تسوية مرتقبة في السودان تمنح حصانة قضائية لقادة الجيش
الآلية الثلاثية تتسلم نص اتفاق حل الأزمة السودانية.
الخرطوم – صقر الجديان
بينما تتواصل جهود التسوية السياسية في السودان، لا تزال التظاهرات في الشوارع ضد الحكم العسكري متواصلة، إذ لم يؤثر اتفاق مرتقب لحل الأزمة على حماستها، ما يعكس أن فرص الحل لا تزال ضئيلة بعد أن اقتصرت المفاوضات على مكونات مدنية دون أخرى.
اقترب الجيش السوداني ومجموعة من قوى المعارضة من التوصل إلى اتفاق، بوساطة أميركية، يهدف إلى تسوية الأزمة السياسية التي يشهدها السودان منذ العام الماضي، فيما كشفت مصادر أن التسوية المرتقبة منحت قادة الجيش حصانة من المتابعات القضائية.
وينص الاتفاق المقترح على أن يوافق الجيش على تعيين رئيس دولة غير عسكري، ورئيس وزراء يختاره المدنيون، فيما يمنح شكلاً من أشكال الاستقلال والحصانة للجيش من الملاحقات القضائية، وهي التنازلات التي من شأنها أن تلغي الالتزامات الواردة في الوثيقة الدستورية التي كُتبت بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن وزارة الخارجية الأميركية أنّ الاتفاق الذي تتم صياغته قد يساعد في “تشكيل حكومة انتقالية وشاملة بقيادة مدنية مقبولة على نطاق واسع”. وأضافت الوزارة أنّ الحكومة السودانية “يجب أن تكون بقيادة مدنية، وأن توفر العدالة، والازدهار، والسلام”، مؤكدة أنّ “الحكم العسكري ليس، ولن يكون، مستداما”.
وشهدت المحادثات التي أُجريت خلال الأسابيع الأخيرة مفاوضات مباشرة بين الجيش وائتلاف “قوى الحرية والتغيير” المعارض، وفقاً لأشخاص مطلعين، بينهم دبلوماسيون.
وقال الأشخاص المطلعون، الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، إنّ المحادثات التي رتبتها اللجنة الرباعية المعنية بالسودان “كواد” عُقدت بشكل أساسي في مقر إقامة قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، الذي يحظى بتأييد أحزاب سياسية. وقال المتحدث باسم تحالف “قوى الحرية والتغيير” شهاب إبراهيم، إن اللجنة الرباعية سهّلت المحادثات مع وفد عسكري يضم البرهان ونائبه، الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع.
وكنقطة بداية للاتفاق، استخدم دستور انتقالي جديد مقترح صاغته نقابة المحامين السودانيين، على الرغم من إضافة عناصر تتضمن تنازلات لصالح الجيش. كما تنص مسودة الدستور الانتقالي على دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.
الاتفاق ينص على تعيين رئيس دولة غير عسكري، ورئيس وزراء يختاره المدنيون مقابل الحصانة من الملاحقات القضائية
وكان المبعوث الأممي للقرن الأفريقي فولكر بيرتس قد قال في تصريحات تلفزيونية الأسبوع الماضي إن الفصائل السياسية “توصلت إلى تفاهم مشترك” بشأن تشكيل حكومة مدنية انتقالية، مع إجراء انتخابات مقررة في غضون عامين.
وأشار وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، في مقابلة مع بلومبرغ، إلى وجود محادثات بشأن تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة وشاملة، وانسحاب الجيش من السياسة. وقال إبراهيم “نأمل في أن نتوصل إلى اتفاق ليس بين النشطاء والعسكريين، ولكن بين الكيانات السياسية في البلاد”.
وقال عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير في السودان خالد عمر يوسف الاثنين، إن التيار علم بقبول المكون العسكري بالدستور الانتقالي الذي أعدته نقابة المحامين كأساس لترتيبات نقل السلطة إلى المدنيين، واصفاً ذلك بأنه “خطوة إيجابية”.
و قالت مصادر سودانية إنّ الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، وتقوم بدور الوسيط في إنهاء الأزمة السياسية في السودان، تسلمت الخميس نص الاتفاق الذي توصل إليه رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان مع قوى الحرية والتغيير.
وأضافت المصادر أن الآلية الثلاثية ستعمل على مهمة تسهيل عملية التوافق بين السودانيين، في أول “تحركات جادة” نحو “اتفاق شامل” بين الجانبين، كخطوة على طريق حل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.
ومنذ التدابير التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في أكتوبر 2021، يشهد السودان اضطرابات سياسية واقتصادية، ويخرج للتظاهر بشكل منتظم آلاف السودانيين في العاصمة ومدن أخرى للمطالبة بعودة الحكم المدني ومحاسبة قتلة المتظاهرين، فيما تقدّر لجنة أطباء السودان المركزية أن نحو 100 شخص على الأقل قضوا وجرح العشرات.
والسبت الماضي، قال البرهان إن المؤشرات الراهنة تبشر بقرب الوصول إلى وفاق في البلاد بمشاركة القوى السياسية والمجتمعية وأطراف السلام. ونقل مجلس السيادة في بيان، عن البرهان قوله، خلال كلمة أمام منتدى للسلم والأمن الأفريقيين في إثيوبيا، إن تلك المؤشرات تأتي رغم ما واجهته المرحلة الانتقالية في السودان من “تحديات وتعقيدات كبيرة”.
وأضاف “كل ذلك يقوّي من الضمانات التي تكفل استقرار الفترة الانتقالية وتشكيل حكومة مدنية تدير البلاد وتهيئ المناخ وتتخذ التدابير اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية”. وجدد البرهان تأكيده على انسحاب المؤسسة العسكرية من السجال السياسي والتفرغ لأداء مهامها الأساسية المتمثلة في حماية أمن وسيادة البلاد.
وتصطدم التسوية القائمة بردة الفعل القوية للحزب الشيوعي الذي هدد بإفشال التفاهمات الجديدة، ويشكل ذلك موقفا عاما للحزب ولجان المقاومة، وهما عازمان على إسقاط التسوية والانقلاب، فيما لدى المجلس المركزي للحرية والتغيير قناعة بأن هذه المعارضة لن تؤثر على نجاح المباحثات وإنهاء الحالة الانقلابية ولجان المقاومة تتابع عن كثب ما يجري في المباحثات، وليس مستحيلا إقناعها بما يتم التوصل إليه.
فرص إنهاء الأزمة السياسية ضئيلة لأن المفاوضات جرت بين أجزاء من مكونات مدنية وعسكرية وهناك خلافات بين الجيوش والكيانات العسكرية
ويشير الواقع إلى أن فرص إنهاء الأزمة السياسية ضئيلة لأن المفاوضات جرت بين أجزاء من مكونات مدنية وعسكرية، وهناك خلافات بين الجيوش والكيانات العسكرية، كذلك الوضع بالنسبة إلى القوى المدنية التي تفتت إلى تيارات متباينة.
وغابت بعض القوى الفاعلة، على رأسها لجان المقاومة والحزب الشيوعي المصران على التمسك باللاءات الثلاثة (لا مفاوضات، لا شراكة، لا شرعية) إلى جانب عدم وضوح رؤية الحركات المسلحة التي ستقبل تسوية تضمن استمرارها في هياكل السلطة والتمسك باتفاق جوبا للسلام الذي وقعته الجبهة الثورية والسلطة الانتقالية.
وبينما تتواصل جهود التسوية السياسية في الخرطوم تظاهر آلاف السودانيين الجمعة هاتفين ضد “الحكم العسكري” بعد عام على انقلاب البرهان الذي وضع حدا للعملية الانتقالية الديمقراطية.
وفي الخرطوم هتف آلاف المتظاهرين “الشعب يريد إسقاط النظام”. وفي مدينة أم درمان على الضفة الغربية لنهر النيل، حيث أطلقت قوات الأمن قنابل مسيلة للدموع، هتف المحتجون “العسكر إلى الثكنات” في إشارة إلى مطالبتهم بالحكم المدني.
وردد المحتجون أيضا “لا للقبلية” و”لا للعنصرية”، غداة يومين داميين في ولاية النيل الأزرق بجنوب البلاد. واستؤنفت الاشتباكات بين الهوسا والقبائل المنافسة لها في هذه الولاية الزراعية المتاخمة لإثيوبيا ما أدى إلى سقوط 150 قتيلا من بينهم نساء وأطفال وشيوخ كما أصيب 86 شخصا.
وأدى الفراغ الأمني الناجم عن الانقلاب خصوصا بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم إثر توقيع اتفاق سلام بين فصائل مسلحة والحكومة المركزية عام 2020، إلى عودة النزاعات القبلية على الأرض والمياه والكلأ. وأعلن حاكم ولاية النيل الأزرق في السودان (جنوب) حالة الطوارئ الجمعة ومنح قوات الأمن صلاحيات كاملة لوقف القتال القبلي الذي أودى بـ150 شخصا في يومين.
وجاء في مرسوم أصدره أحمد العمدة بادي أنه “يعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء إقليم النيل الأزرق لمدة ثلاثين يوما”. كما كلّف المسؤولين المحليين للشرطة والجيش والمخابرات وكذلك قوات الدعم السريع بـ”التدخل بكل الإمكانات المتاحة لوقف الاقتتال القبلي”.
إقرأ المزيد