية حنان في منطقة أبو رخم بولاية القضارف لراديو “دبنقا”.

مع استمرار الحرب في معظم أنحاء البلاد بين الجيش والدعم السريع، والأمطار الغزيرة والسيول التي تضرب أجزاء واسعة من البلاد، يتواصل تدفق النازحين من مناطق الحرب، خاصة ولاية سنار، إلى ولايتي القضارف وكسلا بشرق السودان، وسط أوضاع إنسانية بالغة القسوة في مراكز الإيواء والطرقات.

وأعلنت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة عن نزوح 145 ألف أسرة، تضم أكثر من 725 ألف فرد، من ولاية سنار منذ اندلاع المعارك في يونيو الماضي.

ويبلغ العدد الكلي للنازحين في القضارف منذ اندلاع الحرب، وفقًا لإحصائيات منظمة الهجرة الدولية، نحو 765 ألف نازح في 12 محلية، موزعين على أكثر من 365 مركز إيواء.

وتسيطر قوات الدعم السريع على جميع محليات ولاية سنار عدا محلية سنار، التي تشهد هدوءًا منذ أيام.

أوضاع مأساوية

ويقول عز الدين دنكس، عضو مبادرة القضارف للخلاص، لراديو “دبنقا”، إن النازحين من سنار إلى مدينة القضارف والمحليات المجاورة يعيشون أوضاعًا مأساوية، مشيرًا إلى اكتظاظ مراكز الإيواء بالنازحين وارتفاع قيمة إيجارات المنازل، مما دفع بعضهم للعودة إلى سنار.

وتضطر بعض الأسر النازحة للإقامة في العراء بسبب تكدس مراكز الإيواء، حيث يتوزع بعضهم في المساجد والمباني غير المكتملة، بينما تفاقم الأمطار الغزيرة معاناتهم بسبب عدم توفر الغذاء والماء.

وأوضح دنكس أن مبادرة القضارف للخلاص قد فرغت، يوم الجمعة الماضي، من رحلتها الخامسة للمطبخ المتحرك لتقديم الوجبات الجاهزة إلى النازحين العالقين في الطريق بين القضارف وأبو رخم، بجانب النازحين في مسيد أبو رخم وقرية حنان بمنطقة أبو رخم، التي تبعد أكثر من مائة كيلومتر من القضارف.

وقال دنكس إن الأسر التي وصلت حديثًا من ولاية سنار إلى مسيد أبو رخم تعاني من إعياء شديد بسبب مكوثها لفترة طويلة على الطريق مع الأمطار الغزيرة والطين والوحل، حيث استغرقت رحلتهم نحو أسبوع مع نقص في الغذاء وافتراش الأرض المبللة بمياه الأمطار لأيام، مشيرًا إلى تسجيل حالة وفاة وسط النازحات في المسيد.

ويأوي المسيد نحو ألفي نازح، معظمهم يواصلون رحلتهم إلى القضارف والمدن الأخرى.

وذكر دنكس أن النازحين في مركز إيواء قرية حنان بأبو رخم يعيشون أوضاعًا إنسانية قاسية، حيث انتشار أنواع سامة من الثعابين مع عدم توفر الغذاء والأدوية.

ويبلغ عدد الأسر النازحة بقرية حنان 248 أسرة، ويبلغ عددهم 1761 نازحًا، والنازحون خليط من ولاية سنار وولاية الخرطوم.

سجلت مبادرة القضارف للخلاص ومطبخ أبو رخم المتحرك زيارة إلى مركز إيواء قرية حنان بمحلية المفازة بولاية القضارف، صباح الخميس، واستمرت الزيارة لحوالي ساعتين ونصف الساعة، وزع خلالها فريق المطبخ طعامًا ودواءً للنازحين.

وتفاقم الأمطار الغزيرة معاناة النازحين في قرية حنان، حيث لا تقي “الرواكيب والكراكير” – وهي مبان مشيدة من المواد المحلية – من أمطار الخريف.

وأظهرت مقاطع فيديو حصل عليها راديو دبنقا لحظة هطول الأمطار في القرية وغمر الرواكيب بالماء من كل جانب.

ولفت دنكس إلى أن النازحين يضطرون لأكل بليلة الفيتريتة بسبب عدم توفر المساعدات الإنسانية مع عدم توفر فرص العمل في المنطقة.

ونبه إلى أن بعض المنظمات توزع سلالًا غذائية في فترات متباعدة لا تفي بالحاجة.

وقال منصور موسى فرج الله، مشرف المركز، إن آخر سلة غذائية وصلتهم من برنامج الغذاء العالمي كانت قبل شهر ونصف (45 يومًا).

وقال فرج الله إنهم يحتاجون إلى مطبخ يقدم الغذاء للنازحين، كما شكا من تفشي رمد العيون وسط الأطفال، وأكد على حاجتهم الماسة للأدوية، كما أكد حاجتهم إلى علاجات الضغط والسكري والملاريا. ودعا فرج الله إلى تنظيم يوم مفتوح كدعم نفسي للأطفال.

ويصف المتطوع بمطبخ المفازة، محمود محجوب، أن معاناة النازحين في مركز إيواء قرية حنان تفوق معاناة النازحين العابرين من ولاية سنار عبر أبو رخم، وعزا ذلك إلى ضعف حضور المبادرات إلى هذا المركز النائي.

ويشير عز الدين دنكس، عضو مبادرة القضارف للخلاص، إلى نقص الأدوية في مركز إيواء قرية حنان، مشيرًا إلى أن منظمة أطباء بلا حدود توفر طبيبًا في المركز.

“كلنا أهل” في القضارف

وفي ظل تردي أوضاع النازحين في مدينة القضارف، تنشط عدد من المبادرات لمساعدتهم، حيث بدأت مبادرة “كلنا أهل” بجمع الملابس في المدارس وتوزيعها على النازحين في مراكز الإيواء.

وقال أسامة آدم، وهو معلم في مدرسة روينا المتوسطة بنين بالقضارف وعضو مبادرة “كلنا أهل”، لراديو دبنقا، إنهم بالتعاون مع منظمة وعد نظموا حملة لجمع الملابس بدأت في مدرسة روينا.

وأشار إلى توزيع ملابس للأطفال والنساء والرجال وأحذية للنازحين في مركز إيواء عمارة جهاز الأمن، مبينًا أن عدد المستفيدين أكثر من ألفي شخص.

وقال إن النازحين في حاجة ماسة للغذاء والماء، وإن معظمهم قدموا من الدندر والسوكي وسنجة.

ويضيف أسامة آدم أن هذا العمل يمثل تدشينًا لتدخل المدارس الإنساني لإغاثة النازحين، ووعد بأن مدارس أخرى ستحذو نفس الحذو، ودعا المدارس والمنظمات للتعاون والتنسيق لدعم النازحين.

من جانبه، وصف عز الدين دنكس – ممثل مبادرة القضارف للخلاص – هذه الخطوة بأنها ضربة البداية لتدخل مدارس الولاية لمساعدة النازحين، وشكر المشرفين على مركز إيواء مبنى الجهاز على الدور الكبير الذي يقومون به.

بدوره، شكر محمد علي – ممثل النازحين في مركز إيواء عمارة الجهاز – مجتمع القضارف على تضامنه الكبير، ووعد بتوزيع الملابس على النازحين بالمركز بنفس الطريقة التي تم الاتفاق عليها.

ويبلغ عدد النازحين في مركز إيواء عمارة جهاز الأمن 2,150 نازحًا، حيث يفترشون الأرض لعدم وجود فرشات، كما أنهم يستخدمون حمامات مبنى الجمارك المجاور، وشكا النازحون من عدم وجود وحدة صحية، وإنهم يعانون من نقص الغذاء.

وفقًا للإحصائيات الرسمية، فإن مركز إيواء معهد حاج الحسن الديني يأوي 2600 نازح من ولاية سنار، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، بالإضافة إلى حالات خاصة.

كما يبلغ عدد النازحين في مركز إيواء صالة الميناء البري في القضارف 12,520. وأشارت وزارة الصحة إلى تفشي الإسهالات والتهابات العيون وأمراض سوء التغذية.

وأفاد متطوعون أن النازحين بالمركز يعانون من الأمطار، خاصة رشاش المطر والهواء من جنبات مظلة الميناء الجاف.

وتعلن حكومة ولاية القضارف أن عدد النازحين بالولاية يصل إلى مليوني نازح، فيما يبلغ العدد الكلي للنازحين في مختلف أنحاء البلاد منذ اندلاع الحرب أكثر من 10 ملايين نازح وفقًا لإحصائيات منظمة الهجرة الدولية.

ويتطلع النازحون إلى توقف الحرب وحلول السلام من أجل العودة إلى مناطقهم ومنازلهم وإنهاء فصل مرير من المعاناة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى