بعد 12 أسبوعا.. حرب السودان بين داعم لوقفها ومؤيد لحسمها (تقرير)
- تيار "لا للحرب"، اصطفت حوله قوى سياسية ومجتمعية وشعبية، أبرزها قوى الحرية والتغيير ومكونات مهنية
الخرطوم – صقر الجديان
شارفت حرب السودان على دخول شهرها الرابع، ومع طول أمدها بدأت تتسع هوة الخلافات بين المواطنين الذين تباينت رؤاهم تجاهها ما بين مؤيد لوقفها وآخر يدعم حسمها.
وبات واضحا أن هناك تيارين هما الأكثر حضورا في المشهد السياسي، أحدهما يقول “لا للحرب” والآخر يدعو إلى “الحسم” ويدعم استمرارها إلى حين تحقيق أحد الطرفين النصر على الآخر.
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان يشهد السودان قتالا بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
ويتبادل الجانبان اتهامات ببدء القتال وارتكاب خروقات خلال سلسلة هدنات لم تفلح بوضع نهاية لاشتباكات خلَّفت أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون، وما يزيد عن 2.8 مليون نازح داخل وخارج إحدى أفقر دول العالم، بحسب وزارة الصحة والأمم المتحدة.
وبين القائدين خلافات أبرزها المدى الزمني لتنفيذ مقترح لدمج “الدعم السريع” بالجيش، وهو بند رئيسي في اتفاق مأمول لإعادة السلطة بالمرحلة الانتقالية إلى المدنيين، بعد أن فرض البرهان حين كان متحالفا مع حميدتي في 2021 إجراءات أبرزها حل مجلس الوزراء والسيادة الانتقاليين.
واعتبر الرافضون تلك الإجراءات “انقلابا عسكريا” على المرحلة الانتقالية التي بدأت عقب عزل الرئيس عمر البشير (1989-2019)، بينما قال البرهان إن إجراءاته هدفت إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، ووعد بإعادة السلطة إلى المدنيين عبر انتخابات أو توافق وطني.
بين تيارين
وبالنسبة لتيار “لا للحرب”، فقد اصطفت حوله قوى سياسية ومجتمعية وشعبية، أبرزها قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا) ومكونات مهنية مجتمعية.
أما تيار “نعم للحسم” الذي يدعم الجيش ويدعو للقضاء على “تمرد الدعم السريع”، فيضم تيارات إسلامية وأحزاب سياسية أبرزها حزب الأمة بقيادة مبارك المهدي.
وبين التيارين خلاف واضح يعود لمواقف الطرفين قبل اندلاع الحرب، وبعد توقيع الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022 بين المكون العسكري وقوى مدنية أبرزها “الحرية والتغيير ـ المجلس المركزي”، للتوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية.
وكانت العملية السياسية تهدف إلى حل أزمة ممتدة منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين فرض البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان حالة الطوارئ.
وتوجد مجموعة كبيرة من قوى الثورة خاصة “لجان المقاومة” التي كانت ترفض الحوار بين العسكر والمدنيين خلال الفترة الماضية، إلا أنها تدعم إيقاف الحرب وفق شعارها القديم “العسكر للثكنات والجنجويد (في إشارة للدعم السريع) ينحل”.
وقادت هذه اللجان احتجاجات شعبية منذ 25 أكتوبر 2021 تطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي، وترفض الإجراءات الاستثنائية التي فرضها البرهان وتعتبرها “انقلابا عسكريا”.
وتكونت “لجان المقاومة” في المدن والقرى عقب اندلاع احتجاجات 19 ديسمبر 2018، وكان لها الدور الأكبر بإدارة المظاهرات حتى عزلت قيادة الجيش البشير في 11 أبريل/ نيسان 2019.
وتقف قوى سياسية مع الجيش وتدعم خطواته في الصراع الدائر بغرض دحر قوات الدعم السريع، باعتبار أن معركة الجيش هي “معركة كل السودانيين ضد مليشيا متمردة”.
فيما تؤكد قوات الدعم السريع أن المعركة هي “من أجل استرداد الديمقراطية وإقامة حكم مدني في البلاد”، وذكرت أكثر من مرة أنها “أجبرت على القتال ضد الجيش، وأن معركتها ضد قادة الجيش وأنصار النظام السابق”.
إيقاف الحرب
ورغم أن الطرفين (الجيش والدعم السريع) أعلنا مرارا رغبتهما في الحل السلمي، وانخرطا في مفاوضات بمدينة جدة برعاية سعودية أمريكية، إلا أن الوقائع تسير عكس ذلك، حيث لم يتوقف القتال طوال الأشهر الثلاثة الماضية.
وتدعو قوى سياسية ومجتمعية إلى إيقاف الحرب والدخول في تفاوض “لأن الصراع العسكري لن يكون الحل لأزمات البلاد المستمرة”، وفق ما ترى.
القيادي بقوى الحرية والتغيير، محمد عبد الحكم، يرى أن “الوضع الكارثي الذي يعيشه شعب السودان يحتم على أطراف الحرب العبثية الاضطلاع بمسؤوليتهم الأخلاقية والأمنية ووقف الحرب بشكل فوري”.
وأضاف في حديثه للأناضول: “يجب الابتعاد عن عسكرة الحياة المدنية والعودة إلى الثكنات، والعمل على حلحلة كل أزمات البلاد عبر طاولات التفاوض، ومن ثم استعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي”.
وأشار عبد الحكم إلى أنه “من المهم النأي بالمؤسسة العسكرية عن ممارسة الأنشطة السياسية والاقتصادية، والالتزام بأداء مهامها الطبيعية بحفظ الأمن وحماية البلاد من المهددات الأمنية”.
وأردف: “نحن في قوى الحرية والتغيير ندرك أن الهدف الأساسي لهذه الحرب هو عسكرة الحياة المدنية وإحكام العسكر قبضتهم على السلطة وإنهاء أي جهود لاستعادة الحكم المدني الكامل، وهو أمر لن يسمح الشعب السوداني به على الإطلاق”.
وأردف: “الأوضاع الإنسانية من قتل وتشريد واغتصاب ونهب هي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ينبغي وقفها بوقف الحرب نفسها، وتشكيل لجان حقوقية لكشف مرتكبي هذه الجرائم ومحاسبتهم، بحزم وحسم”.
انقسام مستمر
وبحسب كثير من المتابعين، فإن “الانقسام في المشهد ليس جديد وهو ملازم للحالة السودانية قبل الحرب وبعدها”.
إذ يرى المحلل السياسي أمير بابكر، أن الانقسام كان واضحا بالشارع قبل اندلاع الحرب، واستمر بعدها بين أصوات تريد تأجيج الصراع وأخرى تتمسك بالحلول السلمية.
وأضاف في حديثه للأناضول: “بعد اندلاع الحرب فعليا في 15 أبريل، بدا المشهد منقسما بين دعوات لوقف الحرب وجنوح للسلم، وبين من يدعون من مناصري طرفي النزاع إلى حسمها عسكريا، وكل طرف من أولئك يدعم موقف من يناصره”.
وذكر بابكر أنه على مستوى القوى السياسية كانت القوى الموقعة على “الاتفاق الإطاري” ترى في الوصول بالعملية السياسية التي ابتكرتها الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و(المنظمة الحكومية الدولية للتنمية بشرق إفريقيا) إيغاد) مخرجا من مأزق الصراع أو الحرب.
ويوضح أن قطاعا واسعا من الشعب رافض للحرب التي وصفها قادة الجانبين المتصارعين بأنها “عبثية”، منطلقين في رفضهم من آثارها التي ستترتب على البلاد وعليهم، وهو ما حدث بالفعل خلال ثلاثة أشهر من المعارك التي خلفت دمارا واسعا في العاصمة ومدن أخرى إلى جانب القتلى والجرحى والنازحين، وفق المحلل.
اختلاف في الطرق
بدوره يعتبر المحلل السياسي عمر الفاروق أن “الجميع يدعو لإيقاف الحرب ولكن الاختلاف يكمن في طريقة التنفيذ”.
وأضاف: “البعض يريد العودة إلى ما قبل 15 أبريل، وهي مجموعات سياسية محددة، والبعض يريد وضعا جديدا ينهي تعدد الجيوش وتجنب الأخطاء التي أدت لاندلاع الحرب”.
واستطرد: “وبالتالي عدم تجريب المجرب، وهذا الاتجاه يؤدي إلى انفتاح جديد في العملية السياسية”.