تداول الدولار في النظام المصرفي ولو ببطء وحذر يمهد لخفض ديون السودان
الخرطوم – صقر الجديان
أثارت خطوة خفض قيمة العملة السودانية الشهر الماضي، والتي طال انتظارها لمعالجة أزمة اقتصادية مزمنة، ارتباكا بادئ الأمر في أوساط البنوك والمتعاملين والعملاء.
لكن بعد أقل من أسبوعين من تقليص السودان قيمة الجنيه، ووضع نظام للتعويم المحكوم، أخذت البنوك تضطلع تدريجياً بمعاملات الصرف الأجنبي، مما يفتح الباب أمام إعفاء من ديون بمليارات الدولارات، بل والحصول على تمويل جديد.
وتحصل الحكومة السودانية بالفعل على بعض المساعدات من المانحين كانت محجوبة من قبل بسبب العقوبات وتأخر إصلاح نظام سعر الصرف.
وخفض البنك المركزي سعر الصرف الرسمي إلى 375 جنيهاً سودانياً للدولار، مقترباً به من سعر السوق السوداء، بعد أن كان 55 جنيهاً في 21 فبراير/شباط.
ومنذ ذلك الحين تتحسس السلطات السودانية خطاها، بينما تُشجع المواطنين على استخدام البنوك، وتحاول قطع طريق الدولار على السوق السوداء.
وسيساعد إجراء المعاملات من خلال البنوك على بناء احتياطي نقد أجنبي لتمويل واردات السودان، الذي يباشر تحولاً سياسياً منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل/نيسان 2019.
ومباشرة عقب خطوة البنك المركزي، بدأ العملاء يعودون إلى مكاتب الصرافة والبنوك السودانية لشراء الجنيه، بعد سنوات من اللجوء إلى السوق السوداء.
وفي الأسبوع الأول، اشترت البنوك 25.4 مليون دولار من النقد الأجنبي وباعت 20.4 مليون دولار، حسبما قاله محافظ البنك المركزي محمد الفاتح زين العابدين على التلفزيون الرسمي الأسبوع الماضي.
وقال علي خالد (53 عاما) الموظف في شركة أجنبية بينما كان ينتظر لبيع الدولار في فرع بنك صغير في وسط الخرطوم هذا الأسبوع «بدأنا نبيع دولاراتنا إلى البنك لأن السعر واقعي ومعقول، وبهذه الطريقة ندعم أيضاً اقتصاد بلدنا.»
ويحق للعملاء شراء العملة الصعبة لأغراض محددة قررها البنك المركزي مثل السفر والتعليم والعلاج واستيراد السلع، بشرط تقديم الوثائق التي تثبت ذلك.
وبموجب القواعد التي وضعها البنك المركزي، لا يحق للمسافرين شراء أكثر من ألف دولار كل ستة أشهر، ويتعين على البنوك بيعه أي فائض من النقد الأجنبي يتكون لديها في نهاية كل يوم.
ويتحدث تجار السوق السوداء عن تراجع كبير في النشاط واستقرار قرب السعر الرسمي. وبيع الدولار بسعر 375 جنيهاً في السوق السوداء يوم الثلاثاء الماضي، بينما كان السعر الرسمي في ذلك اليوم 378.
وقد يختبر خفض القيمة بنوك السودان، التي ينوء بعضها بديون كبيرة بالعملة الصعبة، إذ لم ينجح منها في اختبار تحمل أُجري حديثا إلا 18 من أصل 37 بنكا، حسبما ذكر مصرفيّ مُطَّلِع.
وقال متعامل في السوق السوداء «إذا حدث نقص في العملة الصعبة الضرورية للاستيراد فسنعود إلى العمل.»
ومن المتوقع أن تتوقف الحكومة وكبار المستوردين عن اللجوء إلى السوق السوداء لتدبير واردات السلع الإستراتيجية.
وقال أمين شبيكة، المدير العام لدى بنك في الخرطوم «الحكومة كانت من أكبر المشترين في السوق السوداء، والآن توقفت.»
وتقول السلطات أنها تأخذ خطوات ستكفل توافر الدولار لتمويل واردات السلع الضرورية والدواء، مما سيحد من الضغط على العملة السودانية.
واستحدث السودان كذلك إجراءات لجذب التحويلات، التي قدرتها الأمم المتحدة بنحو 2.9 مليار دولار في 2018، والاستثمارات من السودانيين المقيمين في الخارج.
وفي غضون ذلك، سيطلق البنك المركزي نظاما لعطاءات العملة الصعبة مع البنوك المحلية لتعزيز المعروض الدولاري، حسبما ذكر المحافظ زين العابدين.
وتبلغ احتياطيات السودان 234 مليون دولار فقط، وفقاً لأحدث تقديرات صندوق النقد الدولي، وهو ما يكفي واردات 12 يوماً للبلد شديد الاعتماد على أموال المانحين.
ويقول المسؤولون أن شريحة أولى تبلغ 400 مليون دولار من أموال المانحين المخصصة لمشروع لدفع خمسة دولارات نقداً لجزء كبير من السكان قد أودع نصفها لدى وزارة المالية السودانية.
وقال برايان شوكان، القائم بالأعمال الأمريكي لدى السودان، في تصريحات لرويترز «هذا مفيد لأنها دولارات ستستخدم لشراء الجنيه السوداني، مما سيكون له أثر إيجابي.»
وتستضيف باريس مؤتمرا للمانحين والاستثمار في مايو/أيار المقبل، ويتوقع الدبلوماسيون أن يعقبه اجتماع لنادي باريس للدول الدائنة ودائنين خاصين آخرين من أجل البدء في إسقاط 65 في المئة من ديون السودان المقدرة بنحو 58 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات.
وقالوا إن ذلك سيسمح للسودان بالاقتراض من أجل مشاريع أكبر مثل تطوير البُنية التحتية.
وتعهدت الولايات المتحدة بقرض تجسيري لتسوية 1.055 مليار دولار متأخرات مستحقة للبنك الدولي، وهو ما سيتيح، حسب شوكان، تمويلا جديدا من البنك بما يصل إلى ملياري دولار على مدار عامين.